ربما يتبادر إلى الذهن أن زيارة د. عصام شرف لدولة الكويت تتسم بالطابع الاقتصادى والترويج لفرص الاستثمار لجذب رؤوس أموال أكثر من الأشقاء العرب.. ولكن ما لفت الانتباه هو استعداد الكويت حكومة وشعبًا لاستقبال رئيس وزراء مصر ما بعد ثورة 25 يناير بحميمية مليئة بالهموم السياسية للمنطقة العربية، وأهمية الوقوف مع مصر فى هذه الفترة الحرجة لتتخطى الأزمة الداخلية وحسب قول الأخوة الكويتيين استقرار مصر يعنى استقرار كل الدول العربية دون استثناء. ولعل المحطة الأولى للزيارة وهى مكان الضيافة كان إشارة من حكومة الكويت لتفسر ماذا تعنى لها هذه الزيارة، وفى قصر «بيان» وهو أحد القصور الذى يعتز به الكويتيون لأنه لم تطله يد الغزو العراقى وظل شامخًا.. كانت الاستضافة ليس فقط لرئيس الوزراء والوفد المرافق له من الوزراء بل شملت أيضًا الوفد الإعلامى، وهذا على غير عادة البروتوكولات، لكنه احتفاء كويتى خاص لأبناء مصر بكل فئاتهم. زيارة «شرف» جعلها الكويتيون شعبية رسمية وفى الوقت نفسه متعددة الاتجاهات، ولكنها لم تخل فى مجملها من الطابع الاستثمارى الذى كان فارضًا نفسه فى كل المقابلات. * مطالب النواب الكويتيين من المصريين الدلالة الثانية كانت «مجلس الأمة» عندما وجه رئيس المجلس ونوابه دعوة لرئيس الوزراء المصرى لعقد لقاء حضره الصحفيون المصريون وطبقًا لما أثير فيه يعتبر خاصًا ومهمًا جدًا، تحدث رئيس مجلس الأمة «جاسم الخرافى» شقيق رجل الأعمال «ناصر الخرافى» الذى وافته المنية من أسبوع، وقال إن شقيقه كان فى بيروت وسافر إلى القاهرة ولم يكن مخططًا لها ليموت فى البلد الذى أحبه، وشكر جاسم شباب الثورة تأبينهم ل«ناصر»، وأشار رئيس مجلس الأمة بأن الاستثمار الكويتى لم ولن يخرج من مصر، وأضاف نؤكد على أن قلوبنا على مصر وحريصون على استقرارها ونترقب دورها الفاعل فى النطاق العربى خاصة القضية الفلسطينية، وقام «جاسم» باصطحاب «شرف» والوفد لتفقد قاعات المجلس.. وتوجه النواب الحاضرون بمطالب أكثر منها استفسارات من رئيس الحكومة المصرية، حيث كان التركيز على أنهم لا يريدون من مصر تطمينات لأن استثماراتهم فيها واجب قومى وهم لا ينسون وقوف مصر فى أزمتهم أثناء الغزو من عشرين عامًا، وقالوا إن مصر لديها الثروة الحقيقية وهى البشر، ولكن هناك مشكلة صعبة فى التوازن ولذا يجب أن ترسى قواعد يتقبلها الشعب والمستثمر معا.. وقال د. شرف نعطى رسالة للشفافية والوضوح ليحس المواطن بهذا، وهى العدالة الاجتماعية التى قامت من أجلها الثورة والقطاع الخاص له أهمية قصوى والشىء الجديد أن يتمتع المواطن بفوائد الاستثمار وخاصة الفقير، والمستثمرون العرب حريصون مثلنا على هذه الاستفادة لتلك الفئة، وأضاف «شرف» لا نريد أن نسمى أنفسنا حكومة تسيير أعمال، ولكننا حكومة فى مهمة وطنية جاءت فى ظرف معين، والأمن القومى ليس عسكريًا فقط، ولكنه التنمية الشاملة بكل مراحلها، وتطرق النواب الكويتيون إلى أهمية إعادة الاستقرار والأمن للشارع المصرى فقال لهم «شرف» أيام حكومة د. أحمد شفيق كان هناك 180 مظاهرة فئوية فى اليوم الآن وصلت إلى 14 فقط. د. معصومة صالح وهى أول وزيرة كويتية وكان ذلك فى عام 2005 ثم أول نائبة منتخبة بجدارة وشعبية بالغة فى عام 2009 قالت: مكانة مصر عند الكويتيين كبيرة وليست لها حدود ونتمنى لكم التوفيق لترتيب البيت الداخلى، وعندنا أمل كبير للتغلب عليها ولانطلاق مصر فهى نبض الوطن العربى، ونأمل بأن تستقرون بشكل سريع للالتفات لوضع الأمة التى هى فى حالة من التردى والتعدى على حقوق الشعوب، وأن يكون لها دور قائد وريادى لأن أكثر المستفيدين من الفوضى فى المنطقة هى إسرائيل التى تعيش العصر الذهبى الآن.. قام بتطمين «معصومة» وزير الخارجية نبيل العربى فقال لها لم ننس البعد العربى، وفيما يتعلق بإسرائيل نسير فى ثلاثة اتجاهات الأول رفع الحصار عن غزة وسيحدث هذا خلال أسبوع لأنهم جار مباشر لنا ولهم طلباتهم الحياتية، الثانى محاولة المصالحة بين الانقسامات الفلسطينية