لن يتوقف الجدل حول صفقة «1 ب 52» التى تمت إعادة الجاسوس الأمريكى - الإسرائيلى «إيلان جرابيل» خلالها لإسرائيل مقابل 52 مسجونا مصريا بالسجون الإسرائيلية فى قضايا تجارة مخدرات وتهريب أسلحة وتسلل، لأن الأسئلة التى تثيرها أكثر من الإجابات التى قدمتها، والمتفائلون يتمنون أن تكون هناك بنود سرية للصفقة، ومنها أنباء عن موافقة أمريكا على بيع مقاتلات «إف 61» لمصر، كانت تعارضها إسرائيل فى الماضى، ويخشى مكتب بنيامين نتانياهو الكشف عنها حتى لا تتراجع شعبيته ثانية بعد إعادة «جلعاد شاليط» الذى أنقذه من الانهيار. يعتاد المصريون الحفاظ على السرية فى مثل هذه الملفات خاصة هذه المرة التى تغضب الرأى العام المصرى، بالذات لأنها أعقبت استئناف ضخ الغاز المصرى لإسرائيل رغم الأحكام القضائية، فى إنقاذ غريب للاقتصاد والمواطن الإسرائيلى الذى تكبد زيادة 30% فى فواتير الكهرباء. سر التغيير المفاجئ فى إجراءات الصفقة باللحظات الأخيرة.. والإصرار المصرى على عدم تحويل «جرابيل» لشاليط جديد! وسط أجواء استثنائية تمت الصفقة بعد أن أجرى عليها تغيير كان متوقعا فى اللحظات الأخيرة، حيث عاد «جرابيل» لإسرائيل فى طائرة، تابعة للعال استقلها من مطار القاهرة بصحبة وسيطى الصفقة نائب الكنيست يسرائيل حسون والمحامى إسحاق مولخو لمطار بن جوريون، وكانت والدته فى استقباله غير المرتب، والذى كان سينقل «جرابيل» خلاله فى سيارة معتمة الزجاج بلوحات مدنية تمر من معبر طابا بعيدا عن الأنظار، عكس التغطية الإعلامية لصفقة جلعاد شاليط وكان واضحا الحرص الإسرائيلى على تنفيذ الشرط المصرى فى التعتيم على عودة جرابيل، حتى أن مكتب نتانياهو كان فى غاية الحيرة فى اللحظات الأخيرة من وصول جرابيل للقاء المقتضب الذى رتب مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، فى مسألة تنظيم مؤتمر صحفى بينه وبين جرابيل أو الاكتفاء بالتقاط صور مع الجاسوس العائد فى مكتبه، كما فعل مع شاليط أسفل الطائرة التى أعادته لإسرائيل! وكان جرابيل فى طريقه لمطار القاهرة من محبسه أثناء انشغال المتابعين بعودة المساجين المصريين الذين كان فى طليعتهم الصبية الثلاثة الذين كان يعتبرهم البعض أطفالا، وجذبوا الأنظار وأثاروا المشاعر بالسجود على الأراضى المصرية وتقبيلها أمام الكاميرات مما أضفى على الصفقة المستفزة أبعادا إنسانية خاصة أن أسرهم كانت تترقب وصولهم منذ الساعات الأولى لصباح أول أمس، والغريب أن معبر طابا لم تتأثر الحركة فيه بالإجراءات الأمنية المشددة التى شهدها منذ الفجر وشارك فيها مئات المجندين والقوات الخاصة، وكان مستفزا للكثيرين أن العائدين المتهمين فى قضايا تجارة مخدرات وتهريب سلاح وتسلل طوقت أعناقهم بالورود كالأبطال!! وفى السياق الأكثر جدلا بالصفقة الخاص بالبنود السرية ترددت أنباء نقلتها الصحف الإسرائيلية عن أن الصفقة شملت حصول مصر على مقاتلات إف 16، الأمر الذى كانت تعارضه إسرائيل فى الماضى، ومن ناحيتها قالت شقيقة الجاسوس «إيلان جرابيل» فى لقاء مع إذاعة الجيش