الوحش الذى افترس المهاجرة المصرية مروة الشربينى ليس مجرد بلطجى يواجه الآن احتمالات عقاب شديد بل إنه شىء أخطر، وحش هائل يهدد بافتراس ألمانيا كلها، هذا ما أفهمه من البيانات التى نقلها الإعلام الدولى عن التقرير السنوى للمكتب الاتحادى لصيانة الدستور، وهو هيئة ألمانية للاستخبارات الداخلية تتحرى عن التيارات والحركات والتجمعات والقوى التى يمكن أن تكون مصدر خطر على الديمقراطية الألمانية ووفقا لهذا التقرير فإن الجرائم التى ارتكبها اليمين المتطرف زادت فى العام الماضى عن الذى سبقه بستة عشر بالمائة. وقد يحاول البعض التقليل من شأن هذه الزيادة بالإشارة إلى أن نسبة كبيرة مما يعتبره التقرير جرائم هى مخالفات بسيطة كرسم صليب معقوف أو كتابة شعارات نازية بالطلاء على جدران الشوارع أو فوق شواهد قبور اليهود أو تكسير زجاج مطاعم يملكها مهاجرون، ولكن أى ديمقراطية تحترم نفسها تعلم أن هذه الجرائم الصغيرة تمهد الأجواء لجرائم أخطر مثل القتل وإشعال الحرائق والاعتداء بالضرب، وقد بلغ عدد الجرائم من هذا النوع، ألفا واثنتين وأربعين جريمة فى العام الماضى بزيادة قدرها ستة بالمائة عن العام الذى سبقه. وهذا التصاعد فى معدل الجرائم التى يرتكبها المتعصبون يرتبط بتصاعد قوة التيارات النازية التى مثلها سبعة آلاف وخمسمائة متظاهر خرجوا للشوارع فى فبراير الماضى، فى ذكرى القصف الوحشى الذى تعرضت له درسدن أيام الحرب العالمية الثانية عندما حولت طائرات الحلفاء مبانيها التاريخية الرائعة إلى خرائب وقد وصف المتظاهرون النازيون الجدد الغارات التى تعرضت لها ألمانيا قبل سبعة عقود بأنها هولوكوست الغارات الجوية، وقد نجد ما يغرينا بتبنى هذا المنطق الذى يذكر العالم بأن الإبادة التى تعرض لها اليهود لم تكن المأساة الوحيدة فى الحرب العالمية الثانية وبأن عذابات اليهود لا يجب أن تنسينا عذابات الآخرين وبأن العنف الذى قصف به الحلفاء ألمانيا كان مبالغا فيه. وهذا كله صحيح برأيى المتواضع، لكن اليمين الفاشستى فى ألمانيا ليس عدوا لليهود وحدهم بل هو عدو لنا وللإنسانية بدليل ما جرى لمروة الشربينى وما يتعرض له المهاجرون فى مختلف بلدان العالم الصناعى على أيدى المنتمين لهذا التيار. صحيح أن العناصر النازية التى تنزل إلى شوارع ألمانيا فى أية مناسبة تجد فى مواجهتها عناصر ديمقراطية أكثر عددا ولكن التقارير تشير إلى أن النازيين الذين تظاهروا فى فبراير الماضى بلغت أعدادهم ضعف أعداد النازيين الذين تظاهروا فى فبراير الذى سبقه، والتاريخ يقول لنا إن الأزمة المالية العالمية فى ثلاثينيات القرن العشرين هى التى أفرزت الهتلرية فلماذا لا تفرز الأزمة المالية الراهنة تيارا نازيا جديدا يهدد الديمقراطية الألمانية؟ صحيح أن ألمانيا اليوم هى قلعة للديمقراطية ولكن الحفاظ على الديمقراطية وعلى سيادة القانون يحتاج يقظة دائمة ومن واجب أبنائنا وبناتنا المهاجرين إلى ألمانيا.. وإلى كل بلد آخر.. أن يقفوا فى مقدمة الصفوف المدافعة عن النظام الاجتماعى وعن سيادة القانون فى ذلك البلد، ليس هذا مجرد موقف براجماتى لكننا نحن نرفض أن يدخل بلادنا ويقيم فيها من لا يحافظ على نظامها القائم، نطالب أبناءنا وبناتنا بأن يحافظوا على نظام البلاد التى هاجروا إليها خاصة أن النازى الذى اغتال إحدى بناتنا أثبت أن عدو الديمقراطية الألمانية هو عدونا. لا أقول هذا الكلام لمجرد أنى قرأت عن احتمالات صدور حكم قاس تعاقب به العدالة الألمانية قاتل مروة الشربينى، فقرار القضاء فى مصر أو فى ألمانيا ملك للسلطات القضائية وحدها، أو هكذا يجب أن يكون، لكنى أقول هذا الكلام تعبيرا عن إيمان راسخ بضرورة أن يكون المصرى فى بلاده وفى المهجر حريصا على النظام والقانون وداعية للسلام والتفاهم وعدوا لقوى الفوضى والتعصب والترهيب؟ إن أكبر تحية لذكرى مروة الشربينى هى أن نعتبرها شهيدة الديمقراطية وأن نجعل صورتها راية ترفرف فى مقدمة صفوف الرافضين لانحدار الإنسانية مرة أخرى إلى مهاوى الوحشية النازية.