اشتعلت معظم خشبات المسارح فى مصر بأعلام وورود وصيحات الغضب الثورى المفاجئة، بينما اختفى من المشهد معظم الذين قدموا فناً مسرحياً مضادا للنظام السابق وكاشفاً لحالة الفساد السياسى والاجتماعى قبل 25 يناير وهى الظاهرة اللافتة للنظر، حيث ظهرت مجموعة عروض سريعة تتناول الثورة وتؤكد الولاء لها، بينما وقعت تلك العروض بين مطرقة التكريم وسندان الاحتفال بنجاح الثورة. مبادرات التكريم بدأت على مسرح ميامى مبكراً من خلال عرض «ليالى الثورة» الذى أشرف عليه ناصر عبدالمنعم، فيه كرم الفنانون بعضهم البعض، وكرم العرض الذين شاركوا فى الثورة من أهل الفن، وقد اعتذر عن حضور التكريم معظم الذين خرجوا منذ 25 يناير وكان لهم سابق صدام سياسى حقيقى مع السلطة مثل خالد الصاوى وخالد يوسف، وقد أدرك هؤلاء أن التكريم المبكر بينما ذكرى شهداء الثورة ملحة على العقل والقلب لهو أمر مشوب بعلامات الحذر. بينما توالت عروض أخرى مثل (ورد الجناين) لمحمد الغيطى، وهانى عبدالمعتمد، (وقوم يا مصرى) لبهيج إسماعيل وعصام الشويخ لتوثق وتعبر عن نجاح الثورة. بل تحولت معظم نهايات المسرحيات بهيئة قصور الثقافة من الإسكندرية لأسوان لمشاهد قيام الثورة. أما فرقة رضا فقد قدمت استعراض 25 يناير خلال أسبوع من قيام الثورة وإعلان المجلس العسكرى توليه إدارة شئون البلاد، أرصد هذا الأداء الفنى المسرحى على خلفية إعلان عدد من الكتاب أنهم قدموا أعمالاً منذ عشرين سنة تنبأت بالثورة بل وعدداً من الأفلام السينمائية التى عدلت خطتها لتنتهى بمشاهد ميدان التحرير. بدت المسألة فى الأيام والأسابيع الأولى موافقة لفرحة مصر بثورتها الاستثنائية ومقبولة بل ومعبرة مع بعض الأغانى الجديدة التى ظهرت سريعاً عن فرحة الناس فى مصر بالحرية ولكن الاحتفالات طالت والتكريم تنوع حتى حدث مشهد الاعتداء على مسرح البالون اعتراضاً على تكريم عدد من الشهداء دون غيرهم. وتلك الحادثة على اختلاف تفسيرات ملابساتها تحمل فى داخلها علامة واضحة: إن الجمهور المصرى لا يصدق كثيراً الآن مسألتى التكريم والاحتفال ذلك أن ثورته على أرض الواقع مازالت تبحث عن تحقيق نتائجها، إننا نستحق أن نقدس عفوية وجماعية الفعل الثورى لجموع المصريين فى 25 يناير، بالفعل المبتكر الجديد فى تاريخ الثورات، بل إن سلوك الشعب المصرى فى ظل السيولة الأمنية وغياب المقدرة الحكومية هو سلوك شديد الانضباط بالمقارنة بعدد من الظروف المماثلة لمجتمعات أخرى. فلماذا يصر أهل الفن فى مصر على كل هذه المعالجات السريعة للثورة؟. بل إن ما ينتظره المصريون الآن هو ذلك الفن الحقيقى الممتع الصادق الذى يضىء الواقع ويفسره ولعل مسرحية «هانكتب دستور جديد» هى واحدة من تلك المحاولات الخافتة للمشاركة فى الفعل الإيجابى الثقافى للثورة إذ إنها تناقش: ماذا يريد الناس فى مصر من الدستور الجديد؟ وهو الفعل الفنى الذى يتجاوز احتفالات القوافل الثقافية وفعاليات الفن ميدان المستقلة. ويعد أيضاً تتويجا لموجة عروض إعلان الولاء للثورة هو عرض الأهرامات والثورة الذى قدمته فرقة باليه أوبرا القاهرة على خشبة المسرح الكبير لدار الأوبرا المصرية. وهو صيغة جديدة تحتاج للمناقشة إذا إنه إنتاج جديد للعرض الذى أهداه الفنان العالمى موريس بيجاد لدار الأوبرا المصرية فى 1990 باسم الأهرامات، ليقدمه د.عبدالمنعم كامل فى معالجة جديدة بنصه الحركى الأصلى لا يغير إلا بالحذف لبعض اللوحات فى العرض القديم، ويضيف بذكاء فنى أخاذ لوحتين جديدتين الأولى هى مصر المسيحية والثانية والأخيرة هى ثورة 25 يناير. ولا شك أن تعامل «كامل» مع ميشيل جاد المصمم والمخرج العالمى الفرنسى الأصل الذى مزج بين الرقص الحديث، وفن الباليه، وطور أسلوبا خاصاً واهتم بفنون الشرق ومزجها بالفن الغربى لهو تفاعل ثقافى رفيع المستوى ولكن ميشيل جاد كان قد وضع وجهة نظره فى عرضه الأول ليجعل من الحملة الفرنسية على مصر رأس الحربة. وبالتالى فإن تراكم الرؤية البصرية والتركيز على جوانب بعيدة تماما عن فكرة المقاومة وإرادة الشعب الجماعية، جعل مشهد الثورة بعد مشهد أم كلثوم الراقص المعبر عن لوحة عشق بين رجل وامرأة هو قفز على الإيقاع العام، أما الإضافة للمشهد الذى تعرض لدخول المسيحية مصر واستمرار غطاء رأس الراهب طوال العرض فقد جاء فى إطار التأثير بما يدور الآن من محاولات تفتيت النسيج المصرى الواحد. وإن كانت صياغته أكثر علاقة بالقراءة فى جوهر الشخصية المصرية من مشهد الثورة المفاجئ الذى يجىء كصياغة هى الأكثر حساسية فى معظم العروض الاحتفالية بالثورة لكنها تقوم بالانتصار لفكرة إعلان الولاء للثورة أكثر من جوهر العرض الأصلى مرهف الصياغة ومبهر التفاصيل الفنية آنذاك، وإعادته بهذه الصياغة هى قمة الأداء الجماعى المعبر عن الاحتفال السريع بالثورة بينما مازالت على أرض الواقع تحاول الجماهير استكمال تحقيق مطالب ثورتهم. إن ثورة 25 يناير تحتاج لصياغة وتأمل جديد ولإبداع متفرد يليق بتفردها وعبقريتها النادرة التى أشاد بها العالم أجمع.