في طريقه إلي الوزارة استوقفت سيدة وزير الصحة د.حاتم الجبلي لتسأله عن شيء ما، ظن الوزير في البداية أن الأمر ربما لن يخرج عن طلب علاج أو شكوي من إحدي الجهات التي تقدم الخدمة أو أي شيء من هذا القبيل لكن السيدة التي بدت في منتصف العمر لم تطلب توصية من الوزير ولم تقدم له شكوي من سوء الخدمة وإنما سألته سؤالا مباشرا عن حقيقة مشهد للوزير ظهر علي شاشات التليفزيون وهو يقدم ذراعه للحقن بما قيل أنه المصل المضاد لأنفلونزا الخنازير. سألت السيدة الوزير: الحقنة التي أخذتها سيادتك أمام الكاميرا مصل انفلونزا الخنازير حقيقي؟ أم أنها حقنة فيتامين؟ طبعا سيترك البعض الموضوع وسؤال السيدة للوزير ليسألني أنا عن كيفية استيقاف السيد الوزير وهو في الطريق إلي الوزارة وهل هذا ممكن؟ وأين الحراسة والبودي جارد وما إلي ذلك من عوامل الفصل المعتادة بين الناس وبين كبار المسئولين في الدولة؟ معهم حق من يسألون ذلك السؤال لأن خبرة المواطنين في التعامل مع السلطة للأسف الشديد هي خبرة مريرة وسيئة للغاية ولعلنا نلحظ في تحركاتنا اليوم أن المواطنين في الغالب لا يستطيعون مقابلة صغار المسئولين في دواوين المصالح والهيئات والوزارات فما بالك بكبارهم. المألوف الآن أن يتولي جيل من العاملين في أعمال إدارة المكاتب والسكرتارية مواجهة الناس وصد هجومهم لمخاطبة المسئول الكبير، وكل واحد وحظه الذي يرتبط باختياره لمعاونيه من المديرين المساعدين ومديري المكاتب وعناصر السكرتارية، أحيانا يكون المسئول موفقا في اختيار واجهته الخارجية التي يقابل بها الناس الذين يفدون علي مكتبه وبالتالي تتكون له صورة إيجابية لدي الناس وخاصة في القطاعات التي تقدم خدمات. أعرف عددا لا بأس به من الموظفين الكبار المنتقبين أو المحتجبين الذين لا يظهرون علي الموظفين ولا الجمهور ويكتفون بإدارة أعمالهم من خلال السكرتيرة أو مدير المكتب وفي نهاية الأمر لا يعرف الموظف الذي يتقدم بطلب أو بشكوي إذا كان من يدير القطاع أو الهيئة هو السكرتير أم المدير؟ ومثل هؤلاء كثيرون في قطاع التأمين الصحي الذي يتصل مباشرة وبصورة يومية بمصالح المواطنين. الفارق بين المحافظين مثلا يظهر واضحا من هذه الزاوية، عرفت محافظين يحرصون علي الالتقاء بذوي الحاجات من الجمهور ومن الموظفين في أوقات معينة محددة سلفا يلتقي بهم المحافظ وجها لوجه وينظر في عين صاحب الحاجة ويفصل في المظالم بقدر مايستطيع ويطلب من معاونيه معلومات غابت عنه أو تعمد بعض مساعديه إخفاءها لسبب أو لآخر. المهم أن هذا النموذج الذي يلتقي الناس ينجح في عمله ويتجنب التورط في وقوع مشكلات بسبب سوء تصرف مساعديه في بعض الأحيان. النموذج الآخر الذي يتنقب فلا يظهر علي الرعية يصبح ألعوبة في يد من يقف علي بابه، وقد يبيعه لمن يدفع وتصبح سيرته علي كل لسان وهو لا يدري وقد يدري ولكنه لا يفضل المواجهة وظل الناس يحسبون أيامه معهم باليوم والساعة حتي ينقشع وتذهب عنهم الغمة. ذات يوم كنت في صحبة بعض أساتذة الجامعات وجاء ذكر بعض قيادات الدولة من أساتذة الجامعات. وعلي ذكر الأسماء المرموقة التي تولت مناصب عليا من بوابة الجامعة جاء ذكر الأستاذ الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الذي نجح في عمله السياسي ذي الطبيعة الخاصة، فعمله كرئيس مجلس الشعب يحتاج إلي توافر الخبرة الفنية لرجل يرأس المؤسسة التشريعية ويتطلب خبرة خاصة في الاتصال والتواصل مع الناس، بالإضافة إلي الحنكة في التعامل مع العوامل المتنافرة والقدرة علي التوفيق بين الأضداد. الشاهد أن أحد الأساتذة في جامعة القاهرة قال للحاضرين في تعقيبه علي شخصية رئيس مجلس الشعب أن تجربته الخاصة مع الدكتور سرور أيام كان نائبا لرئيس الجامعة كانت توحي بأنه سيكون له مستقبل في العمل السياسي، فقد كان يحرص علي الالتقاء شخصيا بزملائه من الأساتذة الذين يتقدمون بطلبات لموضوعات تخصهم ويناقشهم فيها ويفتح قناة اتصال معهم. وأضاف المتحدث: مسئولون آخرون ربما أقل في المستوي الوظيفي من الدكتور سرور كان يفرض علي زملائه من الأساتذة ترك طلباتهم عند السكرتارية ويرفض مقابلتهم بحجة أنه مشغول. العبرة من كل هذا الكلام أن الاتصال مع الناس مهم للغاية ولا يقدر تلك الأهمية إلا الأذكياء من المسئولين ومن وسائل الاتصال الجيدة التحرك كلما أمكن في تجمعات المواطنين والنظر في عيونهم وتلقي ردود الفعل المباشرة منهم. صحيح تفرض الظروف الأمنية علي كبار المسئولين إجراءات احترازية، ولكن ذلك لا يعني فرض العزلة علي المسئول فيتنقب ولا يري سوي من عيني سكرتارية سيادته أو بعض معاونيه. عفوا.. لقد طال الاستطراد في موضوع المسئول المتصل بالناس والآخر المعزول عنهم. أعذروني لهذا الاستطراد المطول الذي قادنا إليه الكلام عن حقنة السيد الوزير التي سألته عنها سيدة في الشارع، بينما كان ذاهبا إلي الوزارة ماشيا. في الإجابة عن الأسئلة المطروحة فإن الوزير يذهب أحيانا ماشيا إلي مكتبه القريب من منزله ويلتقيه بالصدفة بعض الناس الذين لا يصدقون أن الوزير يمشي في الشارع، ومن أشهر المسئولين الذين كان الناس يلتقونهم في الشارع وفي المترو الدكتور أسامة الباز شفاه الله وعافاه. أما الحقنة التي أخذها السيد الوزير فكانت فعلا من مصل أنفلونزا الخنازير، ولا توجد طريقة لحماية البلاد من الوباء وأخطاره سوي التحصين ضد الفيروس علي نطاق واسع بإطلاق حملة قومية للتطعيم حسب برنامج وزارة الصحة ربما تتكلف ما يقرب من 3 مليارات جنيه مصري، يستطيع القادرون تحمل تكاليف تطعيمهم ومساعدة غيرهم في الحصول عليه. ومشكورين إذا قابل أحدكم الوزير في الشارع فليسلم لي عليه. وكل عام وأنتم بخير.