كان وصولنا إلى (وول ستريت) بمدينة نيويوركبالولاياتالمتحدةالأمريكية ونحن نحمل الأعلام المصرية مفاجأة للمتظاهرين هناك الذين قابلونا بفرحة كبيرة وحفاوة حقيقية وهم يرددون: «هنا التحرير رقم 2» كانوا سعداء بوجود الثوار المصريين بينهم حتى التفوا حولهم يسمعونهم وهم يرفعون معنا العلم المصرى ويرحبون بنا، حيث كان يتواجد من شباب الثورة أسماء محفوظ وأحمد ماهر وعدد كبير من الناشطين المصريين الذين يقيمون بالولاياتالمتحدة. وكانوا فى استقبالنا حاملين الأعلام المصرية بحديقة (زوكوتى) المجاورة ل (وول ستريت)، حيث مقر الاعتصام. وحين ألقى أحمد ماهر وأسماء محفوظ كلماتهما التى تؤيد كفاح الشعب الأمريكى وعدالة مطالب المتظاهرين كان آلاف الأمريكيين يلتفون حولهم ويصفقون لهم بامتنان وحب، وبعد أن ألقى المصريون المشاركون فى المظاهرة كلمات تؤكد تأييدهم لحقوق المعتصمين فى تحقيق مطالبهم قام المصريون بعمل مسيرة سلمية رفعوا فيها الأعلام المصرية وشارك فيها العديد من الأمريكان فى شارع (وول ستريت) وهتفوا خلف الثوار المصريين باللغة العربية: «الشعب يريد إسقاط النظام»، كما أصر المصريون الأمريكان على إقامة مؤتمر لشباب الثورة المصرية فى شارع (وول ستريت) أو الذين ظلوا معهم من الساعة الخامسة عصرا حتى الواحدة صباحا. ومظاهرات (وول ستريت) بدأت فى أغسطس الماضى عن حركة مناهضة الاستهلاكية الكندية الاحتجاجية والتى تدعو إلى (احتلال وول ستريت ) شارع المال والأثرياء والبورصة والدفاع عن حقوق الفقراء، حيث بدأت بمسيرة صغيرة لا تتعدى مائة شخص وكانت فى تزايد مستمر حتى وصلت إلى عدة آلاف، وتعرضت لهم الشرطة يوم 24 سبتمبر واعتقلت 80 شخصا بتهمة تعطيل المرور وبعدها انتقل المتظاهرون إلى حديقة (زكوتى) المجاورة للشارع وصارت الحديقة ساحة لتظاهراتهم وللمبيت فيها ومارست الشرطة كثيرا من الضغوط والمضايقات، حيث قطعت عنهم التيار الكهربائى وكانت تطلب منهم مغادرة الحديقة لصيانتها وتنظيفها، وفى 30 سبتمبر اعتقلت حوالى 700 شخص بتهمة السير على (جسر بروكلين) وعلى الخط المخصص للسيارات. تعاطف كثير من المشاهير الأمريكان مع المتظاهرين وجاءوا لزيارتهم فى الميدان مثل المخرج الأمريكى (مايكل مور) والملياردير (جورج سورس) والرئيس السابق (بيل كلينتون) وبعض الفنانين ونجوم السينما. ولم أستطع أن أخفى دهشتى وأنا أشاهد مظاهر الاحتجاجات فى (وول ستريت) وكأننى مازلت فى ميدان التحرير وقد تحول الحى الراقى شارع المال والأعمال وناطحات السحاب إلى ما يشبه الأسواق الشعبية، حيث ينصب المتظاهرون الخيام للمبيت فى الميدان وتنتشر عربات الأطعمة حول المكان وداخله ويهتف بعض الشباب والبعض الآخر يعزف المقطوعات الموسيقية وفى تقليد صريح للثورة المصرية نجد حلاق الثورة هناك يقف وسط المحتجين يهذب شعورهم ويحلق ذقونهم، وكذلك نجد (حلاقة الساحة) فى مظاهرات (وول ستريت) لتصفيف شعر الفتيات من المتظاهرات، كما يقوم أيضا الشباب هناك بتنظيف الميدان وتوزيع الأطعمة والبطاطين على المتظاهرين، كما شاهدت هناك فنانى الكاريكاتير يرسمون ما يعبر عن الحدث، كما تنتشر ال«تى شيرتات» والكابات والهدايا التذكارية المطبوع عليها علم الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولكن ربما تختلف نوعية