وهى صعبة، الثالث ندعو لعقد مؤتمر دولى ليس لمعالجة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولكن لإنهاء الصراع. * قضاة مصر فى الكويت بعد انتهاء اللقاء مع نواب الشعب طلب رئيس مجلس الأمة بأن يدخل حوالى عشرة من القضاة المستشارين والخبراء المصريين الذين يعملون بالكويت ولكنهم وصلوا إلى سن التقاعد فلم تفرط الكويت فى خبرتهم وجعلتهم يعملون مستشارين للمجلس كانت من ضمنهم سيدة تبلغ من العمر 70 عامًا وهى د. عزيزة الشريف التى يعتز بها الكويتيون لخبرتها دخول هؤلاء القضاة لم يكن فقط من قبيل الترحاب بالدكتور عصام ولكن هو نوع من التضامن الشعبى ممثل فى مجلس الأمة ليأخذ قضاة مصر حقوقهم الذى قدم بها المستشار «أحمد الزند» مذكرة لرئيس الوزراء قبل سفره، وذلك لرفع مرتبات القضاة المصريين بالكويت أسوة بنظرائهم الكويتيين، ودخول هؤلاء القضاة كان تذكرة ل«شرف» ليبحث الأمر مع رئيس الوزراء الكويتى «ناصر الجابر الصباح» وقد تم عمل ذلك بالفعل والأمر تحت البحث، وتعتبر مهمة القضاة هى أكبر فئة فى الجالية المصرية التى يبلغ تعدادها 420 ألفا منهم 87 ألفا فى القطاع الحكومى و286 فى القطاع الخاص والباقى توابع يعملون فى مهمام مختلفة أغلبها أمن وحراسة، التعاون القضائى المصرى الكويتى جاء ضمن اتفاق تم توقيعه عام 1977 وهو إعارة قضاة مصريين لدولة الكويت. * الجالية تريد ترحيل السفير من أهم اللقاءات الشعبية التى كانت فى الزيارة هى التى تضمنت الجالية المصرية بكل فئاتها مع أساتذة جامعة كويتيين، وقد اختير اللقاء فى الجامعة الذى رتبه رئيس أعضاء هيئة التدريس بالجامعة د.عواد الزفارى، ولكن يلفت الانتباه أن هذا اللقاء كان عبارة عن «كرنفال» لأطياف سياسية مصرية وكويتية. وقبل أن أبدأ فقد علمت طبقًا لإحصائية السفارة المصرية بالكويت أن عدد المسيحيين المصريين هناك عشرون ألفا مقابل أسرتين فقط مسيحيين كويتيين، ولذلك فإن هناك كنيسة المرقسية المصرية التى يقام فيها القداس فى الأعياد وتبادل التهانى.. أذكر هذا أن لقاء الجالية المصرية مع رئيس الوزراء فى الحرم الجامعى كان عبارة عن تبارى تيارات سياسية دينية، وذلك عندما قام د. توفيق الواعى من جماعة الإخوان المسلمين المصريين ويعمل هناك أستاذ عقيدة ودعوة بالجامعة الكويتية، ولكنه ادعى بأنه محكوم، عليه بعشر سنوات من جراء محاكم عسكرية استثنائية وأحكام عرفية، وأنه لم يدخل مصر من عشرين عامًا، ولكن الحقيقة أنه كان موجودا فى الصيف الماضى وقمت بالاتصال به فى مصر لمناقشته فى كتابه عن «الدولة الدينية» التى يرى وجوب إقامتها فى المنطقة العربية، وادعى أيضًا الواعى أنه يتجول بين ألمانيا وإنجلترا والكويت لأنه ممنوع فى مصر.. هذا جعل أستاذ سياسة مصريا آخر هو «د. محمد السيد سليم» بأن يقول أطالب بألا تقوم الناس برحلات الحج والعمرة وتذهب هذه الأموال إلى مصر نريد استنهاض قوى للمجتمع المدنى الذى أثبت صلابته، وقال «د. فهد» كويتى ليرد على الاثنين قائلاً: أنا أيضًا أعتبر مصريا وعشت عشر سنوات ودرست بالأزهر الشريف ومصر والكويت ايد واحدة لأننا لا ننسى قبل النفط كيف تلقينا العناية والرعاية بكل أنواعها من مصر حتى إرسال القوافل الطبية، وأنصح المصريين بأن يحموا الديمقراطية من أى خليفة لله سنى أو غير سنى، وكان فى هذا ردًا على الواعى وسليم فى وقت واحد. ولكن التحدى الأكبر الذى كان أمام د. شرف فى هذا اللقاء هو الصرخة الأولى المعبرة عن الفرح بقدومه والصرخة المدوية الأخرى التى طالبته باستبعاد السفير «طاهر فرحات» من الكويت لأنه متعسف معهم ولا يساعدهم، وبعد أن رددوا لشرف ارفع رأسك فوق أنت مصرى، رددوا أيضًا الجالية تريد ترحيل السفير الذى لم يرق إلى مستوى الجالية التى تمثل أكبر مصدر دخل خارجى لمصر بعد أمريكا من المصريين.. وقالت الفتيات الجامعيات المصريات إننا نعامل فى الكويت كمغتربات ونعامل فى بلدنا مصر كوافدات، وأن نسبة قبولهن بالجامعات التى لا تتعدى ل5% لم تعد كافية لأن تعدادهن زاد إلى 400 ألف.