قد تجد العنوان صعبا، وقد يجد البعض أنه من غير اللائق أن ننادي بسقوط الحرية في الوقت الذي تعيش فيه البلاد أجواء ثورة 25 يناير التي أنهت حكما ديكتاتوريا تمكن من شعب طال انتظاره للعدل والحرية والمساواة. أعود وأكرر أن الحرية يجب أن تسقط عنا رغم إيماني الكامل بأننا نستحقها لأننا لم نقدر الدماء الزكية التي بذلها شباب هذا الوطن لنيل الحرية التي أضاعها محترفو السياسة والدين الذين تاجروا بالثورة وبالشباب الذي فجرها لينالوا هم وحدهم وليس غيرهم ثمرتها. فأي حرية هذه التي تحولت فيها الثورة إلي صراع طائفي بين أبناء شعبها في ظل تعاظم موجات متزايدة من الغلو والتطرف الديني لدرجة وصل معها الأمر إلي تكفير مفتي الديار المصرية علي يد شيخ يدعي أبوإسحاق الحويني لمجرد أن فتوي للمفتي لم تعجب سيادته! وأي حرية هذه وهناك من ينادي بتغطية التماثيل بالشمع أو بملاءة سرير لأن التماثيل من وجهة نظر هؤلاء تثير الفتنة.. ومادام الأمر وصل للفتنة والغرائز خرج علينا آخر من أصحاب هذا الاتجاه يطالب بضرورة جلوس المرأة في المنزل لتتفرغ لتربية الأطفال والوقوف في المطبخ لإعداد الطعام، ولأنه لا يجوز أصلا أن تكون هناك ولاية للمرأة علي الرجل، تلك المرأة التي يتحدثون عنها بهذا الشكل كرمها القرآن الكريم، ولكنهم لا يعترفون بهذا التكريم. هناك فتاوي وآراء أخري تثير العجب لنفس أصحاب هذا الاتجاه، فبعضهم حرم بناء الكنائس أو حتي تجديدها، ومؤخرا فوجئنا بشيخ آخر يصدر بين الحين والآخر فتاوي أعتقد أنها للفت الانتباه وليس أكثر آخرها فتوي يدعو فيها لعدم انتخاب المرشح المسيحي أو العلماني أو المسلم الذي لا يصلي لأن هذا حرام شرعا. أما آراء وفتاوي المرشح المحتمل للرئاسة فحدث عنها ولا حرج فهو يطالب بفرض الحجاب علي المرأة بحجة أن جميع العلماء اتفقوا عليه ولم يشذ عن ذلك إلا الصحفيون والفنانون والكتاب، وكأن هؤلاء ليسوا مسلمين. أما سيادته والعلماء فهم المسلمون، إلي هنا قد يكون رأيه ورأي العلماء سليما، أما غير السليم فهو تبريره لما قاله عندما برر ذلك بأن الفتاة المتبرجة تعتدي علي عفة الشباب الذي تأخر سن زواجه بسبب اقتصادي أو لآخر ولن يجد أمامه إلا الفتاة المتبرجة لإشباع رغبته التي تأخر ميعاد إشباعها. هذه عينة بسيطة لمن يريدون أن يتحكموا في عباد الله في ظل مناخ الحرية أو الانفلات الذي نعيشه. ولهذا أتوجه بسؤال إلي غلاة التطرف والمزايدات الدينية: هل هذه هي مصر التي تريدونها والتي من أجلها قام شباب مصر بثورتهم التي لم تفرق أبدا بين مسلم ومسيحي والتي لم يرفع فيها أبدا أي شعار ديني، وإنما هي مغالاة وتطرف لم يكن له أي وجود في حياة المصريين، ولكن البلاء الذي ابتليت به مصر من قبل بعض المحسوبين زورا وبهتانا علي الدين هم من شجعوا هذا الاتجاه الغريب علي مجتمعنا الذي لم نشهده من قبل. وإذا ابتعدنا قليلا عن محترفي المتاجرة بالدين سنجد أمامنا متاجرين من نوع آخر، وهم محترفو السياسة