الشهداء في مصر يتتبعهم «الغاوون».. يلاحق ذويهم الضالون.. وهؤلاء الضالون هم من يهددون، ويتوعدون، بعد أن تخضبت أياديهم بالدماء، ليطالبوك بعد كل هذا أن تنسي ما حدث، لتقبض الثمن! في هذا التحقيق نتحدث مع مجموعة من البسطاء الذين استشهد أبناؤهم لنكتشف أن البعض استغل فقرهم ليساوم علي دماء الشهداء بأبخس الأسعار. «صالح محمد سعد» أخذ معه ابنه إسلام يوم 29 يناير لمعرفة نتيجته في الصف الثاني الإعدادي وبعد أداء صلاة العصر في مسجد الهداية الذي يعمل به بإمبابة طلب من إسلام أن يذهب إلي البيت في بشتيل. وأثناء توجه إسلام إلي محطة القطار وبالقرب من القسم سقط علي الأرض. ووجد الرجل ابنه قد نفذت إحدي الرصاصات إلي بطنه ثم خرجت من ظهره، وكان المحيطون به يدركون مصدر الرصاصة، إذ خرجت من مسدس محمد العادلي معاون المباحث، الذي لا يعرف الرحمة! وافق صالح علي تشريح جثة ابنه للقصاص من قتلته، لكن تقرير الطب الشرعي لم يأت حتي الآن، رغم مرور أكثر من 3 شهور! صالح قال لنا إنه يفكر في الصلح، بعد التهديدات التي تعرض لها هو وابنته الوحيدة، فانقطع عن الذهاب إلي المسجد بإمبابة منذ شهرين بعد محاولات التعرض له سواء بسيارة أو موتوسيكل أثناء عبوره الشارع! فضلا عن مكالمات التهديد والوعيد، لافتا إلي أن هناك مساومات مادية قد طالته في وقت سابق تقدم بها هشام فوزي مفتش مباحث شمال الجيزة، حيث أرسل إليه الكثير من الأشخاص.. منهم شخص ادعي أنه من طرف عبدالمنعم عمارة.. وعرض 60 ألف جنيه.. وأن المبلغ وصل إلي 150 ألف جنيه بعد الجلسة الأولي وقام شخص يدعي مختار العمدة وعرض علي «أسامة» أحد شهود القضية 5 آلاف جنيه مقابل عدم الإدلاء بأقواله أو تغييرها، وكان هذا العرض منذ 4 أيام لأن القضية محدد لها جلسة 3 يوليو المقبل، وهو ما دفعني إلي التقدم ببلاغ ضد «هشام» معاون المباحث، بممارسة الضغط علينا. -- محمد سليمان توفيق - طالب بكلية الهندسة - بدأ الاعتصام في ميدان التحرير منذ يوم 25 يناير وفي يوم 28 طلبت منه والدته أن يأتي لكي يحتفل بعيد ميلاده.. فاستجاب لرغبتها وأخذ المترو حتي محطة المرج.. وبعد خروجه وجد مظاهرات أمام قسم المرج.. فرفعه أصحابه علي أكتافهم وهتف نفس هتافات ميدان التحرير، وفجأة سقط محمد.. بعد أن أطلق ضباط قسم المرج الرصاص عليه! تامر شقيقه قال لنا: تلقيت تليفونا من أحد أصدقائه بأن محمد توفي، وهو بمستشفي اليوم الواحد.. وبعد هذا تقدمنا ببلاغ ضد أمجد إبراهيم مأمور القسم ومعاوني المباحث. لكن كان هذا الأمر بداية لممارسة الضغوط علي الشاهدين في القضية.. وعرضوا عليهما 20 ألف جنيه من كل فرد منهما.. وهددوهما بعمل صحيفة سوابق لهما بتهم البلطجة إذا لم يستجيبا. لكن ما يدهشني - والقول لتامر - أنه لم يتم استدعاؤهم أو التحقيق معهم والحصول علي تعهد بعدم التعرض لنا، فنحن نري الكثير من البلطجية يسيرون خلفنا جميعا، والقضية تؤجل منذ 5 شهور، لذلك اعتصمنا أمام ماسبيرو، وعندما يتم الإفراج عنهم من سرايا النيابة بضمان محل الإقامة.. فهذا لا يدل علي أن تغييرا قد طرأ علينا بعد الثورة! -- «جلال فيصل علي» هو شقيق الشهيد ناصر.. جلال أخبرنا أن أخاه كان يجلس يوم 29 يناير أسفل المنزل الذي يبعد 300 متر عن قسم شرطة إمبابة وأثناء إطلاق الشرطة الرصاص علي المتظاهرين، أصيب في رأسه.. ومات قبل أن يتجاوز 18 سنة! بعد الوفاة بأسبوع حضر إلي منزلهم حسام فوزي مفتش المباحث لكي يواسيهم.. وطلب منهم الصلح لكنهم