يقولون: إن المرأة المسلمة لا يحق لها أن تشارك فى أى انتخابات، أو تكون عضوة فى البرلمان أو تكون وزيرة أو قاضية!! ناهيك عن رئاسة الوزارة أو الدولة. نص الفتوى 1- "إن الشريعة الإسلامية تمنع المرأة من أن تتولى شيئا من الولايات العامة، وما يخص شئون الجماعة كولاية شئون القوانين والفصل فى الخصومات، وتنفيذ الأحكام، وعليه فلا يصح أن تكون المرأة عضوا فى البرلمان، إذ إن الشريعة الإسلامية قد قصرت هذه المهام على الرجال، وأنه قد جرى التطبيق العملى على ذلك من فجر الإسلام حتى يومنا هذا". واختتمت اللجنة بيانها هذا بحديث ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. "لا أفلح قوم ولوا أمورهم امرأة" رئيس لجنة الفتوى بالأزهر: الشيخ عبدالفتاح عنانى 1952 2- ويقول المودودى: ليس للمرأة حرية الإرادة والاختيار مثل ما للرجل، وليس لها مكان فى المناصب الإدارية بالدولة، من الإدارة إلى الوزارة إلى الرئاسة إلى مجلس الشورى عضوا أو ناخبا، فلقد أوصد القرآن هذا الباب أمام النساء "كتاب المودودى" تأليف د. محمد عمارة ص.375 قصة فتوى الأزهر فى 1952 بعد قيام الثورة فكر الضباط الأحرار لأول مرة فى التاريخ المعاصر فى العالم الإسلامى، أن يعيدوا إلى المرأة المصرية حقوقها الدستورية والإسلامية التى سلبت منها فى مرحلة التخلف.. وفى ظل الحكم المملوكى ثم التركى ثم الاستعمار البريطانى.. وكانت هذه الفكرة فى حد ذاتها لا تقل جرأة وشجاعة وخروجا عن المألوف عن الثورة على الملكية وطردها.. ولكن الأزهر فى ذلك الوقت لم يستطع أن يستوعب فكرة تحرير المرأة ومساواتها فى الحقوق والواجبات.. أو السماح لها بالترشيح أو عضوية البرلمان.. أو أن تكون قاضية أو وزيرة مسئولة عن قطاع هام فى الدولة. فأصدر هذه الفتوى الغريبة وكأنه ينقل أفكار المودودى وابن باز ويكررها.. كلمة بكلمة وحرفا بحرف. ولكن مصر والحمد لله، لم تخل من أصحاب الفكر العصرى المتطور، ومن كبار العلماء أهل الثقة والاجتهاد من داخل الأزهر أو خارجه، فما أن أذيع هذا البيان فى الصحافة ووسائل الإعلام حتى بادر بالرد عليه فريق كبير من هؤلاء العلماء وفى مقدمتهم الشيخ عبدالمتعال الصعيدى فى كتابه "من أين نبدأ" والدكتور زكريا البرى فى مقال له فى مجلة العربى (نوفمبر 1970) والأستاذ البهى الخولى فى كتابه "المرأة بين البيت والمجتمع"، والأستاذ أحمد صفى الدين عوض من السودان فى كتابه "معالم الدستور الإسلامى" والدكتور محمد عمارة فى كتابه "الإسلام والمستقبل"، والدكتور عبدالمنعم النمر وزير الأوقاف فى كتابه "الاجتهاد" والشيخ الباقورى فى مجلة العربى وقد تناولت شخصياً هذه القضية فى كتابين هما كتاب "كيف نحكم بالإسلام فى دولة عصرية" وكتاب "الاختلاط فى الدين وفى علم الاجتماع" (الهيئة العامة للكتاب) ويهمنا أن نلخص هنا النقاط المهمة التى جاءت فى ردودهم: أولا: الجانب التاريخى فقد رد الشيخ عبدالمتعال الصعيدى على هذا البيان ووصفه بعدم الأمانة العلمية وأبان أنه غير صحيح ما ذكر فيه من أن المرأة لم يكن لها رأى فى شئون المسلمين ولم يكن لها شىء من الولاية العامة بينهم، وغير صحيح ما قيل فيه أن العرف قد جرى على ذلك من فجر الإسلام، وقد استشهد المعقبون بعشرات الأحاديث التى كان للمرأة فيها على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه دور هام فى المشورة وفى التشريع.. ومن ذلك مشورة أم سلمة لرسول الله فى صلح الحديبية وكيف عمل بها الرسول، وقصة المرأة التى ردت على عمر قانونا أراد أن يفرضه فقالت له "ليس لك ذلك ياعمر".. ثم بينت حجتها من القرآن الذى هو بمثابة الدستور الإسلامى فقال قولته المشهورة "أخطأ عمر وأصابت امرأة" ثم دور عائشة فى تفسير القرآن والحديث النبوى وكيف يطبقهما المسلمون تطبيقا صحيحا.. فهى بمثابة وظيفة رجال الدستور الذين يبينون للحكومة والمسئولين إذا كان تصرفهم مطابقاً أم مخالفا للدستور وغير ذلك كثير من الأعمال السياسية التى شاركت فيها المرأة المسلمة. ثانيا : الجانب الشرعى والملاحظ أن جميع أعداء المرأة يستشهدون بحديث ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا أفلح قوم ولوا أمورهم امرأة" فهذا الحديث موضوع وضعيف فهو أولا حديث آحاد، والقاعدة الشرعية تنص على عدم أخذ أى قاعدة شرعية من حديث الآحاد، وهو يتعارض مع القرآن كما ذكرنا سابقاً، انظر كتابنا (أحاديث موضوعة فى الكتب، الصحاح) يصدر قريباً. 