في تحقيق غريب نشرته مجلة «لوفيجارو» الفرنسية، طالب باحثون اجتماعيون في فرنسا بدراسة ظاهرة انتحار الأطفال، بعد أن ارتفع عدد الضحايا في السنوات الأخيرة. الأخصائي النفسي بوريس سيرولنيك سأل: هل يمكن لطفل يبلغ من العمر من 5 إلي 12 عاما أن ينهي حياته ويقتل نفسه؟ بينما يقدم الخبير تقريرا مروعا، بعنوان «عندما يضع طفل حدا لحياته»، حول حالات الانتحار في مختلف المقاطعات الفرنسية. في المقابل قالت وزيرة الدولة المكلفة بالشباب، جانيت بوجراب: «يفكر 40% من الأطفال في الموت ما داموا قلقين وغير سعداء».. أما سيرولنيك فيري أن المدنية الحديثة بكل ما توفره للأطفال لم تتمكن من حمايتهم من أنفسهم، وفي المقابل يري الباحث أن الثقافة الحالية شجعت التلاميذ علي التحصيل العلمي وتحسين مستوياتهم، لكن علي حساب حالتهم النفسية، إذ يعاني الكثير منهم القلق وصعوبة التواصل مع الآخرين.. كما تشير الإحصاءات إلي أن الانتحار هو السبب الثاني في وفيات الشباب في فرنسا، إلا أن البيانات ليست دقيقة عند الأطفال. وعلي الرغم من أن عدد الحالات يبقي قليلا نسبيا، حيث ينتحر ما بين 30 و100 طفل سنويا، إلا أن الحوادث التي يتعرض لها الأطفال توحي بأن الظاهرة تتكرر وأصبحت متكررة، لأن الأرقام تقتصر علي حالات الانتحار الواضحة فقط. ويشرح الخبير الفرنسي الطرق التي قد يسلكها الطفل لإنهاء حياته: «يبحث الطفل حوله عن وسائل تمكنه من تنفيذ مخططه، وقد يلجأ إلي إلقاء نفسه من النافذة أو عبور الشارع بسرعة»، وقد تدفع الخلافات الأسرية أو سوء المعاملة بعض الأطفال إلي التفكير في الانتحار.. وقد أقدمت طفلة في التاسعة، بداية العام الحالي وألقت بنفسها من الطابق التاسع بسبب مربيتها التي كانت تسيء معاملتها، ويري سيرولنيك أن 16% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 عاما، يعتقدون أن الموت ربما يكون حلا للمشكلات العائلية أو المدرسية التي تواجههم أو حتي تلك المتعلقة بعلاقاتهم مع أصدقائهم. ومع ذلك فإن إقدام الطفل علي الانتحار يبقي مسألة معقدة، إذ تدخل فيها عوامل اجتماعية وثقافية، ويقول خبراء اجتماعيون إن الحد من الظاهرة يتطلب تعاون العائلة والمدرسة، ويفضلون تأخير التقييم في المدرسة، لأن الدرجات التقييمية تؤثر في نفسية الطفل سلبا وإيجابا، كما طالبوا بمحاربة التحرش والاعتداء الجسدي في المدارس. وتشير بيانات المعهد الوطني للصحة والبحث الطبي إلي أن 37 طفلا بين 5 و14 عاما انتحروا في عام ,2009 وتشير إلي أنه في بداية العام الحالي حاول طفل في الرابعة عشرة من عمره الانتحار، في حين نجح طفلان أحدهما في التاسعة والآخر في الحادية عشرة من عمره في وضع حد لحياتهما. وفي المقابل قلل باحثون آخرون من أهمية النتائج التي توصل إليها سيرولنيك، وقالوا إن المسألة لم تتطور لتصبح ظاهرة مقلقة، وفي هذا السياق يؤكد الباحث ستيفان كليرجي أن حالات الانتحار عند الأطفال قليلة ونادرة، موضحا: «لا توجد أرقام، لأن الأمر صعب التوثيق، فليس سهلا أن نفرق بين انتحار ومجرد حادث». أما الخبير كريستيان فلافيني، الذي بدأ أبحاثه في المسألة بداية الثمانينيات فيري أن «هذه الظاهرة نادرة جدا، ويجب ألا ننشر الذعر بين الناس»، موضحا: «خلال السنوات الماضية لم ألاحظ أي شيء مقلق، وأنصح بمساعدة الأطفال علي تجاوز مشكلاتهم». وكتب الطبيب النفسي بوريس سيرولنيك تقريرا رفعه إلي الحكومة الفرنسية في بداية الشهر الحالي قال فيه إن «فكرة الموت تأتي في وقت مبكر عن السابق وتنخفض سن محاولة الانتحار الأولي بسبب النضج الجسدي والنفسي المبكر لدي الصغار». وأشار إلي أن «عمليات الانتحار الناجحة نادرة» في أوساط الأطفال ما بين الخامسة والثانية عشرة، لكنها أصبحت أكثر تواترا بالتأكيد لأن الأرقام تقتصر علي حالات الانتحار الواضحة. وأضاف أن الطفل قد يكتب رسالة وداع، لكنه غالبا ما يميل بجسمه خارج نافذة السيارة أو ينزل من السيارة قبل أن تتوقف تماما، وبالتالي يعتبر الراشدون هذه الحالات حوادث. وأوضح التقرير أنه إذا لم يترعرع الطفل في بيئة آمنة لأنه معزول أو يشهد عنفا منزليا أو وفاة مبكرة أو يتعرض لسوء المعاملة أو التحرش في المدرسة، فإن كل حادثة قد تفوق قدرته علي الاحتمال وقد تدفعه إلي الانتحار. وبينما يبعث المراهقون والراشدون في أغلب الأحيان إشارات قبل محاولة الانتحار، يعتبر الأطفال أكثر اندفاعا، مما يجعل إقدامهم علي الانتحار غامضا وغير متوقع. والتشخيص المذكور في التقرير لا يحظي بإجماع المتخصصين بشئون الأطفال، إذ يقول مارسيل روفو، وهو متخصص في طب الأطفال النفسي في فرنسا، إنه لا يجب اعتبار كل حادثة محاولة انتحار وإن السلوك الخطر يندرج في السلوك الطبيعي لدي الأطفال. وطالب سيرولنيك في نهاية تقريره بالاهتمام بالأم أثناء حملها خاصة في الأسابيع الأخيرة، ومراقبة تصرفات الطفل خلال الشهور ظهرت أية تصرفات عصبية يقوم بها الطفل، فيتم عمل أشعة تقوم بتصوير وإظهار أي تلف في الدماغ بسبب الحرمان العاطفي المبكر، حيث تتغير الدوائر الخاصة بالعاطفة والذاكرة في مخ الطفل. كما يقول أيضا إن المدرسة يجب ألا تتسبب في أي ضغوط نفسية علي الطفل، وينتظر سيرولنيك أن يتم تعديل الجداول الدراسية ونظم التعليم، حيث إن الطفل يتأثر جدا وتسوء حالته النفسية بسبب المدرسة، خاصة إذا كانت درجاته سيئة، بذلك يكون هناك ضغط عليه في المنزل أيضا مما يتسبب في سوء حالته أكثر وأكثر وفي النهاية يكون ذلك سببا يدفعه للتخلص من حياته!