رفضوا، وبعد أسبوع آخر عرض عليهم 30 ألف جنيه مقابل التنازل عن القضية المتهم فيها الضابط محمد العادلي. ثم كرر عرضه وأرسل ضابطين آخرين هما: محمد الشاذلي وعمر رضا، ثم أخبرانا أن المبلغ قابل للزيادة. وعندما فشلا في الوصول إلي حل معهم.. دفعا بكبار العائلات لكي يضغطوا عليهم! -- يوم 29 يناير كان أن تأخر محمد فوزي عاشور - 13 سنة - عن العودة للمنزل بعد الدرس.. فخرج والده للبحث عنه فوجده في مظاهرة أمام قسم «ثان طنطا» بين عدد ممن يرفعون لافتات «سلمية»، لكن الأمن المركزي كان يطلق القنابل المسيلة للدموع بكثافة.. ولأنه سبق أن أجري عملية قلب مفتوح لم يتحمل الغاز.. فأخذ بيد ابنه وهرول إلي الشوارع الجانبية، وتزاحم خلفهم أعداد كبيرة من المتظاهرين بعد مهاجمتهم بالرصاص من قوات الأمن المركزي فسكنت رصاصة في جذع مخ محمد! والمثير أنه لم يستطع الحصول علي تصريح لدفن ابنه إلا بعد أن أجبره مأمور القسم علي تغيير أقواله بأن سبب وفاته طلق ناري غير معلوم المصدر.. والمفاجأة أن الرصاص الذي سكن في رأسه لم يكن له أثر لأنه اكتشف بعد ذلك وبعد اعتراف بعض الأطباء له بأن هناك ضباطا من أمن الدولة أجبروا الأطباء علي إزالة أثر هذه الطلقات وتحريف تقريرهم! فوزي رفض الحصول علي التعويض لدم ابنه ولم يأخذ المعاش الشهري لأن هذا لن يعوضه عن حلمه الذي اغتالوه بوحشية. مصطفي محمد مرسي استشهد ابنه محمد أثناء عودته من ميدان التحرير يوم جمعة الغضب، وعلي بعد 200 متر من قسم المرج، حيث أطلقوا عليه الرصاص هو وأصدقائه. مصطفي قال لنا: مأمور القسم مارس ضغوطا شتي علي الشهود الذين أصيبوا أثناء انقاذ ابني لتغيير أقوالهم، عرضوا عليهم مبلغ 20 ألف جنيه ودفعوا بكبار رجال المرج من أجل اقناعهم، بعد رفض الشباب تلقوا تهديدات متنوعة. ولم تقتصر التهديدات والمساومات علي الشهود فقد وصلت إلي أسرة الشهيد ولكن والد الشهيد قال لنا لن أقبل أي تعويض من الدولة إلا بعد أن أري القصاص الحقيقي من الذين قتلوا ابني. تذكرت والدة الشهيد أحمد مدحت السيد يوم فقدت أعز ما وهبته لها الحياة قائلة: ذهبنا يوم 29 يناير نتظاهر أمام ديوان عام المحافظة لكن قسم ثان طنطا أعترضونا وأطلقوا علينا الرصاص من شرفة القسم فأصيب ابني برصاصتين في صدره ومات في المستشفي. اتهمت أم الشهيد الضباط الذين رأتهم في الحادثة ومنذ بدء التحقيقات معهم، يرسلون كل أسبوع مندوبين عنهم، بأنهم سواء من الأهالي أو ممن كانوا محسوبين عليهم وأصحاب السمعة السيئة يعرضون عليهم ما يشاءون وكان آخر عرض هو شقة تمليك في أي منطقة و 100 ألف جنيه تعويض ومعاش شهري أم أحمد رفضت كل ذلك ولا تنتظر إلا القصاص، ورغم تهديدها وترويعها. والدة الشهيد أحمد زين العابدين سليمان قالت استشهد ابني أثناء ذهابه لخطيبته يوم 28 يناير أمام مستشفي الأميرية بالزيتون أصابه قناص في قلبه فأرداه قتيلا. تقدمت ببلاغ للنائب العام، اتهم فيه رئيس مباحث الأميرية ومأمور القسم بقتل أحمد لكن لم يتم التحقيق مع القتلة. ولا يزالان يمارسان عملهما بالقسم بل وصل بهما الأمر إلي إرسال مندوب شرطة عنهما أكثر من مرة إلي محمد الذي أصبح وحيداً، بعد فقدان أخيه يهدده بأن يترك مصر بحجة الخوف عليه لأن الضابطين يدبران له مكيدة وسيلفقان إليه التهم. كما جاء رئيس جمعية الرفاق الخيرية وطلب عقد ندوة في المنطقة ويعتذر المأمور عما حدث والصلح خير لكن رفضنا واعتصمنا أمام ماسبيرو حتي نري من قتلوا ابني خلف القضبان.