الإسرائيلى أن أسرتها طارت من نيويورك لتل أبيب للالتقاء بشقيقها والاحتفال بعودته، ويسافرون بعد لقاء نتانياهو مرة أخرى، وقالت إنه سيعود لحياته العادية بعد الأزمة وسيعود لزيارة إسرائيل بل والإقامة فيها! ووسط أجواء الترقب كانت هناك أصوات تتابع الموقف بفانتازيا ادعوا خلالها أن جرابيل عميل ال«سى. إى. إيه» ومن الضرورى أن تتم مبادلة جواسيس بين إسرائيل وأمريكا لإعادة جوناثان بولارد، فى الوقت الذى زادت الأحاديث حول صفقة «عودة» المرتقبة التى سيتم إنجازها مقابل إعادة المساجين الباقين ومنهم 32 قيد التحقيق. ومن البنود العلنية المستفزة فى الصفقة بعيدا عن السرية أن التفاوض تراجع من الإفراج عن كل المساجين المصريين فى السجون الإسرائيلية والذين تتراوح أعدادهم بين 81 و92 إلى 25 فقط كلهم وفق الاتهامات تجار مخدرات وأسلحة ومتسللون، بمن فيهم الثلاثة المراهقون الذين طال الحديث عنهم أكثر من الجاسوس والاتهامات الخطيرة التى وجهت له بالفعل، ومنها للتذكرة تحريض المتظاهرين على تحويل مظاهراتهم السلمية لأعمال تخريبية والتجسس للإضرار بالمصالح الاقتصادية والسياسية المصرية وتجنيد أشخاص للعمل كجواسيس للموساد وإحداث وقيعة بين الشعب والجيش ونشر الفوضى فى مصر، كل هذا تجاهلناه مقابل الإفراج عن 25 تاجر مخدرات وسلاح ومتسللا، نتمنى أن يكون منهم من كان يقوم بمهام تخدم المصالح المصرية! ولأنه إنجاز إسرائيلى صوّت مجلس الوزراء المصغر بتل أبيب عليه بالإجماع مؤكدين أنه ليس من بين المفرج عنهم مساجين أمنيون، أى بمعنى آخر جواسيس أو «إرهابيون» قتلوا إسرائيليين، ولكن حتى تكتمل رتوش المشهد المعتاد فى مثل هذه الصفقة رفع عضو الكنيست المتطرف «ميخائيل بن آرى» وحركة «أرض إسرائيل لنا» دعوى ضد الصفقة تشكك فى شرعية الموافقة عليها، إلا أنها رفضت بوصف الصفقة متوازنة تخدم العلاقات المهمة بين مصر وإسرائيل، وهو إجراء سياسى واضح اتخذ بمعايير محددة، تبتعد عن مشاعر الكره والعداء، وفق رد ممثل الدولة الإسرائيلية على الدعوى، والذى أضاف: من المهم الحفاظ على الثقة بين الدولتين عامة وفى هذا الوقت بالذات!.. مشيرا إلى قلة عدد المساجين المفرج عنهم مقابل إعادة «جرابيل»! وأغلب المفرج عنهم من قبائل وعائلات طرابين وبركات والسواركة وآخرين، وأقدمهم «على سناركة» وهو موجود فى السجون الإسرائيلية منذ 2004/12/14 ومحكوم عليه بالسجن 10 سنوات فى قضية تهريب وحيازة سلاح، ومنهم «7» بقى على نهاية عقوباتهم من أسبوع وأسبوعين إلى سنة، وأكثر المستفيدين من هذه الصفقة هو «عبدالله بركات»، وكان من المفروض أن يفرج عنه فى 2017/2/23 فى قضية تهريب أسلحة، والباقون كان سيفرج عنهم فى 2013 و2014! وفى السياق نفسه كان هناك نقاش حول ضرورة الاستفادة من هذه الصفقة للوصول إلى نقاط اتفاق مع البدو لمحاصرة مثيرى القلق فى سيناء، وحماية الحدود من عصابات تهريب المخدرات والأسلحة والمتسللين التى تستغلها إسرائيل لتشويه صورة مصر، خاصة أن البدو تأكدوا من الإصرار المصرى على إرضائهم لأنهم المستفيدون