فجأة تهللت أسارير ملايين من المسلمين الذين تابعوا الأخبار التى نشرتها وكالات الأنباء عن إنتاج فيلم عالمى يتناول سيرة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم- باللغة الإنجليزية اسمه المبدئى النبى محمد، وتحول الأمر إلى ترحيب بالغ فى أوساط عديدة على مستوى الوطن العربى، لأكثر من سبب، أولها أن تمويله عربى، وثانيها أن الشيخ يوسف القرضاوى هو من يشرف على السيناريو والحوار، فضلا عن أن من يتولى مهامه الإنتاجية هو بارى أوزبورن، المنتج العالمى ذائع الصيت، الذى سبق أنتج ملك الخواتم، وماتريكس، ومع وجود هذه الأسماء القوية ترسخت الثقة فى نفوس العديدين بالوطن العربى بأن العمل الجديد، هو نصر للإسلام، ورد متكافئ على الإساءات المتتالية والمتكررة للإسلام والمسلمين من الغرب، خاصة أن الإعلان عن الفيلم، واكب التظاهرة التى شهدتها الدنمارك اعتراضا على أحدث حلقات الإساءة للإسلام والمسلمين، بإصدار فيلم فتنة الوثائقى، الذى يعيد عرض الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، ويدعو فى نهايته إلى ضرورة التصدى الحاسم للمد الإسلامى..!!! اللافت أن مجموعة النور القابضة للإنتاج التليفزيونى والسينمائى قطرية الجنسية، والمسئولة عن دفع ميزانية وصلت حتى الآن إلى 200 مليون دولار فى الفيلم المنتظر، حديثة النشأة للغاية، ولم يسبق لها الإنتاج أو التعامل مع هذا المجال، والمثير للدهشة أن إطلاق الشركة جاء قبل الإعلان عن الفيلم المنتظر بيوم واحد!، وذلك خلال مؤتمر صحفى أقيم فى قطر الجمعة 30 أكتوبر، ليعلن عن الفيلم يوم الأحد 1نوفمبر!، المفاجأة ذات العيار الثقيل هى أن أحمد عبدالله المصطفوى الهاشمى الذى جلس بين الشيخ يوسف القرضاوى والمنتج بارى أوزبورن ليعلن عن الفيلم فى ختام الدورة الأولى من مهرجان الدوحة تريبيكا السينمائى، الذى أنهى فعالياته الأسبوع الماضى، هو فى الأصل رئيس مجلس أمناء مدرسة أبوبكر الخاصة بنين بقطر! ولعل السؤال الذى يطرح نفسه، كيف يتحول رئيس مجلس أمناء مدرسة لا توجد أى إشارات أو معلومات بشأن أعماله التجارية من قبل، إلى منتج عالمى يترأس مجلس إدارة مؤسسة تضم حتى الآن زهاء مائتى موظف موزعين فى فروعها التى لم يعلن عن مكانها بعد ببلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل ويعلن فى المؤتمرات الصحفية أن مؤسسته الوليدة استثمرت فى عام 2009 زهاء خمسين مليون دولار، وتسعى لاستثمار ثلاثين مليون دولار فى 2010،وأن لها محفظة استثمارية تبلغ قيمتها مائتى مليون دولار!، بل يصل الأمر- على حد قوله- إلى أن المجموعة تريد شراء الأصول المتعسرة فى صناعة السينما بالولايات المتحدة وبريطانيا، فضلا عن أن الشركة المستعجلة قد أعلنت أنها ستقوم أيضا بإنتاج سلسلة من الرسوم الكرتونية من ثلاثين حلقة عن حياة النبى ينبغى أن تنجز قبل نهاية العام!، ربما يكون محقا فيما يقوله ولكن لا يوجد دليل إثبات يؤكد ذلك، مما يضفى على المسألة المزيد من الغموض. بعض الجرائد الأجنبية رأت الموضوع بشكل مختلف تماما، حيث اعتبرت أن قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعى المسال فى العالم تبحث عن الريادة الثقافية، وتهدف لأن تكون مركزا ثقافيا بالوطن العربى. وهو هدف جيد لا بأس به ولكن الريادة لا تتحقق بالعزف على أوتار المسلمين المشدودة جراء الإساءات المتتالية لدينهم، ولا تتحقق أيضا باستنساخ تجارب أجنبية، لا لشىء إلا لتحقيق هدف طائفى آخر.. حيث يتم الترويج الآن لنغمة تقول إن الفيلم سيحقق نجاحا يتجاوز ذلك الذى حققه آلام المسيح.. هذا إذا أخذنا فى الاعتبار أن مهرجان تريبيكا الدوحة للأفلام السينمائية الذى تم الإعلان عن الفيلم فى نهايته لم يكن سوى نسخة مقلدة من مهرجان تريبيكا الأمريكى أشرف عليه روبرت دينيرو الذى ينظم المهرجان الأصلى، الغريب أن ثمار هذا الحقن الطائفى وشحن العواطف دفاعا عن فيلم لم تتضح له أى معالم حتى الآن قد بدأت تطفو على السطح حيث أخذت بعض المواقع الشيعية على الإنترنت تطالب بفيلم مماثل عن على بن أبى طالب.