لم يقتصر دوره علي كونه مقرا دائما للثوار ولكنه كان بمثابة الانبعاث الروحي الذي يملأ قلوب المصريين مسلمين ومسيحيين، ومع اقتراب الذكري الأولي لثورة يناير كان لابد أن نحتفي به.. إنه مسجد عمر مكرم الذي تحول خلال عام واحد من مسجد تابع للنظام إلي مسجد الشعب، قبل 25 يناير الماضي لم يتخيل أحد أن يتحول مسجد عمر مكرم الذي اشتهرت دار مناسباته بأنها مقر عزاء كبار شخصيات النظام الذي أسقطه الشعب إلي مقر أمن للثوار أثناء الاشتباكات التي جرت منذ جمعة الغضب وحتي أحداث مجلس الوزراء قبل حوالي شهر.. مسجد عمر مكرم كان يؤدي المصريون به الصلوات علي استحياء قبل الثورة بل أنه أثناء التحضير لعزاء أحد كبار الشخصيات في نظام المخلوع مبارك كانت تغلق مداخل ميدان التحرير من أجل تأمين موكب نجل الرئيس، وكانت تتحول منطقة التحرير إلي ثكنة عسكرية لا يجرؤ أحد علي المرور به لمجرد وجود عزاء تابع لأحد الوزراء السابقين، وكانت صلاة العشاء غير جائزة قانونا بسبب وجود كبار الزوار في القاعة الخلفية للمسجد.. فكيف يصلي المواطنون المصريون البسطاء داخل مسجد يقام في دار مناسباته عزاء وزير سابق!! هل يستويان مثلا.. هكذا كان المشهد قديما وربما هو السبب في انتفاضة المسجد الذي لم يعد بيتا لله وإنما بيت للنظام! اللافت أنه مع بداية الثورة المصرية كان المسجد شرارة الأحداث رغم توقع الكثيرين أنه سيعارض الثورة بحجة الاستقرار وعدم التخريب، خصوصا أن شيوخه من الأوقاف يتم اختيارهم بعناية. وتناوب علي المسجد شيوخ لم يتوقع أحد أن يخطبوا الجمعة فيه.. بالطبع كان أشهرهم هو إمام مسجد عمر مكرم الشيخ مظهر شاهين الذي خطب معظم أيام الجمعة، وجاء إليه أيضا خصيصا من قطر الداعية يوسف القرضاوي الذي جاء في خطبة النصر عقب خلع مبارك في 11 فبراير الماضي وجاء به مرتين المقريء محمد جبريل الذي كان له دور بالغ في الدعاء أثناء الثورة المصرية. حتي أن مرشحي الرئاسة تسابقوا للصلاة به علي أساس أنه شرط أساسي في الcv المقدم للشعب من أجل ترشيح أحدهم.. البرادعي أول من توسط المصلين به مطالبا بالتغيير في الأيام الأولي للثورة تبعه فيما بعد عمرو موسي وحازم صلاح أبو إسماعيل وعبد المنعم أبو الفتوح حينما أعلن كل منهم نيته للترشح للرئاسة كان لزاما عليه التوجه في إحدي الميلونيات للصلاة هناك ثم التظاهر بالميدان. ولم يتوقف دور مسجد عمر مكرم عند 11 فبراير، وإنما لعب دورا بارزا في مواجهات محمد محمود حيث تحولت القاعة المجاورة له لأشهر مستشفي ميداني، وتحول المسجد نفسه لمأوي للثوار من الملاحقات الأمنية في هذا الوقت. ثم أخذ المسجد منحني آخر عندما أصبح- لأول مرة- ملجأ لأطفال الشوارع الذين ظهروا بكثافة في أحداث مجلس الوزراء حيث أصبح مقرا لغذائهم ومقرا لحمايتهم وعلاجهم أيضا في حالة إصابتهم. وكان تجمعا لأطباء التحرير الذين لعبوا دورا بالغ الأهمية في الثورة المصرية، ومركزا إعلاميا لإجراء الحوارات مع قادة الثورة ومأوي للصحفيين والمراسلين. جاءت آخر فصول المسجد قبل أيام من الذكري السنوية الأولي للثورة عندما انتشر فيديو علي موقعي التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«يوتيوب»، وعرض علي عدد من القنوات الفضائية، ويظهر فيه أحد الشباب وهو يتبول علي مئذنة مسجد عمر مكرم، كما يظهر الفيديو عددا من المواطنين وهم يضربون مجموعة من الأشخاص فوق سطح المسجد. وهو الأمر الذي جعل الدكتور محمد عبدالفضيل القوصي وزير الأوقاف المصري يقوم باستدعاء الشيخ مظهر شاهين، إمام مسجد عمر مكرم، بسبب هذه الواقعة، للتحقيق معه والوقوف علي حقيقتها، ومعرفة سبب الإهمال الذي تعرض له المسجد بعد ثورة 25 يناير. كان «شاهين» قد رد علي هذا الفيديو في خطبة الجمعة الماضية وأكد أنه ليس لديه علم بهذه الواقعة، منوها بأنه لا يملك أجهزة مخابرات وأمن دولة داخل المسجد حتي يتم تعذيب الأطفال أو الشباب فوق سطح المسجد، وأشار «شاهين» إلي وجود من يريد تشويه صورة مسجد عمر مكرم، وصورة شيخه الذي دعم الثورة منذ بدايتها في 25 يناير. بقي أن نشير إلي أن عمر مكرم هو نقيب الأشراف وحامل لواء الجهاد ضد الاحتلالين الفرنسي والإنجليزي، وكذلك النضال الدؤوب ضد استبداد الولاة وظلمهم في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. كانت أولي مواجهاته مع الاحتلال الفرنسي عام 1798م، عندما نزل الفرنسيون علي شواطئ الإسكندرية وتوجهوا ناحية القاهرة قام السيد عمر مكرم بتعبئة الجماهير للمشاركة في القتال إلي جانب الجيش النظامي «جيش المماليك في ذلك الوقت». وثاني جولاته كانت مع الاحتلال الإنجليزي حيث قاد المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر الإنجليزية 1807م لاحتلال مصر، تلك المقاومة التي نجحت في هزيمة فريزر في الحماد ورشيد مما اضطر فريزر إلي الجلاء عن مصر. ويعلق الرافعي علي ذلك بقوله: «فتأمل دعوة الجهاد التي بثها السيد عمر مكرم والروح التي نفخها في طبقات الشعب، فإنك لتري هذا الموقف مماثلا لموقفه عندما دعا الشعب علي التطوع لقتال الفرنسيين قبل معركة الأهرام، ثم تأمل دعوته الأزهريين إلي المشاركة في القتال تجد أنه لا ينظر إليهم كرجال علم ودين فحسب بل رجال جهاد وقتال ودفاع عن الزمان، فعلمهم في ذلك العصر كان أعم وأعظم من علمهم اليوم». تمثال عمر مكرم الملاصق للمسجد كان شاهدا لوقائع الثورة حيث رفع منذ اليوم الأول للثورة وخلال 18 يوما لافتة كبيرة كتب عليها «ارحل يا مبارك» وفي 11 فبراير ارتدي التمثال علم مصر وعليه شعار «الشعب خلاص أسقط النظام» وفي أحداث محمد محمود قام الثوار بوضع غمامة علي عينه اليسري وفي أحداث مجلس الوزراء كان حاضرا بلافتة كتب عليها «عمر مكرم يطالب بالكشف عن الطرف الثالث» ويبدو أن مشوار نضال «عمر مكرم» مازال مستمرا مع شعب مصر.