فى محاولة للخروج من أحزانى التى أثقلت قلبى بعد رحيل زوجتى ورفيقة عمرى سافرت إلى الإسكندرية التى عشت فيها سنوات طويلة من العمر بدأت مع الظروف التى هيأت مصر لثورة 52 والتى تشبه إلى حد ما الظروف التى عشناها قبل ثورة 25 يناير .2011 عندما انتقلت إلى الإسكندرية كان الثغر الجميل يعيش حالة من إضرابات الطوائف كان رجال البوليس يطلبون المساواة مع العسكريين من رجال الجيش واعتصموا بناديهم ووصلتهم حوالى 1772 برقية تأييد من ضباط الأقاليم. وعندما حاول حرس الجمارك الخروج فى مظاهرة بادر الجيش الخاضع للملك بمقاومتهم فقتل 3 وأصيب 27 وتكرر الصدام بين الجيش والبوليس عندما خرجت مظاهرة لرجال البوليس يرفعون فيها الخبز فوق السناكى.. وحرق المتظاهرون 25 عربة ترام وبعض المحال ودور السينما وقتل 17 شخصاً. وكانت هذه الحالة الصدامية بين الجيش الذى كان خاضعا للملك ونفوذ الاستعمار وبين قوى الشعب المختلفة بما فيها البوليس بداية لحرب فلسطين التى شنت عام 1948 تنفيذا لخطة الاستعمار البريطانى التى نفذتها وزارة محمود فهمى النقراشى باشا الذى قال الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس مجلس الشيوخ فى كتابه، «مذكرات فى السياسة المصرية» إن موقف النقراشى قد تغير فجأة بين عشية وضحاها.. وأنه قد أجاب عن سؤال لفؤاد باشا سراج الدين زعيم المعارضة الوفدية فى مجلس الشيوخ عندما سأله عن الاندفاع للحرب فقال «إنى متفائل ونحن نعرف قوة اليهود تماما وأنا أحب أن أطمئنك على أن الإنجليز هم الذين شجعونى على ذلك»! هكذا كانت الحالة فى مصر فى عهد الملكية تشكل خضوعا كاملا للنفوذ الاستعمارى. انتهت حرب فلسطين وبدأت حركة الكفاح المسلح ضد الوجود الاستعمارى فى مصر وظهرت فى الجيش حركات وطنية رافضة لما يقوم به الملك. ومن المظاهر المعبرة عن تلاحم الجيش مع الشعب التى عشت معها بالإسكندرية مشاركة ضباط من الجيش لأول مرة فى جنازة الشهيد عباس الأعسر شقيق أحد الضباط الأحرار البكباشى عبدالحليم الأعسر والتى خرجت من كلية التجارة التى كان الشهيد عباس الأعسر طالبا بها، وكانت مجاورة لرئاسة الآلاى الثانى أنوار كاشفة فى حى سوتر على ترام الرمل، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يشارك فيها ضباط الجيش فى جنازة أحد شهداء الشعب. كانت هذه هى الفترة التى شكل فيها الضباط الأحرار تنظيمهم المستقل والذى أوكلت قيادته فى الإسكندرية لثلاثة هم الشهيد صلاح مصطفى الذى دبر الموساد حادث اغتياله فيما بعد عندما كان ملحقا عسكريا فى الأردن، وعبدالحليم الأعسر شقيق الشهيد عباس الأعسر وكاتب هذه السطور. وتطورت الأمور سريعا بعد إقالة الملك للحكومة الوفدية التى نجحت فى الانتخابات فى 2 يناير 1950 بأغلبية 228 وفديا من 319 أعضاء مجلس الشعب فقد شكل الملك 4 وزارات من أحزاب الأقلية فى ستة شهور. وكانت النتيجة هى دعم الضباط الأحرار لحركة الفدائيين ومواجهتهم فى منشوراتهم للملك فاروق الذى كان يخضع تماما للنفوذ الاستعمارى. وأصدر الملك قراره بعد قراءة منشورات للضباط الأحرار باعتقالهم وعندما وصل الخبر إلى الضباط الأحرار يوم 17 يوليو 1952 عن طريقين الأول محمد باشا هاشم وزير الدولة الذى أبلغ اللواء محمد نجيب باشا وكان زوجا لبنت رئيس الوزراء حسين باشا سرى... والأستاذ أحمد أبو الفتح رئيس تحرير المصرى وزوج شقيقة أحد الضباط الأحرار فى سلاح الفرسان البكباشى ثروت عكاشة وتقرر القيام بحركة الجيش التى وضع خطتها البكباشى زكريا محيى الدين بناء على تكليف اللجنة التنفيذية للضباط الأحرار التى كان يرأسها البكباشى جمال عبدالناصر. وخلال أيام تم تنفيذ الخطة ليلة 22 و 23 يوليو. وإلى العدد القادم لتوضيح صورة الأيام الأولى من ثورة 23 يوليو .1952