الوحيدون من هذه الصفقة.! الأكثر غرابة فى هذه الصفقة ذات الأبعاد السلبية شعبيا فى الشارع المصرى أنها لا تنال أى ردود فعل إيجابية فى الشارع الإسرائيلى، حتى أن عددا غير قليل من نشطاء الفيس بوك الإسرائيلى تساءلوا: لماذا أعادت تل أبيب «جرابيل» ولماذا تريد تشبيهه بجلعاد شاليط، ووصل الأمر إلى أنهم تساءلوا: لماذا ذهب «جرابيل» إلى دولة معادية كمصر وحرض على التظاهر؟! ولماذا تهتم إسرائيل بإعادته، وقد سبب ضررا كبيرا لها بالمشاركة فى المظاهرات ورفع لافتات ضد أوباما ونظام مبارك، لتهتم أمريكا بأفعال هؤلاء الحمقى الذين يحملون جنسيتها، ومن ناحية أخرى يرفض نشطاء الفيس الإسرائيلى تجاهل تل أبيب للجاسوس البدوى «عودة طرابين» حامل جنسيتها المسجون فى «طرة» منذ عام 2000, والمفارقة أن عددا من المصريين المفرج عنهم من أبناء قبيلته التى تعيش بين الحدود المصرية والإسرائيلية، والمفارقة الأكثر أن الشهيد الذى أسر «شاليط» من أبناء هذه القبيلة أيضا، وحاول نتانياهو الدفاع عن نفسه مؤكدا أنه حاول إعادة «عودة» لكن المصريين رفضوا بشدة! وتعاظمت الأزمة خلال الأيام الأخيرة وأثيرت فى برامج «التوك شو» وعلى صفحات الجرائد الإسرائيلية، حتى إن بعضهم طالب بتغيير اسم «عودة طرابين» البدوى إلى «عودة جرابيل» حتى تسلط إسرائيل وأمريكا كل جهودها لإعادته، ووصفوا هذه التفرقة بفضيحة «ربيع صفقات تبادل الأسرى والجواسيس»، خاصة أنه من الممكن أن يكون «عودة» قد أفاد الموساد أكثر من «جرابيل»، وتوقع الكاتب العربى الإسرائيلى «زهير أندراوس» فى مقالة ب«يديعوت أحرونوت» ألا يعود «طرابين» لبيته فى صحراء النقب بإسرائيل إلا بعد إتمام العقوبة وهى الأشغال الشاقة المؤبدة 15 عاماً، ويدعى والد الجاسوس البدوى «سليمان طرابين» أن ابنه راعى أغنام لم يره منذ 11 عاما، وأرسل لشارون لإنقاذ ابنه خاصة بعدما هدد بالانتحار دون فائدة، وكشف أنه تم القبض عليه خلال زيارته لأخته فى سيناء، رافضا اتهامات التجسس التى أثبتت على ابنه، وتحدث عن الجاسوس «عودة» فى «معاريف» قائلا إنه ولد فى سيناء ولديه أخ وست شقيقات، ويعيش منهن اثنتان فى سيناء والباقيات فى إسرائيل، ووفق الاتهام الموجه إليه هو وابنه فهو مصدر مهم جدا للجيش الإسرائيلى، وساعد فى نقل معلومات حساسة عن الجيش المصرى وتحركاته وأنشطته فى هذه المنطقة، ومعروف أن «سليمان» وأسرته فضلوا العيش فى إسرائيل بعد إعادة سيناء لمصر وورث ابنه التجسس، وكان قد صدر حكم غيابى ضد والد الجاسوس بالسجن 25 عاما! «عودة» الذى تجاوز عمره 30 عاما، كان يعتاد المجىء لمصر بحجة زيارة شقيقته، وتحول الآن إلى «بطل قومى إسرائيلى» يحكون أين تربى وترعرع واعترف الجاسوس الذى بدأ عمله وعمره 19 عاما فقط باختراق الحدود المصرية الإسرائيلية بعد أن رصدت الجهات الأمنية المصرية زياراته المتكررة لسيناء بجواز سفره الإسرائيلى، وحذروه من العودة مرة أخرى، ويبين «عودة» لمحاميه فى سجنه أنه تسلل للحدود ليلا وسار عدة ساعات حتى وصل لبيت أخته، وبقى هناك عدة أيام