الأمر تجاوز كل الحدود .. ما كنا نتخيله أصبح أمرا واقعا .. مواطنون نصبوا أنفسهم بديلا لله وللدولة في آن واحد .. سحبوا كل الصلاحيات وقرروا ونفذوا تحت عباءة الدين أمرا بطرد سيدة تحوم حولها الشبهات الأخلاقية وأمروها بالرحيل من مسكنها وتجمهروا تحت منزلها مستغلين حالة الخواء الأمني من ناحية وانتشار الأفكار السلفية دون ضوابط شرعية ليشكلوا من أنفسهم جماعات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأطراف الثلاثة للواقعة .. إمام مسجد نصب من نفسه حاكما، أمر بالنهي عن المنكر بيده، مستخدما الطرف الثاني «المواطنين» - الفئة الأخطر- والتي تنقاد بسحر الدين .. وعلي الجانب الآخر يقف الطرف الثالث في صورة امرأة تحوم حولها الشبهات واضطرت للجوء لقيادي إخواني حتي يتسني لها الخروج من المأزق، مع وضعها شروطا للتوبة في مقابل اعتراف مكتوب منها بممارستها الرذيلة. --- البداية من إمام المسجد الشيخ «عبد الرحمن عبد العال» - الطرف الأول - شاب أسمر متوسط الطول في بداية الثلاثينيات تم توظيفه إمام وخطيب مسجد «الإخلاص» بمدينة السادات خريج جامعة الأزهر حليق الذقن والرأس ولايرتدي ما يرتديه السلفيون من جلباب أبيض ويستخدم الدراجة في تنقلاته داخل المدينة قابلته في المسجد بصحبة صديقه «محمد وجيه» - مقاول - وكان أحد المشاركين في حادث يوم الجمعة الماضية والذي بدأ حديثه بأن السيدة كانت تدير شبكة دعارة وتجلب الفتيات للرجال طالبي المتعة وذلك منذ أكثر من ست سنوات، وكلما أبلغوا عنها الشرطة يتم الإفراج عنها في اليوم التالي مباشرة وتعود لممارسة عملها، وذلك نتيجة رشوتها لعدد من المخبرين يقومون بحمايتها وتسهيل عملها، وقام عدد من الأهالي بالشكوي للشيخ «عبدالرحمن» من سلوك السيدة فدعا المصلين للخروج بعد صلاة الجمعة الماضية للوقوف أمام منزل السيدة - لا يبعد سوي بضعة أمتار من المسجد - والإعلان عن رفضنا لسلوكها وخرج ما يفوق الثلاثة آلاف مصلٍ نظرا لارتياد شباب المدينة الجامعية للمسجد للصلاة، وقام ثلاثة من كبار السن المشهود لهم بحسن السيرة بالصعود إليها وإبلاغها برفض الناس لسلوكها وأن هناك مهلة لمدة ثلاثة أيام لترك المدينة، وفوجئنا بالشرطة تحضر وتقوم بتحرير محضر بالواقعة وتقوم بتفريق الناس. الشيخ «عبد الرحمن» دافع عن موقفه بأنه استعان بالمصلين لأنها استعانت بالبلطجية من قبل لتهديد جيرانها حتي لايتم التعرض لها وأنها المرة الأولي التي يتم فيها هذا الأمر رغم وجود سيدات أخريات في المدينة يمارسن الرذيلة ومعروفات ! كما نفي استخدامه نفس الأسلوب مع السيدات الأخريات قائلا: لن نستخدم هذا الأسلوب، وهذا ليس اعترافا بخطأ الأسلوب ولكن سنلجأ لطرق أخري لأننا وجدنا من يحاولون الاصطياد في الماء العكر واحتسابنا تبع تيار معين، وهذا ليس صحيحا فلسنا سلفيين ولايوجد في المدينة سوي عدد قليل منهم. وعن استخدامه أسلوب النهي عن المنكر بيده وهو الأمر الموكول لأولي الأمر يقول عبد الرحمن: «احنا معملناش حاجة غلط فلم نقم بإهانتها أو ضربها ثم إن أولي الأمر لم يفعلوا شيئا والناس جاءت تستغيث بنا ماذا نفعل ثم إننا منعنا بعض الشباب أن يقوموا بأمور ضارة مثل حرق شقتها وهو ما لم يحدث. شيخ المسجد يري أنه لم يخالف سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وهي الدعوة إلي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة خاصة أن تكون الموعظة سرا وليست جهرا حتي لو كانت السيدة خاطئة قائلا: الموعظة تكون سرا عندما تكون المعصية سرا، ولكن في