بداية نقطة نظام.. مسألة الديمقراطية هي قضية المجتمع المدني بمفهومه الواسع الذي يضم جميع القيادات والأحزاب الليبرالية والقومية والإسلامية والماركسية وحياتنا السياسية تقوم علي الجدلية والتعددية والتوافق والتعارض، والصراع السياسي يعد ضرورة حتمية للتقدم والتمدن والتحضر.. نؤكد هذا قبل أن نتعرض لمواقف سياسية من جانب بعض الأحزاب والتيارات الدينية التي طفت علي سطح الساحة السياسية المصرية بعد الثورة الشعبية في 25 يناير وعلي وجه التحديد ما يدور حول الترشيحات الرئاسية من عدمها. جماعة الإخوان المسلمين أعلنت وفي وقت مبكر أنها لن تتقدم بأي من كوادرها للمنافسة علي منصب «رئيس الدولة» وزادت علي ذلك أيضا أنها لن تتقدم بأكثر من 35% لشغل مقاعد البرلمان القادم. جاء ذلك من خلال متحدثها الدكتور عصام العريان وبلغة استعلائية اعتبر أن موقف الجماعة هذا فيه تطمينات للداخل والخارج ! ولا ندري كيف أقنعت جماعة الإخوان نفسها بأنها باتت القوة الضارية الأكثر تأثيرا ونفوذا علي الساحة السياسية المصرية، بل تسعي جاهدة إلي نقل تلك القناعات من خلال أحاديث قيادييها ليل نهار عبر وسائل الإعلام إلي فئات عريضة من الشعب، بل قوي عالمية بعينها لدرجة بلغت إلي أن أحلام الجماعة سياسيا في حكم مصر باتت واقعا ومطلبا جماهيريا واسعا إلا أنها -تواضعا منها قررت بإرادتها الحرة الواعية أن تترك الشعب يختار قيادة بعيدا عن كوادرها ليس زهدا منها في هذا المنصب الرفيع ولا ترفعا عنه، بل تقديم نفسها للشعب علي أنهم لم يكونوا يوما ساعين إلي السلطة ؟! وهذه لغة لم تعد تنطلي علي أحد الآن.. إذ إن الواقع السياسي المصري الآن أفرز العديد من القيادات والأحزاب التي تمثل جميع التيارات الفكرية والسياسية في المجتمع، منها من يدخل معترك العملية السياسية لأول مرة والكثير منها انشق عن قيادات وجماعات وعلي وجه التحديد الانشقاق الحادث داخل جماعة الإخوان نفسها وانفصال شبابها عن شيوخها..الوضع السياسي الراهن يختلف كثيرا جملة وتفصيلا عما كان عليه قبل الثورة ومن المؤكد أن الشعب صاحب هذا الإنجاز العظيم وعي الدرس جيدا، ولن يسمح مرة أخري لا لإخوان ولا لغيرهم أن يكونوا بديلا عن النظام السابق، فالمستجدات علي الساحة لن تفرز أبدا فريقا يحكم ويتحكم في مصير البلاد والعباد مرة أخري. ومن المؤكد أن جماعة الإخوان لم ترتق إلي طموحات الثورة ولم يدركوا في هذه اللحظة أن جماعتهم جزء من الكل ولا يعقل أن يصروا علي توهمهم بأنهم الكل الذي هو الحركة السياسية الجامعة لكل المصريين التي تنزع إلي التقدم من خلال رفضها لكل أشكال الاستبداد والظلم والتهميش السياسي.. وعودة إلي التظاهرات المليونية بالتحرير ومختلف المدن المصرية، ومنذ الساعات الأولي لانطلاق الثورة نجد أن أحدا لم يرفع مطلبا ينادي بدولة الخلافة الإسلامية أو مطلبا بدولة العمال والفلاحين.. إنما التفت جموع المصريين حول شعار واحد رئيسي وهو «الشعب يريد إسقاط النظام». •• ورغم المطالب والأهداف الواضحة للثورة يخرج علينا السيد «عبود الزمر» بعد أن «فكت الثورة أسره» ليعلن بملء فمه أنه لن يترشح هذه المرة لرئاسة الجمهورية! ولما لا.. فالرجل كان له في موقف الإخوان - رغم اختلافه الفكري عنهم - أسوة حسنة يتأسي بها.. وللحقيقة فالرجل لم يفصح لنا عن الأسباب التي جعلته يتنازل عن الاستحواذ علي «كرسي الرئاسة» ولكن ربما دار في خلده أن يتركنا، ننعم برئيس يعطينا أملا في حياة كريمة ولو لسنوات قليلة قبل أن يأتي الطوفان لا سمح الله ويقضي علي الأخضر واليابس.. ولننعم بالأمن والهدوء والسكينة ونطمئن علي بناتنا وزوجاتنا من عدم تعرضهن للأذي من قبل جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ولهذين الأمرين فقط نؤكد امتنانا وشكرنا العميق للسيد عبود الزمر وجماعته علي هذا المعروف الذي صنعه ولن ننساه له أبدا.. ونؤكد له أن موقفه هذا سيشجعنا أن نثقل عليه ونطلب منه أن يتوسط ويفعل خيراً لهذا الشعب الذي فك أسره وأخرجه من محبسه لدي جماعة السلفيين ويستسمحهم أن يتركونا نهنأ بثورتنا ولو قليلا وألا يرشحوا من بينهم من يتولي أمرنا - لا قدر الله - ونزيد علي ذلك في طلباتنا، لأن لنا فيه عشم وخيرنا سابق عليه أن يطلب منهم أيضا أن يتركوا - عظام أمواتنا - من الأولياء الصالحين في قبورهم ولا يهدموها عليهم - لأنهم لا يشكلون خطرا علينا، ولا يمثلون عبئا عليهم، وإذا ثبت لكم أن أحدهم شارك بعد وفاته بتصويته في الانتخابات ذات مرة أو حتي مرات عديدة فلكم الحق، ونحن معكم في دك قبره وإزالته من الجغرافيا ليصبح تاريخا أو نسيا منسيا. •• موقف التيارات الإسلامية الذي حرمنا من شرف رئاستهم لنا فهمه البعض فهما مختلفا.. إذ اعتقد هؤلاء أن الشعب المصري يسعي إلي البحث عن رئيس.. ولم يكن مستغربا أن يسعي كثير من المصريين لسد هذا الفراغ المحتمل والتطوع لشغل هذا المنصب الشاغر لخدمة «المستضعفين في الأرض أمثالنا»، ولهذا كان قرار النائب المحترم حمدي الطحان الترشح لشغل هذا المنصب خدمة لمصر والمصريين ؟! إعلان الطحان شجع الإعلامية بثينة كامل علي نزاله في المعركة الرئاسية.. وطالبت بسقوط النظام وسقط فعلا.. ألا يكفي هذا!