بدون أمر مباشر تحدد يوم 52 يناير ميعادا لقيام الثورة، ذهب الثوار متجهين إلي ميدان التحرير ليعلنوا من هناك أن وقت التغيير قد حان.. الشباب في الميدان يهتفون ولا يعرفون إلي أين يتجهون، أو ما هي الخطوة التالية. فجأة انتشرت فكرة الاعتصام في الميدان رغم أنف الأمن المركزي، الجميع تمسك بالفكرة دون التفكير في محاولة البحث عن صاحبها أو مصدرها.. لأنه بمثابة البحث عن إبرة وسط كومة من القش. سيناريو مبدع في التنظيم تجلت ملامحه في الأيام التالية مرورا بيوم 28 يناير وحتي بدء الاعتصام الأعظم في التحرير.. الثورة تسير بشكل نموذجي كأنها علي قضيب سكة حديد ليس له نهاية.. الطموحات والمطالب تخترق السقف لتغطي سماء الميدان فيما يشبه الدليل القاطع علي عدم وجود قيادة للثورة، حتي إن حاول بعض الحمقي تقمص دور قادتها. انعدام القيادة كان أعظم مميزات الثورة آنذاك نتيجة وضوح الهدف والإجماع عليه، إلا أن تضاعف أعداد الحشد الثوري جعل غياب هذه القادة مشكلة خاصة مع زيادة الائتلافات والكيانات التي بدأت تتحدث باسم الثورة والثوار، أصبح الأمر يشوبه كثير من العشوائية والفوضي التي يستغلها البعض في محاولة فاشلة لتشويه صورة الثورة بالنداء لأفعال يمكنها أن تثير الغضب من الثوار. منذ أحداث الثلاثاء الأسود، وميدان التحرير يحاول استعادة تنظيم نفسه بنفسه.. عاد الاعتصام من جديد ليفرض نفسه علي الساحة، ونتذكر أن مبارك وحاشيته رحلوا بأمر الثورة وبقوة الاعتصام. -- ضرورة ظهور قيادة لميدان التحرير يعد أهم الحلول التي شغلت أذهان الثوار، خاصة في ظل تعدد الآراء وتباينها وإصرار كل فصيل علي رأيه.. لذلك قرروا البيات علي أسفلت الميدان لحين التأكد من نجاح الثورة. «مجلس قيادة الميدان» فكرة يناقشها المعتصمون واقتربوا من تنفيذها وقد قرروا تشكيل عدد من اللجان، مثل لجان مجلس الشعب.. لجنة الأمن وتختص بكل ما يتعلق بتأمين مداخل الميدان وحماية المعتصمين وزوار الميدان.. خاصة أن تأمين مداخل الميدان كانت تتم من خلال التطوع. الأمر الذي يؤدي إلي اختلاف الأشخاص الذين يؤدون هذه المهمة، وأحيانا كان يتعذر توفير المتطوعين رغم كثرة المعتصمين.. ولجنة للصحة دورها علاج الإصابات التي تحدث جراء هجمات الشرطة أو البلطجية كذلك توفير ما يلزم للإسعافات الأولية السريعة.. ولجنة للإعاشة، ولجنة للتفاوض باسم المعتصمين، وليس باسم الثورة. هذه اللجان كانت موجودة من قبل، خاصة في أيام الثورة الأولي، لكن لم تكن مفعلة ومنظمة بشكل كامل، وفكرة قيادة الاعتصام تمنح هذه اللجان صلاحيات وشكلا تنظيميا أعلي. -- يوم الاثنين الماضي اقترحت إحدي معتصمات الميدان وتدعي «هبة» فكرة عمل انتخابات لتكوين مجلس قيادة، ومنه يتم اختيار أعضاء ورؤساء اللجان، وهي الفكرة التي نالت تأييد معظم المعتصمين.. لكن «دينا الغمري» إحدي الناشطات كان لها رأي آخر، وقالت إنه من الأفضل تشكيل أو تفعيل اللجان قبل التفكير في عمل الانتخابات.. البعض رد علي هذا الاقتراح بأنه يساهم في ضياع الوقت، ومن الأفضل إجراء الانتخابات في أسرع وقت ثم تحديد شكل الانتخابات وإجراءاتها، والتي ستقتصر علي معتصمي ميدان التحرير فقط، الذين يبيتون في الخيام وليس الزوار.. الميدان به حوالي 150 خيمة، كل مجموعة لا يقل عددها عن 10 أفراد تنتخب من داخلها فردا ليخوض الانتخابات باسمها.. الميدان به 120 حركة وحزبا سياسيا، كل حركة أو حزب ترشح عنها شخصان.. حتي يصل عدد المرشحين في النهاية إلي 400 شخص، يتم تصفيتهم إلي 10 أفراد فقط، يكونون هم المجلس الأعلي لقيادة الميدان، وسيكون لهذا المجلس سلطة وصلاحيات، وليس معني ذلك عدم الرجوع للمعتصمين في اتخاذ القرارات، لكنه بمثابة المتحدث الرسمي باسم كل معتصم. هذه الخطوة المهمة ستساهم في حل العديد من المشاكل التي تواجه الميدان.. أهمها مشكلة التمثيل السياسي، وتخبط المطالب،و تحديد موعد انتهاء أو تعليق الاعتصام.. علي الرغم من أن هذه الخطوة تجعل فكرة فض الاعتصام بعيدة كل البعد عن الميدان.. المجلس ستكون له سلطة في عملية تنظيم المليونيات والمنصات، والإبقاء منصة واحدة فقط لتفادي محاولات بعض العابثين شق وحدة صف المعتصمين وتلاشي الفوضي.. وفي أروع وصف لهذه الخطوة قال أحد أطباء الميدان: هذه أجمل طرق التصعيد السلمي. -- تكوين مجلس قيادة للميدان يطرح إمكانية تعميم الفكرة علي ميادين التحرير في أنحاء الجمهورية. الإجابة عن التساؤل جاءت واضحة حينما أكد المعتصمون أن المجلس القيادي خاص بمعتصمي التحرير حتي لا يفهم أحد أن الميدان يحاول تصدر المشهد الثوري علي حساب بقية الميادين وليس ضرورياً أن يلتزم بهذا المجلس ثوار الميادين الأخري، ويكفي أننا كثوار في أي ميدان في مصر متحدون نحو هدف واحد.. كما أكدوا علي أن المجلس الأعلي خاص بتنظيم اعتصام التحرير وليس متحدثا رسميا باسم الثورة إجمالا. الفكرة سبق أن وصل إليها الثوار.. في فبراير الماضي تم طرحها لتحديد أشخاص معينين من الثوار ليتحدثوا باسم المتظاهرين ويباشروا عملية التفاوض علي المطالب التي لم تنفذ حتي يومنا هذا.. لكن الفكرة لم تنفذ لأنها كانت تركز علي ترشيح أشخاص من الحركات السياسية بالأخص وليس بشكل عام، ومن هذه الفكرة ظهر أول ائتلاف للثورة والذي تصدر مع آخرين عملية التفاوض مع النظام الذي انخلع رئيسه.