عندما تتراكم لدي العلماء كميات هائلة من المعلومات التي تتعلق بالحاضر وتعوقه عن رؤية المستقبل فإن هذه الظاهرة يطلق عليها مصطلح "عدم المعرفة المكتسبة". فهنا لا تأتي المعرفة بشكل طبيعي أو تلقائي وإنما تكتسب كما يكتسب العلم. فإذا أردت أن تسير في ركاب التقدم المتسارع فلابد أن تتخلص من ركام "عدم المعرفة المكتسبة" التي تشغل ذهنك وتحجب عنك رؤية التغيير. يقتصر تفكير أغلب الخبراء علي الوضع الراهن دون النظر للمستقبل، فهم يفكرون تبعا لثقل "عدم المعرفة المكتسبة" لديهم فلا يراجعون فرضياتهم أو يدلون بوجهات نظرهم ولكنهم إذا ما أفلتوا من هذه الدائرة التقليدية فإنهم سرعان ما يكتشفون دائرة الأفكار الابتكارية. فالتخلص من الحمولة الذهنية الجاثمة في ذهن المعارضة لموسوعة تفسير القرآن شعرا مهمة صعبة إلا أنها مهمة شيقة. ولهذا، أفند مدي صلاحية الآراء الرافضة لموسوعة تفسير القرآن الكريم شعرا من علماء أجلاء أو شعراء وكتاب استمتعنا بكتاباتهم، يسرني أن ألخص ردي كما يلي:- أولاً: الاتجاه الصارخ لمجمع البحوث الإسلامية نحو الرفض اتجاه غير طبيعي وغير منطقي، حيث لم يذكر ميزة واحدة لهذا العمل وهو ما يخالف حكمة الله في مخلوقاته، حيث جاء الرفض دون تبرير "وهذا لا يجوز" علي شكل العمل وليس جوهره مركزا علي مسائل خلافية ليس عليها إجماع. ثانياً: إذا كان القول بأن الشعر لا يتناسب مع ما ورد في القرآن الكريم من ناحية اللفظ والتعبير فأني لبشر أن يأتي بما يتناسب مع كتاب الله؟! وإذا كانت القضية مطلقة فمعني ذلك عدم جواز تفسير القرآن الكريم نثرا أو شعرا. ثالثا: إذا كان اللفظ من الشاعر فالمعني حسب استقامته الذي يؤكد للقارئ أن ما قيل من تفسير نظمي لكلام الله - سبحانه وتعالي - وليس الكلام للشاعر، والدليل القطعي علي ذلك أن تفسير كل سورة يبدأ باسم الله الرحمن الرحيم ولا يوجد تفسير سورة غير مفتتحة باسم الله شعرا. أما إذا كان الضمير للقارئ علي المطلق بدون تميز فمعني ذلك أن المجمع قد أفتي بعدم جواز قراءة القرآن الكريم، وهذا ما لا يقبله عقل أو منطق. رابعاً: لقد كان الشعر إحدي الوسائل الرئيسية للدعوة الإسلامية دفاعا واستقطابا كما أنه سهل الحفظ ويستخدم لتقريب العلوم، وقد أدرك ابن مالك أسرار كل اللغة العربية بألفيته. خامساً: تفسير القرآن الكريم بالشعر يصون قدسيته ولا يقلل من شأنه، فما الفرق بين تفسير الطبري والتفسير نظما؟ والتفسير بالشعر علي الرغم من أنه يقيد المفسر إلا أنه يضفي حلاوة لصياغة التفسير سواء كان تفسيرا بالرأي أو التفسير المأثور، حيث لا يوجد به ما يخالف الشريعة ومتفق مع الثوابت والمقررات الدينية وقد أكد المجمع ذلك. سادسا: لا يجوز للمسائل الخلافية أن تعتبر إجماعا، كما لا يجوز الحجر علي فكر لأن الرأي العام قادر علي التمييز بين الغث والثمين، وكان الأفضل لعلماء مجمع البحوث الإسلامية الأفاضل تحمل مسئولياتهم تجاه هذا العمل الجديد حتي وإن اخطأوا فيه "وهذا غير وارد في هذه الحالة" فذلك أفضل من الهروب من المسئولية برفضه. سابعاً: وصف سورة من سور القرآن الكريم بالشعر لا شيء فيه، وما قيل من التفسير النظمي وصف يتحدث عن الآراء والأحاديث المتصلة بالآيات ولم يأت بشيء جديد "عدا كونه شعرا"، والتفسير يمكن أن يكون معه قول مأثور للنبي - صلي الله عليه وسلم - أو قصة سواء كان التفسير شعراً أم نثرًا. ثامنا: بعد أن تغلبت لغة قريش علي لهجات الشمال والجنوب بجزيرة العرب أصبحت لغة الأدب عند جميع قبائل العرب فيها كان ينظم الشعر وتلقي الخطب، ترسل الحِكَم والأمثال وتدون الرسائل ويتباري الأدباء في مختلف بلاد العرب ومختلف قبائلها، وقد تم ذلك قبل بعثة الرسول - عليه الصلاة والسلام -بزمن غير قصير، وحيث إن الأدب والقرآن دونا بلهجة واحدة فليس هناك ما يمنع من أن يتغزل بالشعر أحد عباد الله في آياته ومدي إعجازها "وليس المضاهاة" يحمل طابع الفخر بكتاب الله سبحانه وتعالي "ولا ينسبه إلي نفسه" مستشهداً بالأحاديث النبوية الشريفة. ودرجة الغزل هنا تحمل معني الوصف "أو صورة من صور المدح والفخر" وهي درجة من درجات التفسير وليس التفسير في حد ذاته ولا تحمل شيئاً جديداً وإنما تعبر عن عظمة الله في صياغة وحكمة آياته. أليست أسماء الله الحسني تعبر عن صفات الله سبحانه وتعالي؟". تاسعاً: أقول لكل الآراء الرافضة "لموسوعة تفسير القرآن الكريم شعرا" إن رفضكم وإن كان يغلف بإطار ديني إلا أن هذه ليست حقيقة الرفض وقد يكون هناك سبب آخر لا أعلمه.
د. محمد سيف الدين طه رئيس مجلس إدارة مركز الخليج العربي والمركز الاستراتيجي