3- أما قول اللجنة "وهذا هو ما فهمه أصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) وجميع أئمة السلف لم يستثنوا من ذلك أمراً ولا قوما ولا شأنا من الشئون العامة، فهم جميعا يستدلون بهذا الحديث على حرمة تولى المرأة الإمامة الكبرى والقضاء وقيادة الجيوش، وما إليها من سائر الولايات العامة "فقد ردوا على ذلك بأنه كلام تنقصه الأمانة والدقة العلمية وفى ذلك يقول الشيخ عبدالمتعال الصعيدى فى كتابه (من أين نبدأ) ص86 - 96: (أنه قد حدث خلاف قبل عصرنا هذا بين الفقهاء ولم يتفق أئمة السلف على حرمان المرأة من كل هذه الحقوق كما ذكر البيان فقد خالفهم فقهاء كثيرون منهم ابن جرير والطبرى.. وأبوحنيفة). حقوق المرأة فى الدستور الإسلامى: لقد أعلن الإسلام المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق والواجبات، سواء فى ذلك الحقوق المدنية أو الاقتصادية أو التعليمية أو السياسية أو حق العمل والرزق. وينص القرآن الكريم على هذه الحقوق فى بنوده فيقول تعالى: "ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف" (البقرة: 228) ويقول أيضاً: "إنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" (آل عمران: 195). وتنفرد الشريعة الإسلامية عن جميع الشرائع الأخرى بأنها تجعل للفتاة قبل الزواج شخصيتها المدنية المستقلة عن شخصية أبيها أو ولى أمرها، وإذا تزوجت تظل لها هذه الشخصية المستقلة عن الزوج. فلها أن تمتلك العقار والمنقول وتتصرف فيما تملك ولا يحق لوليها أو زوجها أى تصرف قانونى إلا بإذنها وبتوكيل منها. ولا تزوج أى فتاة أو امرأة إلا بإذنها ورضاها ولابد من وجود شهود على أنها قبلت ورضيت بهذا الزوج ولم تكره عليه وإلا أصبح الزواج باطلا. والشريعة تقرر للمرأة حق التعليم بجميع أنواعه فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، ولا يجوز فى الدستور الإسلامى أن يقصر تعليمها على كليات معينة أو مهن بذاتها.. وبالتالى فلها أن تختار العمل الذى تشاء.. لا فرق فى ذلك بين المرأة والرجل، ولكن هناك مبادئ لعمل المرأة صيانة لها ولصالح الأسرة والمجتمع: 1- ألا يكون فى هذه المهنة إرهاق لها أو إعاقة عن واجبات الأمومة والحياة الزوجية. 2- ألا يكون فى هذه المهنة تعرض للمرأة لمواقف الفتنة والزلل. 3- ألا تستغل فى هذا العمل أنوثة المرأة وجمالها بل يكون رزقها من علمها وجهدها. وفى حالة قيام دولة الإسلام يجب أن تعطى المرأة حسب ظروفها وبناء على طلبها ساعات عمل أقل ولو براتب أقل وبذلك لا تفقد وظيفتها وتظل عضوا نافعا للدولة.. وفى نفس الوقت لا تطغى الوظيفة على حقوق الزوجية والأمومة. ومن أهم المآخذ على بيان اللجنة أنهم يتبعون أسلوب المودودى من الاجتراء الجاهل فى تفسير القرآن والشريعة وتحميله ما لا يحتمل.. وهو ما وصفه الدكتور محمد عمارة بأنه (فكر متخلف) من ذلك ما ذكره المودودى (لقد أوصد القرآن هذا الباب أمام النساء)، وقول اللجنة (إن الشريعة الإسلامية تمنع المرأة أن تتولى شيئاً). وقالوا إن هذا اجتراء على الحقيقة.. فالقرآن الكريم قد نص على مبايعة النساء وقال: "فبايعهن واستغفر لهن الله، إن الله غفور رحيم". والبيعة لا تقتصر على مجرد إعلان الإسلام، بل هى مشاركة فى المسئولية فى كل شئون الرعية لقوله تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وقوله "ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف"، وقوله "يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" ومعنى أن تشارك المرأة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أنها أصبحت مسئولة وشريكة فى إدارة الدولة والحكم بين الناس وخاصة منصب القضاء والوزارة!! وغير صحيح ما ذكرته اللجنة من أنه (جرى التطبيق العملى على ذلك من فجر الإسلام حتى يومنا هذا) فالتاريخ الإسلامى يقول غير ذلك ويذكر الكثير عن مشاركتها فى إدارة شئون الرعية بل وأيضاً فى الترشيح لمناصب الدولة: فال رسول " صلى الله عليه وسلم " قد رشح عائشة بنت أبى بكر لتكون مدرسة للدين من بعده.. فقال: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء" وهو منصب رفيع لم ينله حتى أبوبكر ولا عمر ولا غيرهم من رواة الحديث. وكأنها أستاذ فى جامعة الأزهر أو أى جامعة أو مدرسة فى ذلك العصر. أيضا كان لها رأى فى بيعة على للخلافة، وعارضته إلى حد القتال.. وكان الصحابة الأولون يحرصون على مبايعة النساء لهم.. وعندما رشح الخليفة أبوبكر سيدنا عمر للخلافة من بعده رفضت فاطمة بنت النبى (صلى الله عليه وسلم) مبايعته: وأخذ أبوبكر بنفسه يقنعها بالحجة والمنطق حتى اقتنعت وبايعته. ومن حق المرأة المسلمة أن تجير من تشاء من الرجال وأن تمنح الأمان فى السلم وفى الحرب.. كما منح الرسول (لأم هانئ) هذا الحق فى قريب لها. أما عن منصب القضاء: فلا يوجد نص واحد فى القرآن أو السنة يمنع المرأة من هذا المنصب بعد أن حصلت على أعلى الشهادات فى القانون ورعاية الأمومة والطفولة. ولذلك يرشحها أهل العلم العصريون للقضاء فى هذه المجالات ويعتبرون من تخصصت فى هذا المجال أحق من الرجل لأنها تزيد عنه بالخبرة والعاطفة فى مجال الأمومة والطفولة.. وهى أكثر من الرجل علما بمشاكل الأمهات وانحرافات الأطفال والشباب ومشاكلهم النفسية.. والخلاصة أن بعض فقهاء المسلمين المعاصرين عندما يصدرون فتاواهم فى قضية مهمة يتقيدون حرفيا بما سبقهم من اجتهادات فى القرون الوسطى (القرنين الرابع والخامس الهجريين) ناسين أن هذه الاجتهادات التى تمت منذ عشرة قرون كانت تناسب وقتها وعصرها ولا تتناسب مع عصرنا الحاضر. - ولكن فتاواهم هذه لا تعتبر أمراً منزلاً.. ولا حجة ملزمة.. ولكنها مجرد رأى شخصى يقبل الخطأ والصواب حتى ولو كان صادرا من لجنة الفتوى بالأزهر. - ولكننا إذا أردنا وضع دستور عصرى يناسب حاجات مجتمع القرن الحادى و العشرين فيجب أن نراعى تطورات العصر. فاليوم قد تعلمت المرأة ووصلت إلى أقصى درجات العلم وأصبح لدى المرأة من الخبرة بالحياة عن طريق ممارسة المهنة ما يجعلها مثل الرجل تماما وأهلا لتولى جميع المناصب ومن بينها منصب الخلافة وليس مجرد تولى مناصب القضاء فحسب. وختاما.. فلا يصح إلا الصحيح فلم تمض سنوات حتى أصبحت المرأة رغم هذه الفتوى المتخلفة ناخبة للبرلمان.. وعضوا فيه.. وأصبحت وزيرة.. وأصبحت قاضية.. وأخيراً أفتى فضيلة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى بحق المرأة فى الترشيح لرئاسة الجمهورية. وقصة هذه الفتوى المستنيرة أنه فى سنة 2005 أثناء انتخابات رئاسة الجمهورية تقدمت بعض النساء من صاحبات الثقافة العالية والخبرة الكبيرة إلى الأزهر الشريف يسألن عن حق المرأة فى ترشيح نفسها لهذا المنصب الكبير، فصدرت الفتوى برئاسة فضيلة العالم المستنير الدكتور محمد سيد طنطاوى بأنه مادامت المرأة المسلمة تتمتع بحسن السيرة وبالعلم والخبرة فلها أن ترشح نفسها لأى منصب كبير فى الدولة مثل القضاء أو رئاسة الجمهورية. وبهذه الفتوى المستنيرة أبطل الأزهر الفتاوى والأفكار المتخلفة والأحاديث الموضوعة والمكذوبة أن النساء (ناقصات عقل ودين.. ولا أفلح قوم ولوا أمورهم امرأة) والتى أضرت بالإسلام والمسلمين قرونا طويلة!!