فى بعض اللقاءات يقول لى بعض الأصدقاء العرب أن مصر «شيفونية» أى أنها لا تقبل إلا كل ما هو مصرى وترفض أن تتعامل مع أى فن آخر، وأنا أرى أن هذا الرأى يجافى الحقيقة التى تؤكد أن مصر تفتح ذراعيها للفنون العربية ولكن وحتى الآن فإن مأزق اللهجة فى الدراما لا يزال يشكل عائقاً. خلال الأيام المقبلة سيعرض الفيلم اللبنانى «هلأ لوين» للمخرجة «نادين لبكى» الذى حقق نجاحاً كبيراً فى دور العرض من لبنان إلى سوريا والإمارات والأردن والكويت والبحرين وسلطنة عمان والمغرب وتونس والجزائر ووصل إلى باريس.. وتبقى محطة اللقاء مع الجمهور المصرى لها مذاق وترقب خاص. مصر تظل تشكل تحديا هاما للفيلم ربما يعتقد البعض أن اللهجة اللبنانية قد تصبح هى المأزق إلا أن السؤال: لماذا حققت أغنيات الفيديو كليب التى أخرجت بعضها مثلاً «نادين لبكى» للمطربة «نانسى عجرم» وغيرها نجاحاً جماهيرياً ضخماً مع الجمهور المصرى حتى تلك التى غنتها «نانسى» باللهجة اللبنانية.. لم تمثل أبداً اللهجة عائقاً فى تقبل الأغنيات والتاريخ المصرى حافل بأغنيات لبنانية رددها المصريون لمطربين مثل «فيروز»، «صباح»، «وديع الصافى»، «نجاح سلام» وغيرهم بل إن الممثل القديم الراحل «بشارة واكيم» اشتهر بتقديم الشخصية اللبنانية فى الأفلام المصرية وتقبل الجمهور المصرى تلك اللهجة المحببة لديهم رغم أن «بشارة» مصرى الجنسية بل ومن أقاصى الصعيد وكانت بعض المراجع السينمائية من فرط إجادته للهجة اللبنانية أشارت خطأ إلى أنه لبنانى.. وكثير من الأفلام خاصة فى الستينيات والسبعينيات كان يجرى جزء من أحداثها فى بيروت إلا أن التجارب الأخيرة لعرض الأفلام اللبنانية فى مصر لم تحظ بنجاح يذكر وبينها فيلم «كرامل» أول إخراج لنادين لبكى!! إلا أننا هذه المرة بصدد فيلم لديه قوة دفع من النجاح مشاركاً فى مهرجانات كبرى حيث بدأ رحلته فى العرض داخل قسم «نظرة ما» فى مهرجان «كان» الأخير ودائماً المخرجة «نادين لبكى» وجه عربى متألق فى المهرجانات الكبرى وحصد فيلمها العديد من الجوائز وسوف تشارك بالفيلم فى مسابقة الأوسكار لاختيار أفضل فيلم أجنبى التى تعلن نتائجها فى نهاية شهر فبراير.. ويبقى الحديث عن الفيلم الذى تجرى أحداثه على خلفية تاريخية لأحداث الفتنة الطائفية التى عاشتها لبنان.. بين الدموع والابتسامات شاهدنا أحداث فيلم نادين لبكى «هلا لوين» التى تعنى الآن إلى أين.. تبدو «نادين» فى «هلا لوين» وهى تتصدى لأكبر مأزق يعانى منه عدد من البلاد العربية برغم أن الأحداث تجرى فى قرية صغيرة فى لبنان حيث إن الخطر الذى يدمر أى وطن من الداخل هو الطائفية وبالتأكيد عانت لبنان واحدة من أكثر الحروب الطائفية شراسة وإذا كانت حدة الحرب قد هدأت إلا أن الجراح لم تندمل والطائفية أيضاً مع الأسف كامنة تحت الرماد.. لا يزال فى لبنان وعدد من الدول العربية مع الأسف عدد من تلك النعرات.. قررت «نادين» أن تخوض المعركة السينمائية بسلاح السخرية وأيضاً بالدموع حيث تنتقل فى لحظة من مشهد ضاحك إلى مشهد يحيل مشاعرنا إلى فيض من الدموع لا تعرف التوقف!! استعانت «نادين» بعدد من أهل القرية اللبنانية وهم يقفون لأول مرة أمام الكاميرا فكانت التلقائية هى المسيطرة على أسلوب أداء الممثلين الهواة وحتى تضبط المخرجة الإيقاع كان أيضاً الممثلون المحترفون على نفس الدرجة من العفوية.. تميزت موسيقى وألحان «خالد موزنار» فكانت قادرة على أن تمنحنا فى لحظات الحزن مساحة من الشجن وفى لحظات المرح فيضا من البهجة. ما أشد حاجتنا فى مصر إلى أن نرى هذا الفيلم الذى يتصدى للطائفية من خلال حيلة نسائية نسجتها ببراعة «نادين لبكى» فى الأحداث حيث نرى المرأة المسيحية تمارس الطقوس الإسلامية وتضع الحجاب على رأسها بينما المسلمة تضع الصليب من أجل إيصال رسالة تؤكد أن الأديان فى النهاية تحمل رسالة واحدة لخير البشر أجمعين.. استطاعت «نادين» أن تحقق بفيلمها نجاحاً جماهيرياً عند عرضه تجارياً فى بيروت وتكرر الأمر عند عرضه فى باريس وفى العديد من الدول العربية وأترقب أن يعرض جماهيرياً أيضاً فى مصر خلال الأيام المقبلة ليعانقه نجاح لا شك يستحقه.