الحل يبدو عبثياً بل ومستحيلاً على أرض الواقع إلا أن القضية أيضاً مع الأسف كذلك، إنه التناحر الطائفى المقيت الذى نعيشه فى العديد من دولنا العربية، حيث تشتعل المشاحنات الدينية بين أصحاب الطوائف المخالفة ويتناسى الجميع أن ما يجمعهم فى الأديان وليس فقط فى الحياة أكثر مما يفرق بينهم وهكذا جاء الحل الذى اختارته «نادين لبكى» المخرجة اللبنانية فى فيلمها «هلا وين» وهو يسخر من خلال اختيارها أن تعتنق المسيحيات فى القرية المشحونة بالغضب الإسلام وأن تتحول النساء المسلمات إلى الديانة المسيحية هو ذروة السخرية لتلك القضية التى تحمل معها دمار الحياة!! المخرجة نادين لبكى بين الدموع والابتسامات تجرى أحداث فيلم نادين لبكى «هلا وين» التى تعنى الآن إلى أين.. إنه التمثيل العربى الكبير داخل مهرجان «كان» بالإضافة إلى المغربية «ليلى الكيلانى» التى تعرض فيلمها «على الحافة» ضمن تظاهرة «أسبوعى المخرجين» بينما يشارك فيلم «نادين» ضمن تظاهرة «نظرة ما» وهى المسابقة الثانية التى تلى فى الأهمية المسابقة الرسمية وهذه هى المرة الثانية التى تنضم فيها «نادين لبكى» إلى مهرجان «كان» حيث كانت المشاركة الأولى لها قبل ثلاث سنوات بفيلمها الروائى الأول «كرامل» أو «سكر بنات».. الأحداث تجرى فى قرية صغيرة فى لبنان حيث إن المأزق الذى يدمر أى وطن من الداخل هو الطائفية وبالتأكيد عانت لبنان واحدة من أكثر الحروب الطائفية شراسة وإذا كانت حدة الحرب قد هدأت قليلاً إلا أن الجراح لم تندمل والطائفية أيضاً مع الأسف كامنة تحت الرماد .. قررت «نادين» أن تخوض المعركة السينمائية بسلاح السخرية وأيضاً بالدموع حيث تنتقل فى لحظة من مشهد ضاحك إلى مشهد يحيل مشاعرنا إلى فيض من الدموع لا تتوقف!! فى هذه البلدة مثل العديد من بلادنا العربية نرى الجامع يقابل الكنيسة، أهالى القرية بينهم حياة مشتركة، بل إن هناك أيضاً قصة حب تجمع بين بطلة الفيلم التى أدت دورها «نادين لبكى» وجارها المسلم وفى لمحة تقطر إبداعاً تقدم «نادين» مشاعر الحب المتبادل بينهما وكأنه وهم مستحيل أن يتجسد على أرض الواقع .. المجتمع لا يرحب بالزواج بين مختلفى الديانات، تحل على القرية بالصدفة فرقة روسية نسائية راقصة وذلك عندما يتعطل الأتوبيس الذى يحمل أفراد هذه الفرقة إلى إحدى المدن.. القرية كلها تتعاون من أجل استضافتهم وهو ملمح درامى قدمته «نادين» للتأكيد على أن كرم أهالى هذه القرية مع الغرباء فكيف يصبحون بهذه القسوة مع جيرانهم لمجرد الاختلاف فى الديانة ويتناسون كل ما هو مشترك بينهم من صداقة ومشاعر.. الطائفية تعنى حالة من الانفلات تبدأ كشرارة صغيرة حتى ولو كانت مجرد سوء فهم أو مجرد شائعة مثلما حدث فى بداية الفيلم عندما دخلت إلى الجامع مجموعة من الحيوانات الأليفة لأن باب الجامع مفتوحاً واعتقد المسلمون فى القرية أن هذا الأمر مدبر من قبل المسيحيين فاعتدوا على الكنيسة ورشقوا العذراء بالحجارة ويحاول رجلا الدين الإسلامى والمسيحى التهدئة ولا تمضى سوى أيام وتشتعل مرة أخرى نيران حدة الطائفية.. كعادة «نادين لبكى» تمنح المرأة دور البطولة لم يفلح رجال الدين فى التهدئة ولم ينجح أيضاً الرجال فى إغلاق هذا الملف الطائفى المقيت ولكن حققت النساء ما فشل فيه الرجال.. قررت النساء أن تنزع من كل رجال القرية الأسلحة.. كانت أم مسيحية فى مشهد سابق قد أطلقت الرصاص على قدم ابنها لتمنعه من إطلاق الرصاص على المسلمين بعد أن مات ابنها الأول فخافت على الثانى من أن يلقى نفس المصير.. تتوصل النساء إلى حل خيالى لتلك الطائفية وهو أن كل امرأة تتحول للدين الآخر المسلمة ترتدى الصليب والمسيحية ترتدى الحجاب وداخل المنزل كل منهما تمارس طقوس الديانة الجديدة أمام زوجها وأبنائها.. ما تسعى المخرجة بالطبع إلى توصيله للجمهور ليس هو أن يغير الإنسان دينه الذى ولد مؤمناً به ولكن إلى تقبل مبدأ أن الأديان واحدة عند الله وأن الفارق فى الطقوس وممارسة الشعائر الدينية لا يعنى التناحر والاقتتال.. الكل يتوحد لا تعرف من المسلم ومن المسيحى حتى المقابر تبدو فيها ملامح لا تفرق بين مسلم ومسيحى تحت الأرض وتنتهى الأحداث بأغنية مليئة بالبهجة وحب الحياة.. نعم الحل عبثى وهو ما لجأت إليه «نادين» التى شاركت فى كتابة الفيلم ولكن القضية الطائفية أيضاً عبثية ولهذا نشاهد رجلى الدين المسلم والمسيحى فى نهاية الأحداث وهما يركبان عربة الفرقة التى تحمل الراقصات الروسيات!! ما أشد حاجتنا كعرب إلى أن نرى هذا الفيلم الذى يتصدى للطائفية من خلال النساء ويبدو أن النساء هن أيضاً القادرات على رفع اسم السينما العربية فى «كان» وهذا هو ما نجحت فى تحقيقه وللمرة الثانية «نادين لبكى»!!