الأطعمة فقط حيث كان (كنتاكى) المتظاهرين المصريين جبنا وطعمية ولكن فى (وول ستريت) المتطوعون يوزعون على المتظاهرين وجبات (كنتاكى) حقيقية دجاج وبطاطس وسلطة، كما أن صاحب محل (البيتزا) المجاور لهم يوزع عليهم البيتزا مجانا، ولا أحد يتهمهم بالعمالة أو أنهم مأجورون (بالبيتزا والكنتاكى)! وربما الاختلاف بين (وول ستريت) وميدان التحرير أيضا يبدو فى نوعية المتظاهرين فكان ميدان التحرير يجمع بين مختلف المستويات الاجتماعية الأغنياء والفقراء المثقفين والأميين، ولكن متظاهرى (وول ستريت) من الفقراء والمشردين الذين وجدوا فى البقاء فى المظاهرة والمبيت فى الميدان رفاهية أكثر، حيث ينامون ويأكلون ويشربون مجانا! كما أن الثورة المصرية كانت لها أهداف سياسية وتطالب برحيل الرئيس والتغيير الشامل، ولكن تظاهرات (وول ستريت) أهدافها اقتصادية ويرفعون شعارات تؤكد أن 1% فقط من الشعب الأمريكى يمتلك الثروة و99% من الفقراء.. مطلوب الإنصاف والعدالة الاجتماعية وإيجاد فرص عمل للعاطلين، ورغم هذه المشاكل لا يهتف متظاهرو (وول ستريت) ضد أوباما! ونلاحظ أن الشرطة تحيط بالمتظاهرين وتحميهم ولا تتعرض لهم الآن رغم أنها استخدمت بعض وسائل القمع فى بداية المظاهرات فى شهر سبتمبر واعتقلت أعدادا كبيرة منهم، أما الآن فلا تفعل ذلك إلا لو تعمد أحد الاشتباك بها. وتأخذ المظاهرات هناك شكل الاحتفالات (الكرنفالية)، حيث يدق الزنوج على الدفوف ويرتدون الملابس الإفريقية وينتشر المهرجون يضعون (الماسكات) الملونة على وجوههم والراقصون يستعرضون رقصاتهم. نلتقى بعدد من المتظاهرين الأمريكان لنعرف منهم لماذا هم معتصمون. فى البداية يقول شيرى ضاحكا حين عرف أننى مصرية: «هنا تحرير رقم 2»، ثم يضيف: منذ 38 يوما ونحن ننام فى هذا المكان من أجل المطالبة بحقوقنا، حيث أعمل طباخا، ولكننى الآن عاطل بدون عمل ولن أترك المكان إلا بعد أن نحقق مطالبنا. أما مارى فنحدثها وهى منهمكة فى الطعام، حيث كانت تأكل (بيتزا) مع مجموعة من زملائها وتعترف بأنها لم تشترها وأنهم يوزعونها عليهم مجانا، وأن هناك الكثير من المتطوعين الذين يوزعون الأطعمة والمشروبات بوفرة على المتظاهرين! وتقول إنها هنا تبيت مع المتظاهرين منذ 3 أسابيع ولن تغادر الاعتصام حتى تتحقق مطالبها فى تحسين شروط العمل وأوضاعه. أما زورو فكان الثرى الوحيد فى المظاهرة وهو يهودى الجنسية وحين سألته عن الفرق بين هذه التظاهرات والثورة المصرية قال: الثوار المصريون أقوى وأكثر ثورية والأمريكان لم يتعلموا الثورية بعد. كما يرى جورج وهو يعمل راقصا أن ثوار أمريكا مازالوا مبتدئين لم يصلوا بعد لقوة الشعب المصرى. ومن بين بائعى الميدان نلتقى بعماد عبدالرازق من مصر 48 سنة ويبيع (سجق) ولديه عربة صغيرة يبيع فيها (سجق) وساندوتشات ويرى أنه لا وجه للشبه بين هذه التظاهرة وبين الثورة المصرية. حيث كانت تنادى الثورة المصرية بإسقاط الرئيس، ولكن هنا ينادون بالإصلاحات الاقتصادية . . ويضيف أنه يقف فى هذا الشارع منذ 13 عاما وأنه رغم الزحام الشديد فإنه نادرا لو اشترى منه أحد المتظاهرين ساندويتش، حيث يوزع عليهم الطعام مجانا من مناطق عديدة. نغادر (وول ستريت) والتفاؤل يملأ كل مصرى بثورتنا العظيمة التى نشاهد مظاهرها الآن فى (وول ستريت).