اللف والدوران يثيران الشك فى النوايا حتى ولو كانت نوايا طيبة من هذا الباب أقول من أول سطر أننى لا أوافق على مشروع الحوار الوطنى الذى اقترحته الحكومة وأسندته إلى نائب رئيس الوزراء د. يحيى الجمل ثم عدلت عن اختيارها بعد جلسة تمهيدية يتيمة مثيرة للجدل، وقررت إخراج الحوار من عباءة الحكومة لتعطيه صفة قومية أوسع وأسندت رئاسته إلى د. عبد العزيز حجازى رئيس الوزراء الأسبق. الشعور الذى انتابنى إزاء هذا الموضوع منذ البداية كان إحساسا بأنه نوع من اللف والدوران حول شىء ما، ربما كانت الحكومة حائرة فعلا لا تعرف ما يجب عليها أن تفعله فى إدارة مستقبل الحياة السياسية فلجأت إلى كسب مزيد من الوقت عن طريق شغل القوى السياسية،بمسألة الحوار هذه، وربما كانت الحكومة فعلا تريد أن تتعرف على اتجاهات الرأى العام من خلال الحوار لتهتدى بها فى قراراتها المتعلقة بالمستقبل. على أية حال خبرتنا السابقة مع موضوع الحوار الوطنى خبرة سيئة بسبب نوبات الحوار التى كانت تصيب الحزب الوطنى المخلوع من الحكم بين الحين والآخر حين كان يريد أن يمهد لكارثة من نوع تأكيد سطوته وسيطرته على مقاليد الأمور أو التعرف على الرأى الآخر للبحث فى أفضل السبل لوأده قبل أن يرى النور أو التعرف على القيادات الواعدة داخله أو خارجه للقضاء عليها قبل أن تنضج وتنجح فى الاتصال بالرأى العام. لهذه الأسباب وأسباب أخرى تحول الخبرة السيئة بينى وبين قبول فكرة الحوار من الحكومة حتى ولو كانت مكلفة من ميدان التحرير منبع الثورة المصرية الأصيلة، ويراودنى السؤال باستمرار حول جدوى طرح فكرة الحوار الوطنى الموازية بطبيعتها لفكرة الاتجاهات السياسية المتعددة داخل الوطن الذى انكشف عنها الضغط المانع من النشاط وبات عليها أن تبذل كل الجهد لإعادة إشهار نفسها فى المجتمع وتعريف الرأى العام بنفسها من جديد. ربما يقول البعض أننا بصدد القيام بنقلة نوعية مهمة فى حياتنا السياسية ونحن نجتهد جميعا لدفع مصر نحو تحول ديمقراطى آمن عن طريق صناعة توافق مجتمعى حول أولويات المرحلة الانتقالية الراهنة وما قد تتطلبه من مشروعات قوانين ومقترحات سياسات مفصلة مع العلم بأن تلك المرحلة تنتهى بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. هذا الطرح رغم أنه منطقى ومقبول إلا أنه يتناقض ،مع محدودية الفترة الانتقالية التى ينبغى التركيز فيها على الاستعداد للانتخابات النيابية فى شهر سبتمبر المقبل والأفضل أن تنتبه القوى السياسية إلى إعداد برامجها للتعامل مع واقع سياسى جديد لا يمكن اتهامه بالتزوير أو الملاحقة والاضطهاد كما نأمل بالطبع. الفترة الانتقالية محدودة للغاية وقد أعلن المجلس العسكرى عن عدم نيته مد أجل تلك الفترة وأعتقد أن الحكومة تشاركه الرأى،خاصة و أن الاستفتاء الأخير ساند بقوة أغلبية ساحقة فكرة العودة سريعا إلى الشرعية الديمقراطية هذا التوجه يترك علامة استفهام كبيرة حول جدوى شغل الرأى العام بحوار جانبى قد يخرج بنا عن السياق الذى وافق عليه الشعب فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية. هنا نتساءل هل يمكن للحوار الوطنى الذى مهما اتسعت دائرته أن يشمل غير النخب ذات الرؤية الخاصة بها، وهل يمكن أن يشكل بنتائجه وصاية جديدة على مطالب الشعب؟ أم أن هناك نوايا غير معلنة بمد الفترة الانتقالية إلى أجل لا نعلمه؟ النقطة الأخرى المهمة تتعلق باللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد وهى المنوط بها مناقشة المسائل الجوهرية المتعلقة بشكل النظام السياسى وهل يكون رئاسيا أو برلمانيا أو مختلطا ،وهل يبقى مجلس الشورى أو لا يبقى ،وهل نحتفظ بنسبة العمال والفلاحين وكوتة المرأة أم نتخلى عنها، تلك اللجنة هى محل الحوار الحقيقى الذى ينتهى بوضع الدستور الدائم والاستفتاء عليه. إذا كنا عازمين حقا على تنمية الحياة الحزبية والوصول إلى تعددية حقيقية يمكن أن تؤدى إلى تداول السلطة فليس هناك من وسيلة لذلك سوى تشجيع الأحزاب النشطة على التعامل مع الجمهور بوعى والتزام بمبادئ الإعلان الدستورى المؤقت حتى يوضع الدستور الدائم بإذن الله.