أين هو العقل العربى الواعى؟ كيف استطاعت الخلافات أن تجد لها منفذا بين العرب الأشقاء الجزائر ومصر؟ شئنا أم أبينا، فالتاريخ يجمعنا والعروبة تنطق فى دمنا، والأكثر من هذا الإسلام يوحدنا. ألهذا الحد غاب الوعى واستطاعت شرذمة من الناس أن تؤثر وتجر وراءها الملايين لتملأ قلوبهم حقدا وغيظا تجاه بعضهم البعض، ويتبادلون التهم والألفاظ البعيدة عن قيمنا وعن أصالتنا وعن ديننا، والأدهى من ذلك والأمر أن كل طرف أحرق علم بلد الطرف الثانى.. ومن أجل ماذا؟ من أجل لعبة كان المفروض أن تتسم بشرف المنافسة؟! ألهذا الحد فقدت القلوب البصيرة وأحجمت عن رؤية حقيقة الأمر؟! ألهذا الحد رخصت الأعلام العربية؟! ورخص الجسد العربى؟! والله هذا عيب وعار.. أكتب هذا الكلام ولست أجامل أحدا، فأنا جزائرية وأعرف الجزائر جيدا - بلد المليون ونصف المليون شهيد - وكذلك عشت فى مصر - أرض الكنانة - فترة من الزمن جعلتنى أتعرف عليها عن قرب وأفهم طباع شعبها.. وليس لى إلا أن أقول أن لكل شعب طبيعته وتقاليده وألفاظه ومصطلحاته التى يستعملها باستمرار فى حياته اليومية. فماذا ينقصنا حتى حدث ما حدث من شغب واتهامات، وكل طرف يقذف الطرف الآخر وينعته بأبخس الكلمات وأرذل الأوصاف.. والله ليس هذا من الإسلام أولا وأخيرا.. فلماذا نتكلم عن القيم والمبادئ والأصول؟ أهو التعالى والعناد مثل الذى يحدث بين الأطفال الصغار الذين يتنافسون على لعبة فيحصل بينهم شجار وضرب.. مسألة الكرامة ليست بين المسلمين وبين العرب يا عرب.. ولكن الكرامة تكون بيننا كعرب وكمسلمين وبين الأعداء الذين لايريدون للمسلمين خيرا ويعيثون فى الأرض فسادا، وأولهم من يقتل المسلمين فى مختلف مناطق الأرض أهمها ما يحدث اليوم فى فلسطين.. لماذا يسكت الغرب ولماذا تسكت أمريكا عن مثل هذه الفتنة ولا تتدخل حتى بكلمات تهدئة مثلا؟! الأمر الذى حصل أكد لنا جميعا سواء كنا جزائريين أم مصريين أن هناك فجوة حاصلة فى العقل العربى وفراغا نعانى منه، ولست أراه إلا فى غياب المسئولية وطريقة تحملنا لها والقيام بها.. ليس لأننا لانعرف ولسنا مثقفين أو متعلمين أو فاهمين لديننا، وإنما فى لحظة امتدت عميت بصائرنا ولقيت لها الفتنة طريقا إلينا لتحاول أن تفرقنا بسبب التعصب والعناد والكبرياء والتعالى.. والمشكلة الأخطر هى أن الطبقة المثقفة والمتعلمة جدا من البلدين لم تتحرك بقوة لتطفئ نار الفتنة والتى ستتحول إلى صراع تستفيد منه دول تريدنا ألا نتحد طول حياتنا إذا بقينا نقذف فى بعضنا البعض لأسباب تافهة بمعنى الكلمة. فإذا كانت هناك أخطاء جسيمة من الطرفين ارتكبت سواء من طرف الرياضيين أو الجمهور المشجع، وقد امتدت إلى الشعبين من كلا البلدين، فهذا لايعنى أن نصب البنزين على النار لنزيدها اشتعالا.. وأول من يزيد هذه الفتن هو الإعلام الذى - وللأسف - لعب دورا سلبيا للغاية، فأصبح كالسلاح بحده الثانى؛ الحد القاتل.. الجزائر بلد أصيل ومصر بلد أصيل أيضا، والأمور التى حصلت وتحصل هى بسبب جهل عميق يسكن العقول والنفوس والقلوب أيضا.. أفلا يقولون بأن من الجهل ما قتل ويقتل.. أم نسينا بأننا ملزمون بتوظيف قيمنا بدلا من تركها مجرد شعارات وعناوين جميلة أو خطب نمتع بها أسماعنا بين الحين والحين.. إذن أين ذهب العقلاء من الشعبين؟! أين ذهبت الحكمة لكلا الطرفين؟ فما أعرفه شخصيا هو أن مصر تستقبل الآلاف من مختلف الدول ليدرسوا بها ويتعلموا فيها، وأن بها عقولا وأدمغة تزن أكثر من الذهب باستطاعتها القضاء على التعصب الأعمى الذى أبداه الطرفان من الجمهورين فى لحظات قليلة، وهم يستطيعون - هؤلاء العقلاء - بخطاب وتحليل واحد أن يغلقوا كل الأفواه التى أرادت نشر الفتنة أكثر وما أعرفه عن مصر أن بها تنوعا بشريا كبيرا، فهم أكثر من 80 مليون نسمة، فيهم الفقير والغنى، وفيهم العالم والجاهل، وفيهم المسلم وغير المسلم، وفيهم العاقل وغير العاقل، وفيهم كل المتناقضات التى توجد فى كل شعوب العالم.. وتبقى مصر التى نعرفها كتاريخ عريق هى مصر، ولكن أين هم المصريون الذين تشع قلوبهم حبا لإخوانهم العرب والمسلمين.. أين هم المصريون الذين يحبون الجزائر.. ما الذى حصل؟.. وماذا حدث؟.. الكل يتساءل ماذا حدث ولماذا حدث ما حدث، وخاصة أنه لاتوجد ضغائن دفينة أو أحقاد قديمة بين الشعبين.. والله يبقى السؤال مطروحا بقوة وحيرة.. أم هى لعبة مثل كرة القدم تفعل فعلها الشيطانى، ربما كانت هذه الجلدة منفوخة سما على الشعبين لكى تفرقهما، نسأل الله تعالى العافية. والجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد، كما تتغنى بها مصر نفسها، وهذا شىء رائع نعتز به ولانريد أن يأتى اليوم من يستغل الفرصة. فنحن لانريد وليس من مصلحة أحد أن يخسر بلداً عربياً، ولا أى بلد إسلامى مهما كان؛ حيث إن حاجتنا إلى الاتحاد ولم الشمل العربى ضرورية أكثر من أى وقت مضى.. فلننتبه إلى عدم وعينا وقلة علمنا وتجاهلنا لخطورة الوضع؛ فالنار تأتى من مستصغر الشرر، وما أكثر الذين يزيدون الفتن اشتعالا.. عافانا الله منهم.. وتبقى كل من مصر والجزائر والبلدان العربية والإسلامية قوة واحدة فى وجه العداء والكبرياء الأعمى للذين يعيثون فى الأرض وينشرون الفساد وينشرون الفتن بين الناس.. فمنهم يجب أن نحذر.. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.. اللهم أطفئ نار الفتنة واجعل كيد الأعداء فى نحورهم.. اللهم أنشر العقل والوعى والحكمة بيننا وحرك إرادة الخير بيننا.. آمين.