وهم بالمناسبة لا يختلفون عن محترفي الفصيل الأول، فأهدافهم واحدة، لكنهم يختلفون فقط في المنهج والأساليب التي تحقق هذا الهدف لأن الوصول إلي مقعد البرلمان هو الأساس وجذب الناخب للحصول علي صوتهم هدفهم سواء بتوزيع لحمة أو شراء أصوات، المهم المقعد. فهاهم ذيول الوطني يتسابقون فيما بينهم في الترشح لعضوية مجلسي الشعب والشوري عن طريق التسلل عبر أكثر من حزب متناسين ماضيهم الأسود الذي أفسد الحياة السياسية في مصر منذ نشأة هذا الحزب وكأنهم لم يكفهم ما فعلوه في مصر وشعبها.. والغريب أنهم لا يشعرون بما فعلوه والأدهي أن يصرح بعضهم بأنه كثيرا ما كان يعترض علي ما يقوله قادة حزبهم وهذا ما لا يستطيع أن ينكره أحد! وهذا تحديدا ما يجعلنا نسألهم وبكل صراحة عن حقيقة ما قدموه لمصر ولشعبها بعيدا عن الفساد والتربح من أموال المصريين الذين جثمتم علي صدورهم منذ تولي المخلوع الحكم. وبالطبع انضم إلي فلول الوطني مناضلون ومتربحون جدد يريدون نصيبهم، لم يحن ميعاد كشفهم بعد، وإنما سيكشفون أنفسهم بأنفسهم، وإن كانت هناك أحزاب جديدة تحاول أن تركب الموجة عن طريق طرح أفكار سبق أن عرفناها من قبل مثل المايوه الشرعي وشرب الخمور والشواطئ الخاصة للسائحين الذين يجب عليهم أن يأتوا إلي مصر بخمورهم، وأضيف إلي الخمور مؤخرا السجائر التي نادي بعض قادة الأحزاب الجدد بإغلاق المصانع المنتجة لها، وكل هذا يهون، أما الجديد الذي فوجئنا به فهو ما ابتكره حزب النور السلفي كوسيلة جديدة في الدعاية لمرشحيه في الانتخابات، وهي الطريقة التي أثارت الكثير من الجدل والسخرية في الوقت نفسه، حيث حجب صورة مرشحته من علي البوستر الخاص بالدعاية في الشارع ووضع بدلا منها صورة وردة، وكأن الحزب يري في وضع صورة مرشحته عيبا لا يجب أن يرتكبه وعلي الناخب أن يتعامل مع الوردة لأن صورة المرشحة عيب أو قد تكون عورة في نظر مسئولي الحزب! ما فعله مسئولو حزب النور لا يختلف كثيرا عما يفعله مسئولو الأحزاب الأخري، فجميعها يتصدي لأمور شكلية ليس لها أدني علاقة بالمشاكل الحقيقية التي يمر بها مجتمعنا مثل عدم العمل وقلة الإنتاج وازدياد المطالب الفئوية التي تكاد تكون عرضا مستمرا، فلا تكاد فئة تهدأ حتي تخرج فئة أخري لها مطالب أخري قد يكون من المستحيل تنفيذها في ظل عدم العمل والإنتاج والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات باعتبار أنها ليست لها علاقة بالديمقراطية والحرية، رغم أن العالم الخارجي المتشبع بالديمقراطية والحرية، العمل والإنتاج لا يتوقفان مع الاحتجاجات والاعتصامات، أما عندنا فنحن نريد أن نأخذ من الديمقراطية والحرية ما يحقق لنا مكاسب مادية واجتماعية وحتي سياسية دون أن يكون هناك عمل أو إنتاج. من أجل هذا كله فلتسقط الحرية إذا كانت بهذا الشكل لأنها في اعتقادي حرية منقوصة ولا يعتد بها علما بأن هذا الشعب يستحق الكثير والكثير، ولهذا نقول للمتاجرين: اتقوا الله في بلدكم مصر.