في الأسبوع الماضي الذي طغت فيه أحداث مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر علي كل الأخبار، وتوترت فيه الأعصاب، وتمزقت العلاقات الأخوية بين الشعوب إلي حد مؤسف... أتاح لنا الزميل الإعلامي أحمد المسلماني في برنامجه (الطبعة الأولي) فرصة التعرف علي جانب من شخصية العالم الدكتور محمد غنيم في أحاديثه التي أجراها معه... وكنت في شوق شديد لمعرفة الحقائق التي رواها العالم الجليل بعد أن فوجئت منذ أعوام بأن (جوشوا نكومو) نائب رئيس جمهورية زيمبابوي أو رودسيا سابقا في عهد الاستعمار البريطاني، قد حضر إلي مصر وأجري عملية جراحية عند الدكتور محمد غنيم في المنصورة... وكان اعتزازي شديدا بهذه الزيارة التي أظهرت أن سمعة الدكتور محمد غنيم قد تجاوزت الحدود. وكان جوشوا نكومو مع الرئيس موجابي في حركة نضال واحدة ضد الاستعمار البريطاني... كما كان رئيسا للجنة التضامن... وتصادفت زيارته لمصر لإجراء العملية الجراحية عند الدكتور محمد غنيم مع احتفال اللجنة المصرية للتضامن عام 7991 بمسيرة أربعين عاما من تكوينها وشارك معنا بكلمة قال فيها إنه امتياز وشرف عظيم لي أن أشارك في الاحتفال بالذكري الأربعين لتأسيس اللجنة المصرية لتضامن الشعوب الأفرو آسيوية بواسطة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في ديسمبر 7591... والتي أظهرت تفانيا عظيما في النضال من أجل تقرير المصير. إن النضال لتحطيم قيود الاستعمار غالبا ما يمتد طويلا، ولذا فإن هذه المناسبة حافلة بالرموز العظيمة وبالأهمية لنا جميعا. واستطرد (جوشوا نكومو) قائلا إن فخامة رئيسنا روبرت جابرييل موجابي، والذي هو أيضا الرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الأفريقية، وحكومة جمهورية زيمبابوي وشعب زيمبابوي كله، يؤازرونكم حقا في دعم خطواتكم من أجل تحقيق سلام حقيقي لكل الشعوب في الشرق الأوسط. وكان وزير صناعة زيمبابوي الدكتور شايو باريرا مرافقا لجوشوا نكومو عند حضوره لمصر وذهابه إلي المنصورة لإجراء العملية في مستشفي الدكتور غنيم... وحضر معه الاحتفال بالعيد الأربعين للجنة المصرية للتضامن حيث ألقي كلمة قال فيها إن اقتصاديات أفريقيا لاتسير علي نحو مرض، بسبب أحداث الجفاف، والأسعار الأكثر انخفاضا لمنتجاتها في السوق العالمية، وأشار إلي إن ثماني وأربعين دولة في جنوب الصحراء الأفريقية تمتلك 2٪ فقط من التجارة العالمية، وتوصف معظم هذه البلاد بأنها دول فقيرة. وأشار وزير صناعة زيمبابوي أيضا إلي عدة قضايا هامة تتعلق بالأمة العربية جاء في مقدمتها قضية شعب فلسطين وقال إن أحد الإحباطات الأساسية في منطقتنا هو أن السلام في الشرق الأوسط لازال بعيدا، فعندما وقع الرئيس ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية معاهدات السلام في 31 سبتمبر 3991، اعتقدنا أن السلام قد جاء أخيرا، لكن الإسرائيليين كان لهم جدول أعمال مختلف، فهم حتي الآن لم يتخذوا خطوات جادة ومجدية لإيجاد نقاط اتفاق مع الفلسطينيين في القضايا الهامة التي تتعلق بالقدس والأسري والمستوطنات واللاجئين والسيادة، ولابد أن يحظي هذا الأمر باهتمام شديد من مجلس الأمن والأمم المتحدة. وأكد المسئول الزيمبابوي إن لجان وأعضاء منظمة تضامن الشعوب الأفرو أسيوية لم ولن يقبلوا عالما لاتكون فيه فلسطين عضوا كاملا... وأوضح إنه إذا أردنا أن نحقق وحدة هادفة في العالم الأفرو أسيوي، يجب أولا أن تتوحد الأقطار الأفريقية والعربية بشكل فعال، تجمعها رابطة الإخوة القوية للوحدة الأفريقية العربية. إننا نتطلع إلي إقرار البرامج الثقافية والاقتصادية والسياسية التي تعزز الوحدة بين العرب والأفارقة. وهكذا أتاح العالم الدكتور محمد غنيم الفرصة بعلمه وسمعته الطيبة لبعض قادة أفريقيا للحضور إلي مصر والتعبير عن مواقفهم السياسية.. كما أظهر حديث الدكتور محمد غنيم مع الزميل أحمد المسلماني أنه لم يكن عالما وطبيبا فقط... ولكنه كان سياسيا أيضا مرتبطا بتنظيم فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في مصر إلي أن تم حله مع سائر الأحزاب في سوريا بعد الوحدة مع مصر في فبراير 8591 وقيام (الجمهورية العربية المتحدة). وروي الدكتور محمد غنيم أنه سافر إلي دمشق في شبابه بعد التخرج في كلية الطب... وأنه التقي مع مؤسس الحزب ميشيل عفلق في منزله المتواضع هناك. تابعت آراء وأفكار الدكتور محمد غنيم التي رواها للزميل أحمد المسلماني.. والتي تميزت بالصدق والصراحة... وبأنها قد نسجت العلم مع السياسة مما يدفع إلي التقدير والاحترام... فهو يعبر عن رفضه للتطبيع مع اسرائيل ومدها بالغاز بأسعار رخيصة... ويعلن صراحة شعوره بالإكتئاب عند توقيع اتفاقية كامب دافيد... ويتحدث عن دوره كطبيب في غزة أخيرا وهي تتعرض للهجمات الإسرائيلية التي دمرت المنازل وقتلت المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء. كانت هذه الرؤية الأفريقية لمصر... ورؤية العالم المصري للسياسة أمرا يؤكد أن ما أحدثته مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر لاتعدو أن تكون زوبعة في فنجان.