يعود قلمى ليبث مداده للورق سعيا لوصل فى زمن مختلف ربما وصل مع الذاًت بروح متحررة من قيود التنظيم الذى كنت ألتزم بها قرابة 23 سنة، وربما وصل مع دوائر أوسع من قراء أخاطب فيهم من كنت مثله وآخرين كانوا على الضفة الأخرى من حيث رست أفكارى حيناً من الدهر، وربما هو وصل مع ثقافتنا هويتنا التى تعانق فيها الموروث الإنسانى ليخرج بالشخصية المصرية مستدمجا تاريخ الإنسانية كله لتكون المنمنمة المصرية تنويعات من الفرعونى مع الرومانى والمسيحى مع الإسلامى والتركى مع الإفريقى. وحيث إنى غادرت تنظيم الإخوان المسلمين فبالتأكيد لن تمر حلقة وصل إلا وعلى ماعاينت أعرج ليس سعيا لكشف عورات أو انتهاك خصوصية قدر ما هو توقف عند محطات ربما تستدعى التدبر من الداخل الإخوانى قبل خارجه . وفور أن كانت استقالتى من الإخوان .. كان مسرح الحياة يقذفنى إلى ذات المشهد قبل 21 عاما وقتها كان الجو فجر شتاء وبعد صلاته التقينا أمام مسجد الرضا بدمنهور.. مجموعة من الإخوان طلاب الثانوى مع بعض الشباب الذين كانوا يكبروننا بسنوات قلائل .. لم نجد بينهم (م. أ) بوجهه البشوش وروحه التى تحمل خليطا من حماس جيفارا وقلب النديم ووعى حسن البنا. سألنا عن الشاب .. فلم نجد إجابة .. تاهت فى دروب عدة من الأسئلة التقليدية. عبد الجليل الشرنوبى كان نموذجا ل (الأخ) طالب الجامعة الحريص على الانتصار لفكرته حتى وإن كلفه ذلك الكثير من الملاحقات الأمنية والتى كان آخرها قبل أيام .. وبلا شك كنت أحب فيه هذا البذل الذى لم يكن ينفصل عن زيه المعنون دوما بالكوفية الفلسطينية. كررت السؤال عنه وألححت فيه.. حتى جاءتنى الإجابة (ربنا يهديه)! فهمت من نظرات من حولى أن الإجابة تعنى باختصار أنه ترك تنظيم الإخوان،إذ قال لى «ربنا يهديه»!.. غير أنى بادرت رافضا هذه الدعوة المباركة فى توقيتها هذا .. وأصررت على أن (ربنا يوفقه) أولى وخاصة حين تيقنت أنه قرر الرحيل عن التنظيم بغير تهمة تستحق دعوات الهداية المجانية. بالطبع حصلت على قدر مبارك من هكذا دعوات وأسال الله أن يتقبلها، غير أن ما يستوقفنى الآن هو قدرة الحركات الإسلامية عموما والإخوان فى القلب منهم على استيعاب ثقافة الاختلاف وخاصة مع من كان شريكا فى درب مع مراعاة أن الحاكم فى القضية هو أن جماعة الإخوان ترفع ذات الراية التى رفعها حسن البنا رحمه الله (نحن جماعة من المسلمين لا جماعة المسلمين). إن أصل الاختلاف البشرى قائم وموجود منذ أن نسى آدم فهبط من جنات ... وهبطنا معه لنختلف منتجين فكرا وإبداعا وتطورا وتواصلا وحضارات وحروب! وحتى فى عصر النبوة كان الاختلاف بداية بناء المجتمع حين قرر القرآن أن يجعله حجة سرمدية البقاء بعتاب الله جل فى علاه لرسوله صلى الله عليه وسلم {عبس وتولى أن جاءه الأعمى وحتى لا يظن أحد أنه فوق النقد وضد الاختلاف وهو ما أنتج وعياً أدرك فيه المجتمع أن الصمت دون إبداء الرأى وإن بدا مختلفا جريمة وعلى هذا الوعى انتصرت الدولة الوليدة عندما أخذت بالرأى المختلف ذى الحجة للحباب ابن المنذر يوم بدر. ولذا تبقى طاقة البناء أقوى حين تتحمل الاختلاف وتعتبره إضافة لرصيد الفكرة لا خصما منها فى حين يبقى السكون هو أساس النمطية فى صياغة شخوص غير قادرة على الفعل الفردى المباشر بل تبدع أكثر ما يكون حين يكون الضمير الجمعى هو السائد وبالتالى تجنح لفكرة الرفض لكل ماهو غير مألوف وعادة مايكون أيسر الطرق أن تصدر دعوة مبسترة وخالية الدسم والروح (ربنا يهديه) مع ضم الشفتين وهزات بسيطة للرأس .. فلنتفق على أن الاختلاف فى إطار السعى للتطوير مباح والأصل الإباحة.