ذكرى رحيل الزعيم «جمال عبدالناصر» هذا العام بعد أن ودعنا نجله الدكتور «خالد» حيث توفاه الله يوم الجمعة الموافق 17 من نفس الشهر «سبتمبر» لكى يخرج شعب مصر مودعاً ومناديا «ياخالد قول لابوك الملايين بيحبوك.. ياخالد ياعود الفل من بعد جمال شوفنا الذل.. روح يا خالد نام وارتاح واحنا نكمل الكفاح»! تجىء الذكرى هذا العام ويعيش شعب مصر حالة من الاشتياق والاحتياج لزعامة وطنية، تستطيع أن تجمع شمل الأمة، فى وقت ضاقت فيه السبل لإيجاد مخرج بعد أن نجحنا فى إزالة كابوس حكم استبد وأفسد وحاول اغتصاب النظام الجمهورى، الذى أنشأه ووطد دعائمة الراحل «جمال عبدالناصر» ورفاقه عقب قيام ثورة يوليو .1952 تجىء ذكرى الرحيل لزعيم أمة وابنها، لقد كان «جمال عبدالناصر» حالة خاصة بين زعماء العالم، كان تعبيراً عن آمال أمة عظيمة، عاشت منذ 1952 وظهور «جمال عبدالناصر» كقائد لحركة ثورية فى مصر، لينهى عصراً من الاحتلال الأجنبى، دام أكثر من سبعين عاما وينهى حكماً ملكياً وسلطانياً، وولاية تابعة للأستانة أو لأى عاصمة غزو، لكى تبدأ فى مصر مرحلة جديدة من الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية تعتمد فيها الأمة على قيادة أبنائها وعلى وطنية شبابها، وتتطور تلك الحركة لكى تقود حركة التحرر فى العالم العربى، وفى أفريقيا ثم تتوازى مع الحركات التحررية فى أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، وأوروبا الشرقية، وتظهر جبهة الحياد الإيجابى وعدم الانحياز، ويتصدر «جمال عبدالناصر» زعماء هذا العالم الجديد الخالدين «نهرو» فى الهندى و«تيتو» فى يوغسلافيا، «شواين لاى» فى الصين، و«فيدل كاسترو» فى كوبا، و«باترس لومومبا» فى الكونغو، و«كوامى نكروما» فى غانا، و «أحمد أهيدجو» فى الكاميرون، زعماء خالدين تركوا فى بلادهم آثاراً بالغة الوطنية، ولم تكن مصر فى مثل هذه المرحلة إلا شعلة من الحركة الدائبة، وتحمل من الآمال والأحلام فوق طاقة شعبها وقدراتها، ولكن كانت جارفة فى مشاعرها نحو العالم ونحو أمتها العربية، هكذا كان «جمال عبدالناصر» وهكذا كان «شعب مصر» ومن السيرة الذاتية لشخصية الزعيم نجد أنه ولد فى 15 يناير 1918 وتوفى فى 28 سبتمبر1970 فقد مات عن عمر يناهز 52 عاماً وثمانية شهور وثلاثة عشر يوماً، لقد مات «عبدالناصر» شابا، وحينما وصف «شواين لاى» موت عبدالناصر قائلا: لقد مات من الحزن والقهر مات كسير القلب، أما الذنب فهو ذنب الاتحاد السوفيتى، فقد خدعة السوفييت ودفعوه إلى مأزق ثم تخلوا عنه، وتركوا فؤاده يتحطم وينكسر. كان تصريح «شواين لاى» هو أول استخدام سياسى لوفاة «جمال عبدالناصر» على المستوى الدولى، وحينما عبر «نزار قبانى» الشاعر العربى عن حزنه قائلا «قلتلناك قتلناك يا آخر الأنبياء.. قتلناك وليس غريبا علينا قتل الصحابة والأنبياء فكم من رسول قتلنا وكم من أمام ذبحناه وهو يصلى العشاء». لقد كان اليوم الأخير فى حياة الزعيم «جمال عبدالناصر»، يوما مرهقا أشد الإرهاق على أثر الأسبوع الحافل الذى استطاع فى نهايته أن يحقن دماء الأشقاء «الفلسطنيين والأردنيين» حيث أحداث سبتمبر الأسود كما أطلق عليها حينها، واستطاع «عبدالناصر» فى نهاية الأسبوع أن يتوصل إلى عقد اتفاق «القاهرة» الخاص بالعمل الفدائى الفلسطينى فى الأردن بين «ياسر عرفات» و«الملك حسين بن طلال» ملك الأردن ومع ذلك ففى صباح اليوم الأخير 28 سبتمبر 1970 أصر على توديع جميع الرؤساء والملوك العرب فى مطار القاهرة الدولى، وعندما ذهب ليودع الرئيس «جعفر النميرى» لم يكن تبدو عليه سوى مظاهر تعب بسيط قال لمرافقيه إنه سيزول فور أن ينال قسطا كافياً من النوم والراحة، وكان آخر الزعماء العرب المغادرين للقاهرة والمودع لهم، أمير الكويت وانحنى يقبله وشعر بدوار شديد فاستند على كتف الأمير، ومع ذلك وقف حتى استقل الأمير طائرته، وأحس بالألم مما جعله يطلب مجىء سيارته فى مكانه، وهذا عكس ما يقوم به فى العادة، حيث يأخذ طريقه فى العودة حيث تتوقف السيارة، وجاءته السيارة كطلبه على غير العادة على ممر الطائرات، وطلب أن يعود إلى بيته وهناك أسلمت الروح الطاهرة لبارئها راضية مرضية، وكان نبأ موت «جمال عبد الناصر» كالصاعقة على المصريين، على أهله، وعلى العرب وعلى أمته وخرج فى جنازته أكثر من 6 ملايين مصرى ولم يحدث هذا فى تاريخ العالم الحديث. رحم الله «جمال عبدالناصر» رحمة وسعة، ورحم الله شعب مصر ورحم حلم الأمة العربية كلها فلنقرأ الفاتحة على روح الزعيم، ولنطلب الهداية لشعب مصر وأبنائه.