حال الجهر بالمعصية فلابد من الجهر بالموعظة أيضا وقد كانت آخر حدودنا النصيحة» .. رافضا فكرة أن يكون قد استن سنة يتبعها غيره في إقرار الأمر بالقوة مؤكدا بأن ما تم فعله قد أتي بثماره الجيدة المتمثلة في توبة السيدة. وقد اتخذ المسجد سلطة الدولة بالمدينة فكثير من المواطنين يلجأون إليه لحل مشاكلهم خاصة الأمنية منها مثل انتشار تجارة البانجو والحشيش وسيطرة البلطجية علي المدينة حتي إنهم قاموا بالاستيلاء علي 2000 شقة سكنية تخص أناسا آخرين كانت مغلقة ولم يتم تسليمها لأصحابها بعد- كما أوضح إمام المسجد - وقد حاول التدخل في هذا الأمر فقام البلطجية بتهديده بالقتل داخل المسجد، وهو ما منعه من مواصلة جهوده معهم خاصة في ظل تسلحهم بالرشاشات الآلية! --- الطرف الثاني بعض جيران السيدة، فرغم مشاركتهم فيما حدث يوم الجمعة إلا أنهم اعتبروا مجرد الحديث عن ماضيها فهو إثم ولابد من تقبل توبتها، وذلك بإظهارها في أحسن حال وأنهم قاموا بانتشالها من الوحل وأن ما منعهم من التحرك في الماضي هو فساد جهاز الشرطة بالمدينة، وعندما تغير الموقف بثورة 25 يناير تغير رد فعل الناس تجاه الأخطاء التي تعايشوا معها منذ سنوات فأصبحت السيدات المنقبات يزرن السيدة التائبة في منزلها بالإضافة إلي المشايخ الذين أرسلوا إليها رسالة مساندة ذاكرة اسم الشيخ محمد حسان. وقد أظهرت السيدة ذكاء في التعامل مع الموقف، فحينما وجدت هذا الحشد يوم الجمعة يدعوها للرحيل ويمهلها فترة زمنية قصيرة، لذلك لجأت إلي المهندس «ابراهيم حجاج» - احد قيادات الإخوان المسلمين بالمدينة - وطلبت منه التوسط في حل المشكلة وأنها علي استعداد للتوبة بالمسجد في مقابل تركها بالمدينة .. «حجاج» فاجأ المصلين مساء السبت الماضي بعد صلاة العشاء بأن السيدة بالمسجد وتريد إعلان توبتها وقام إمام المسجد بتكوين لجنة من بعض أفراد الحي كبار السن لمناقشة الأمر وتم التوصل إلي أن تمنح السيدة مفتاح الشقة الثانية التي تملكها وتديرها أيضا في الأعمال المنافية إلي الجيران ليقوموا بتأجيرها، وقام أحد الموجودين بكتابة اعتراف بأنها تابت إلي الله سبحانه وتعالي توبة نصوحة وتقر في بيت الله وأمام رواد مسجد الإخلاص بأنها لن ترتكب أي شبهة إجرامية بخصوص ما تمت الجلسة عليه والله أمر بالستر وفي حالة وقوع أي أخطاء مرة ثانية وبشهود الجيران بأن تطرد من الشقة شر طردة ويوقع عليها الجزاء العرفي والقانوني، أما الجزاء الشرعي فمرده إلي الله وكان مبرر تحرير هذه الاستتابة هو ضمانة لجيران السيدة في حالة استمرارها في البلاغ المقدم للشرطة، أما شروط السيدة فتمثلت بتكفل المسجد بنفقاتها بالإضافة لحمايتها من مخبري مركز الشرطة الذين كانوا يفرضون عليها إتاوة لتركها تعمل! --- أما السيدة محور الحدث فهي علي مشارف الخمسينيات من العمر طويلة. ممتلئة بعض الشيء متزوجة من شاب يصغرها بعشرين عاما ولديها ابن شاب وابنتان والزوج والشاب يقضيان فترة عقوبة بالسجن وكان شرطها لإجراء حوار معي عدم تصويرها مع تهديد بإقامة دعوي قضائية ضدي في حالة مخالفتي للأمر، وفي شقتها وبحضور إمام المسجد وصديقه وشيخ كبير بالسن ووالد جارتها وجارتها قد أنكرت السيدة حدوث أي شيء فيما عدا شيئا واحدا أصابني بالدهشة وهو اعترافها بأنها سيدة سيئة السمعة وتابت إلي الله، وعندما طلبت تواجدي معها بمفردي لإجراء الحوار قوبلت بعاصفة شديدة من الاعتراض من الموجودين وصلت إلي محاولة التهجم علينا أنا وزميلتي المصورة «شيماء العريف» وكانت سببا في انصرافنا بصورة سريعة !