وخلالها حدث خلاف بينه وبين زوج أخته فوشى به لدى الأمن المصرى وقال لهم إن فى بيته «جاسوس إسرائيلى»! وأضاف أنهم اعتقلوه وهو نائم وأكد لهم أنه راعى غنم وليس جاسوسا، وأنهم يعاقبونه على جريمة أبيه! ويكشف تلفيقه لهذه القصة أنه قال بعد ذلك أن والده لم يعلم أين هو إلا بعد 6 شهور رغم أنه ادعى أنه تم القبض عليه فى بيت أخته، وكان قد حاول الإسرائيليون إعادته بعد أن أعادوا الجاسوس الدرزى «عزام عزام» فى صفقة مقابل الإفراج عن «60 مصريا» كانوا وقتها فى السجون الإسرائيلية، إلا أنهم فشلوا بعد الرفض المصرى، والغريب أنه موجود الآن فى نفس زنزانة «عزام» بطرة وكأنها أصبحت زنزانة الجواسيس، وبقى على عقوبته 4 أعوام أخرى، وهذا الجاسوس كثير الشكوى من الحراسة المشددة عليه وحتى الأوانى القديمة التى يطهو فيها أكله، ويطلب من السفير والقنصل الإسرائيليين اللذين يزورانه من وقت لآخر كتبا وجرائد وأكلا، وذات مرة أحضر أحدهما له «راديو» واشتكى لمحاميه «إياد العطوانة» الذى زاره عدة مرات، من الوحدة، وترسل له أسرته أموالا عن طريق ممثلى وزارة الخارجية الإسرائيلية يشترى بها أكلا من «كنتين» السجن، ويرفض والده أن يزوره حتى لا تقبض عليه السلطات المصرية لتنفيذ حكم الأشغال الشاقة المؤبدة لتجسسه لصالح الجيش الإسرائيلى! وحاولوا تهريبه فى فترة الانفلات الأمنى وفتح السجون إلا أنهم فشلوا! الأكثر غرابة أن أسرة الجاسوس فكرت فى طلب المساعدة من إسماعيل هنية بعد فشل حكومة نتانياهو فى إعادته! وتطاولوا قائلين إن إسرائيل تجاهلت ابنها بعد أن ألقته «للكلاب»! ولو كان يهوديا أمريكيا لعاد لبيته الآن! وعن المعسكر المؤيد للصفقة يقول نائب الكنيست «يسرائيل حسون» الذى التقط صورة مع الجاسوس قبل أيام من إطلاقه من السجن، أن مصر ليست حماس، وكان من الضرورى حل هذه المشكلة معها، مؤكدا أنها ليست صفقة، بل حل بالتفاوض العلنى بين دولتين «ودودتين»، بينما رأى معارضها «ميخائيل بن آرى» أن مصر تحاول حل أزماتها الداخلية بتلك الصفقة، رغم أن بعض الآراء الإسرائيلية تشير إلى أن تل أبيب تريد أن تداعب الإخوان استعدادا لوصولهم للحكم فى مصر بعدما تحول الربيع العربى إلى خريف إسلامى، ورفض «بن آرى» أن تدفع إسرائيل فاتورة الصفقة رغم أن المفرج عنه «أمريكى» الجنسية كان يتحرك فى المظاهرات المصرية بدون وعى، وتفرج إسرائيل عن 25 تاجر مخدرات وسلاح حاولوا الإضرار بأمن إسرائيل ومئات البيوت الإسرائيلية بالمخدرات!.. وفى فريق نتانياهو يقول قيادات حزب «الليكود» إنهم قادرون على تهديد الائتلاف الغاضب منهم والذهاب للانتخابات بعد التغييرات التى طرأت على الساحة السياسية الإسرائيلية بعد صفقتى شاليط وجرابيل! والذى ادعت أمه أن فضول ابنها قاده «للتحرير» الذى كان يقيم قبله بشارعين، حيث جاء للقاهرة بحجة التطوع فى منظمة اللاجئين، وتساءلت: كيف يتجسس وهو ينشر كل أنشطته على الفيس بوك؟، كاشفة عن أنه كان يعمل فى مكتب نائب الكونجرس اليهودى الديمقراطى «جارى أكرمون» الذى ساندهم فى هذه الصفقة!