منذ أسابيع قليلة أتممت ربع قرن من الزمان فنسيت نفسى وأخذت أتحدث معها عن الذى أنجزته فى حياتى المهنية حتى الآن، وأقارن نفسى بفلان وأتساءل ماذا كان علان قد حقق عند سن ال52 لأعرف أين أقف لأقيم ما وصلت إليه خلال سنوات عمرى الماضية.. لم تتفاعل معى فهى لا ترى من إنجازاتى غير الإنجاز الأهم الذى لم ينجز ألا وهو الزواج.. أى نعم والدتى تفتخر أمام صديقاتها بما أكتب وأناقش من موضوعات خلال عملى الصحفى، لكننى أعرف جيداً أنها كانت تتمنى لو أنها كانت تحكى لهن عن حجز قاعة الفندق وأصناف ال ُّمننُ َمِد التى اختارتها للمعازيم، وعن فستان الفرح اللى ناقصه جيبونة.. أعلم أنها تتمنى أن تعطى صديقاتها كروت فرح ابنتها البكرية بدلاً من أن تريهن صفحات المجلة التى تحمل موضوعاتى. تقول لى دائماً: "أنا حزينة عليكى".. أشعر بالتبكيت لكننى أتساءل ما الذى علىّ فعله؟ رغم ثقتى فيما أفعله فى حياتى وثقتى فى أن المتزوجين ليسوا أسعد حظاً.. فالحياة هى الحياة لا تعطى كل شىء.. إلا أن كلام والدتى المدعم بنصائح طنط فلانة وطنط علانة كان يجعلنى أفكر فى الأمر من وقت لآخر حتى وجدت مجموعة من المحاضرات على موقع بالإنترنت والتى كانت تتحدث عن الزواج وخطايا الزواج فى الشرق الأوسط. استمعت إليها وشعرت أخيراً أننى وجدت مناصراً لآرائى. المحاضرات هى للدكتور سامى فوزى.. طبيب مصرى أمريكى حاصل على ماجستير فى علم المشورة من الولاياتالمتحدة.. ولمن لا يعرف، فإن علم المشورة هو العلم المتخصص فى دراسة البشر ومساعدتهم على اتخاذ قرارات صائبة والعيش حياة أفضل بناء على دراسات نفسية وإحصائيات عالمية دقيقة.. هو أقرب إلى علم النفس لكن دوره يختلف. ذكر الدكتور سامى فى محاضرته الأولى إحصائية لعالم يدعى "ُّىْئ ءت التى قسم من خلالها الزواج إلى 3 أقسام.. الزواج السعيد والزواج الطيب والزواج المحتمل، بعد حالات الطلاق التى تصل إلى النصف فى بعض البلاد وإلى الثلثين فى بلاد أخرى 5٪ فقط من الزيجات الباقية يمكن وصفها بالسعيدة و01٪ طيبة أى معقولة و58٪ محتملة أى غير سعيدة، وذكر الدكتور سامى فوزى أن هناك باحثاً آخر يدعى ََُّْمُّمذ َّمٍفت أيد هذه النسبة وقال إن السعداء فى حياتهم الزوجية فى العالم لاتتعدى نسبتهم ال5٪.. وكان رأى الدكتور سامى الذى بناه على سنوات طويلة من الدراسة والاستماع إلى مصائب الحياة الزوجية والخوض فى تفاصيلها أن على الشاب المصرى أن يقف فى وجه المجتمع الذى يحاول أن يقنعه أن حياته سوف تكون تعيسة بدون زواج.. فكان لى معه هذا الحوار: من واقع عملك فى مجال المشورة ودخولك فى أدق تفاصيل حياة وأسرار الأسر.. هل وجدت أن هذه الإحصائية العالمية تنطبق على بلدنا أيضاً؟ - طبعاً.. مجتمعنا مكتظ بآلاف من الأسر المدمرة داخلياً هذا غير الأسر التى تتفكك عن طريق الطلاق والانفصال. وفى رأيك ما الأسباب التى تؤدى إلى دمار الحياة الزوجية للمصريين؟ - هناك عشرات الأسباب لكن دعينى أقول لك الدوافع الخاطئة التى تدفع الناس للزواج والتى غالباً ما تؤدى إلى زواج غير سعيد وتزج بالأسرة الجديدة لتصبح واحدة ضمن ال58٪ غير السعداء، أول هذه الدوافع هو "الشعور بالوحدة" فنجد كل المجتمع يقول للرجل "أو للبنت" تزوج أو تزوجى حتى تتخلص من شعورك بالوحدة، ذلك الشعور الذى نطلق عليه فى علم النفس بأنه نوع من عدم التصالح مع النفس، ذلك الشعور يشكل دافعاً غير صحى وغير صحيح بالمرة للزواج وذلك لأن مشاعر الوحدة فى حقيقة الأمر هى مشاعر داخلية تأتى من اهتزازات نفسية داخل الشخص.. لا تأتى من خارجه وحلها لا يأتى من خارجه. ماذا عن بقية الدوافع الخاطئة؟ - عندما يتزوج الإنسان هروباً من جو البيت.. هؤلاء الذين يعيشون فى أسر بها مشاكل فينتظرون ذلك اليوم الذى يهربون فيه من منزل الأهل. والدافع الثالث؟ - هو البحث دون جدوى عن شريك الحياة.. فيأتى لى الشخص ويقول لى بحثت كثيراً ولم أجد شريك حياة ماذا أفعل؟ وهو ينتظر منى أن أقول له "لا طبعاً روح اتجوز" كما يقول له كل من حوله "ماما وبابا وخالته وعمه" وكل الناس يقولون له "لا يا حبيبى إنت لازم تتجوز ماينفعش كده".. فينتهى الشخص بنظرية "الزواج من أحسن الوحشين".. وبعد الزواج يبدأ فى خلق فتاة أحلامه فى خياله ويعيش معها ولا يعيش مع شريكة حياته التى اختارها لأنها أحسن الوحشين، ومع أول فرصة تسنح له لتحقيق ما فى خياله سوف يفعل. وماذا يفعل فى نظرك ذلك الذى يريد أن يتزوج ولا يجد الشخص المناسب؟ - منطق سؤالك نفسه خاطئ.. فالزواج لابد ألا يكون هدفاً فى حد ذاته.. والذى يجب أن يحركنى هو أننى وجدت الإنسان الذى استحوذ على فكرى وكيانى لدرجة تجعلنى أريد أن أمضى بقية حياتى معه. فما الذى نحتاج أن نفعله؟ - نحتاج إلى ثورة فى منهج البحث وقواعد اختيار شريك الحياة.. المجتمع لم يعلم الشباب طرق البحث وقواعد الاختيار.. ولا تعتقدوا أننا مهيئون بالسليقة لأن نقوم بالبحث ونتوصل إلى الاختيار الصحيح.. وعدم الزواج لا يعنى التعاسة ولا هو نهاية الدنيا. المسألة ليست فى القدرة على التعايش بدون زواج.. أنا مثلاً أشعر أننى أستطيع أن أتعايش بدون زواج لكن أتوقع الألم من المجتمع.. فنحن لا نعيش بمفردنا؟ - المجتمع مارد وقاهر، ويريد أن يصهر كل إنسان فى قالبه.. نحن نتعامل مع المجتمع وكأنه منزل من السماء.. رغم أنه طوال الوقت يرفع شعاراً أحمق هو "فليحيا الزواج وليموت الإنسان". بالرغم من أننى مقتنعة بما تقوله لكن هناك نقطة وحيدة يستند إليها المجتمع الذى تتحدث عنه وهو أن أجدادنا تزوجوا دون سابق معرفة وكونوا أسراً ناجحة كنا نحن نتيجتها. - كل هذه أكاذيب.. فالإحصائيات تؤكد أن حتى هؤلاء نسبة كبيرة منهم لم تكن سعيدة.. وهناك من يقول لى "أهلى كانوا بيقطعوا بعض لكن عاشوا.. ماتحبكهاش" وأنا أقول له إذا ارتضيت لنفسك هذه الحياة الزوجية فتفضل.. ادخل فيها.. وهناك من يقول لى "هو ده حال الجواز فى مصر" وأنا أتعجب من هذه العبارة.. هل نحن محكوم علينا بالتعاسة فى مصر؟! من الصعب أن أصف كيف يكون ألم الزواج الفاشل.. الشباب وهم على الشاطئ لا يستوعبونه.. لو كنتم حضرتم معى جلسات المشورة التى أعقدها مع زوجات وأزواج مدمرين بسبب سوء الاختيار سوف تعرفون ما أعنيه. وفى النهاية أقول إن سوء اختيار شريك الحياة ينتج إلى المجتمع أطفالاً مشوهين ومعاقين نفسياً وأخلاقياً وفكرياً يكبرون ويتزوجون بدورهم ويكونون أسراً مشوهة أيضاً.. لذلك يجب التأنى فى الاختيار. آخر سؤال يفرض نفسه.. هل أنت ضد الزواج؟ - الزواج هو عطية الله للإنسان.. لكن الإنسان يشوه هذه العطية بحماقته. هل أنت متزوج؟ - نعم أنا متزوج ولدى أبناء وزوجتى تحبنى جداً.. ولست ضد الزواج إنما يجب أن يتعلم الناس كيف يفكرون ويحللون ليتوصلوا إلى الاختيار الصحيح لكن مجتمعنا وبسبب سوء العملية التعليمية خلق أجيالاً عاجزة عن التفكير والتحليل حتى فى توافه الأمور.