هل هناك ما يجعلنا نتوقع تغييرا فى مسار تأثير النخبة المتجهة بسرعة جنونية إلى أسفل..مع حلول 2010؟ هل تخفت الأصوات الحنجورية أم يملها الناس فتنجذب أسماعهم إلى النخبة الهامسة؟..أم هل تستسلم البقية الباقية من النخبة للتيارات السائدة وتحاربها فتصبح نخبة مهجنة؟ أم ستنفر منها فيزداد نقاؤها.. وهل نقاؤها يزيدها انعزالاً؟ يرى المفكر د. وحيد عبدالمجيد أنه لن يكون لهذه القطاعات أى مجال للمشاركة، فهناك احساس غالب فى أوساطها بأنه لا جدوى منها، وإن كانت فهى منخفضة.. وهو الشىء نفسه الذى يقوله الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة: لست متفائلاً بوجود أى تغييرات مهمة للنخبة الثقافية فى مصر على الساحة، فموقف النخبة معروف من قبل، والمواقف لن تتغير، وحتى إن كان هناك تفكير فى إحداث تغيير، فملامح هذا التغيير ليست واضحة، وبالتالى لا وجود لدور حقيقى على الساحة الثقافية. أما الكاتب والمفكر السيد ياسين فيطرح تساؤلات بدلاً من الإجابة فيقول: ماذا تقصدون بكلمة مستقبل؟.. تتساءلون عن النخبة، فأى نخبة تقصدون؟ لكن المؤكد أن التراجع له أسبابه، ويقول عبدالمجيد: المصالح الخاصة للأسف أصبحت طاغية، والنخبة المعارضة والتى تشارك فى الأعمال الاحتجاجية تخلو مشاركتها من أى إسهامات ثقافية، مثلاً تجد تجمعاً مثل أدباء من أجل التغيير، والأدب نفسه لا يوجد به أى تغيير، وهذه التجمعات لا ينتج عنها إلا مواعظ وخطب إنشائية من الممكن أن تخرج عن أى شخص عادى، ومعنى هذا أن النخبة الثقافية تجلس فى مقاعد المتفرجين. ويقول الأديب يوسف القعيد: لا يوجد أى دور ثقافى حتى فى الأحزاب سوى حزب التجمع الذى يصدر مجلة أدب ونقد فالدولة لا تؤمن بأن المثقفين جزء لا يتجزأ من أسباب قوة مصر، لهذا لا تجد فى البرلمان مُثقفين، أو فى الأحزاب، وإن وجدوا سيكون حضورهم بصفة خاصة لا بصفتهم مثقفين، فلا المجتمع ولا السلطة تحتضن المثقف، فتجد لا أحد يتذكر المفكر المصرى د. نصر حامد أبوزيد، إلا بعدما شهدنا قرار منعه من دخول الكويت، لكن قبل هذا هل هناك من تذكره؟ ويرى د. رفعت السعيد- رئيس حزب التجمع الوطنى- أن النخبة سوف تتراجع أكثر فى 2010 وهذا يرجع لتصاعد وسيادة الفكر المتشدد، وهو مؤهل لأن يتصاعد أكثر فى ظل وجود قيادة جديدة لجماعة الإخوان تنتمى لطائفة القطبيين، فنجد الكثيرين يتصدون لأمور الدين فى معظم الأحيان وفق الهوى، وفى أحيان أخرى وفق اللا معرفة، فنجد مثلاً د. يوسف القرضاوى- رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين- يصرح بأن بناء الجدار الفولاذى الذى تقيمه مصر على الحدود بينها وبين غزة عمل مُحرَّم شرعاً! وللأسف الصمت على هذه الأشياء أدى إلى تكاثرها وتداخلها، والفكر السلفى هو أحد الأسباب أيضاً التى تراها الكاتبة فريدة الشوباشى لتراجع دور النخبة الثقافية فى العام الجديد، وعن هذا تقول: النخبة الثقافية تمر بظروف صعبة، ففى حين تصدر إسرائيل لروسيا طيارين، نصدر نحن للعالم الخارجى النقاب والحجاب، وحتى فى الأوساط المسيحية رؤى ظهور العذراء مريم فوق الكنائس هى التى دار الحديث حولها أكثر، ولم يسأل أحد نفسه عن سبب اختيار السيدة مريم لأقباط مصر دوناً عن 2 مليار مسيحى فى العالم أجمع؟!.. فللأسف التدين الشكلى هو الطاغى،بالتأكيد فى ظل الإجماع العام على التراجع أكثر لدور النخبة فى 2010، يظل السؤال: أين دور النخبة فى التصدى لهذه التحديات؟.. وما الذى يجب عليهم أن يقدموه إن أرادوا إحداث تغيير حقيقى؟ أسامة أنور عكاشة يقول: لا أعلم السبب الذى من أجله أجد الجميع معولين على النخبة الثقافية لإحداث تغييرات، فكيف يحدث هذا والنخبة ضعيفة؟.. فلا وجود لجماعة نطلق عليها نخبة مصرية، وما يوجد هم الأفراد، فلا نقابة قوية تجمعهم، ولا وجود لتنظيم قوى يُمكنهم من لعب دور ملموس فى الشارع المصرى.. ويتساءل يوسف القعيد وماجدة موريس: هل المطلوب من النخبة الثقافية أن تنزل بنفسها للشارع لتوزع الكتب والثقافة؟.. إذا كان لا يوجد برنامج فى التليفزيون عن الكتاب. د. وحيد عبدالمجيد لا يجد أن هناك روشتة لقيام النخبة بواجبات محددة، ويضيف: لم يعد هناك فرق كبير بين النخبة والجمهور، وكلما يقل الفرق يزدد التخبط. فهناك تراكمات حدثت فى المجتمع على مدى نصف قرن أدت لشرخ حاد فى بُنيان الثقافة.. فتأثير السلفيين وتأثير الدولار وأموال رجال الأعمال أقوى من تأثير المفكرين- مهما حاولوا- وتضيف فريدة الشوباشى: النخبة سيرت الوضع، وهى مغلوبة فى النهاية، فكيف يمكن وسط كل هذا أن نطالب المثقفين أن يحاولوا التغيير؟!. وهنا نطرح سؤالاً: هل ما يقوم به المثقفون هو فقط التعبير عن آرائهم فى الصحف والمجلات؟ وأين دورهم كجماعة ضغط؟.. السيد ياسين يرفض السؤال قائلاً: يجب أن يكون هل ما يكتبونه له صدى أم لا؟.. لكن ليست وظيفة المثقفين أن يشكلوا جماعة ضغط.. وفى نفس الصدد يقول عكاشة إن دور النخبة الثقافية الآن ينحصر فى كتابة الآراء فى الصحف للتنفيس، أما دورهم كجماعة ضغط فمعدوم، وهو ما يُعبر عنه د. رفعت السعيد: دورهم أن يقولوا ما يعتقدونه وما يُحقق استنارة وتقدما للبلاد.. ويضيف د. وحيد عبدالمجيد: ياريت حتى الكتابة لها قيمة، وما يطرحه د. وحيد عبدالمجيد يجعلنا نتساءل أيضاً: هل بضاعة المثقفين بايرة؟.. عن هذا تجيب فريدة الشوباشى: لا تنس أن هناك أمية، حتى مُقدمو البرامج تجدهم فتيات جميلات لا أكثر، فى حين أن لديك الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفرى على العكس تماماً، فلا هى جميلة ولا نحيلة، لكن.. هناك فكر ووعى بما تقدمه، فالواقع- كما يذكر د.رفعت السعيد- أن المثقفين يكتبون لأنفسهم ولغيرهم من المثقفين!.. فهم معزولون عن قاع المجتمع، والقدرة على التأثير محدودة، وأجهزة الإعلام الرسمية مسئولة مسئولية كُبرى عن ذلك.. وترى ماجدة موريس أن المسئولية على الإعلام، فلو أتيح للمفكرين نفس المساحات التى تتم إتاحتها للمُعلقين الرياضيين والفنانين، لكان هناك شأن آخر، وللأسف بعض الشخصيات تدق الطبول وتقول مصر وكرامة المصريين وتأثيره كالعصا السحرية لإحداث تأثير فى الشارع، وهو ما شهدناه فى مباريات مصر والجزائر، فغالباً وجهة النظر الغوغائية هى التى تفرض نفسها مهما حاول المثقف العكس.. لهذا فإن الكتابة هى الحد الأدنى الذى يستطيع أن يُقدمه المثقف- هذا ما يراه يوسف القعيد- خاصة أن المثقف فى المرحلة الآنية يشهد أجمل مراحل توهجه الإبداعى، فما يكتب الآن لم يكتب فى أى عصر سابق، لكن الكتابة ليست لها قيمة أيضاً، لأن الأمية تستشرى، فالتواصل بين المثقفين ورجل الشارع العادى مفقود، فهناك فارق كبير بين أن أدخل إلى الجامعة مثلاً من خلال طالب يحمل كتاباً لى عن أن أدعى من الجامعة الحكومية لاستضافتى لمناقشة الكثير من الأمور مع الطلاب، ولا أنكر أن هناك تراجعا أيضاً بين المثقفين الذين لا يريدون سوى أن يكتبوا فقط، فأنا شخصياً أهتم بانتخابات نقابة الصحفيين واتحاد الكُتاب، لكنى لا أهتم بانتخابات مجلس الشعب، ولا أعلم حتى مكان بطاقتى الانتخابية، فالمثقف الحقيقى فى رأيى لا مُنتم لتيار بعينه، بل هو مُنتم للوطن ككُل، فحينما كان نجيب محفوظ يشترك مع هيكل فى وضع الميثاق الوطنى فى الستينيات كان يكتب وقتها ثرثرة فوق النيل وهى ضد النظام. ويقول يوسف القعيد: الاهتمام الأكثر بكرة القدم والفن، ففى حين نجد وزير الإعلام أنس الفقى يرسل طائرات للسودان وعليها العديد من الفنانات، دون دعوة مثقف واحد للمشاركة، فهو بذلك يساهم فى خلق صورة وجه مصر بالفنانين فقط.؟