لم يكن الاختلاف كبيراً بين «لا» و«نعم» حول تعديلات الاستفتاء، فالكل يجمعون علي ضرورة إعلان دستور جديد يتماشي مع حالة الثورة التي تجتاج البلاد، يقول الرافضون أن نبدأ الآن وفوراً بينما يري الموافقون أنه يمكن التمهل لحين اجتياز المرحلة الآنية واستقرار البلاد تحت رئاسة شرعية ومجلسين نيابيين جديدين، ويبدو أني كنت علي شيء من السذاجة عندما تصورت أن نسبة رافضي التعديلات ستكون 9,99%، سيهرعون إلي لجان التصويت ليعلنوها عالية مدوية «لا» كبيرة سمينة تفقع عين الشمس. إلا أن النتيجة جاءت عكس توقعاتي تماماً، صوت 77% لصالح «نعم»، والذي فقع مرارتي ومرارة كل الذين أعرفهم وصوتوا ب «لا»، والذي فقع مرارتنا جميعا هم جماعة الإخوان المسلمون الذين مازالوا يصرون علي اقتحام المشهد. أخلاقيات ثورة 25 علمت الجميع أن أصول الديمقراطية أن نترك للشعب حرية الاختيار بلا ضغوط ونحترم ما تقرره الأغلبية العظمي، وهي نسبة ضئيلة بعد الخمسين في المائة، وليس ما يظن البعض أنها 99%. وبهذا الفارق الضئيل الذي قد لا يزيد علي 1% فاز الرئيس الأمريكي السابق بوش برئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية. أما الإخوان فيصرون علي أن يلتهموا ثلاثة أرباع الكعكة، وهم يذكرونني بقريبة لنا كلما دعوناها إلي شيء رفضت وتمنعت، فإذا أصررنا التهمت الطبق كله! ذهب الإخوان إلي حد تحريض أئمة المساجد في الريف علي إرهاب المصلين، مستخدمين أدواتهم العتيقة ملوحين بسيوفهم الخشبية المكسورة: التصويت ب «لا» يخالف الشرع!! ليه وإزاي؟ هو كده..! وعدنا إلي المربع نمرة واحد في خلاف جمهرة المثقفين مع الإخوان، بعد أن انشرحت صدورنا لمشاركة شباب الإخوان في ميدان التحرير ودفاعهم الشجاع عن الثوار يوم الأربعاء الدامي، وبعد أن قررت الأغلبية أن الإخوان وإن تم حظر جماعتهم منذ أيام الملك فاروق، فينبغي أن يعطوا الفرصة للمشاركة في الحياة العامة. وظلت أقلية من المثقفين علي رأيها أن مشاركة هذه الجماعة خطر داهم يمكن أن يطيح بالحياة السياسية كلها، وإن وجود حزب ديني واحد أو عدة أحزاب شبه دينية سيقسم المصريين ما بين مؤمن ينضم لتلك الأحزاب أو كافر، وهم كل من يعارضها ويتصدي لمزاعمها ودعوتها المحمومة للعودة بمصر ألف سنة إلي الوراء. -- لم تكذب الجماعة خبرا، فأكدت للمتوجسين مخاوفهم عندما أعلن أحد رموزها أنها وإن تخلت عن الدعوة إلي دولة دينية، بعد أن تيقنوا أخيرا وأخيرا جدا أن الدولة الإسلامية لم تكن دينية في يوم من الأيام، إلا أنهم لن يسمحوا للمرأة ولا الأقباط بالوصول إلي سدة الحكم، أي منصب رئيس الجمهورية، وهكذا عادت ريما إلي عادتها القديمة.. واكتسب الإخوان عداء أغلب نساء مصر وكل الأقباط وهما معا يشكلان أكثر من تعداد الأمة.! وأعود إلي الاستفتاء وما بذله «الإخوان المسلمون» من مجهودات جبارة لترغم أبناء الشعب علي التصويت بنعم التي تحمست لها، ومعها للعجب، فلول الحزب غير الوطني عديم الديمقراطية المنهار! كلاهما أصر علي نعم، بينما رأي العديد من القضاة والكتاب والمهنيين وأحزاب المعارضة أن مصر لم تعد تحتمل الحلول الوسط، وأن البدء بإعداد دستور جديد ثم يليه انتخابات رئاسية وتشريعية أفضل من الانتظار والتكرار، وأن لاخوف من إطالة المرحلة الانتقالية التي يشترك فيها الجيش مع رئاسة الوزراء في إدارة شئون البلاد، ولكن كل ما كتبه المثقفون ذهب أدراج الرياح مع دعاية مسمومة علي الطريقة الإخوانية ،حيث أشاع أتباعهم أن القائلين ب«لا» سوف يلغون المادة الثانية من الدستور..! فما علاقة الموافقة أو الاعتراض علي التعديلات الدستورية بهذه المادة التي لم يقترب منها أحد، ولم يأت ذكرها من قريب أو بعيد؟ لن يجيبك الإخوان طبعا لأنهم اعتادوا دائماً أن يلووا أعناق الحقائق ويزيفوا الوقائع ويختلقوا المبررات. -- وهكذا تأكدت مخاوف البعض وظنونهم حول «الإخوان» و «الوطني» فهما معا يتعجلان الانقضاض علي الحكم وقطف كل ثمار الثورة اليانعة سواء بمقعد رئاسي أو مقعد تحت قبة البرلمان. ويصرح الإخوان بأنهم لن يترشحوا إلا في 20% من الدوائر رفعوها بعد قليل إلي 30% ولا أستبعد أن تزداد النسبة ارتفاعا. أما الرئاسة فلسوف تأتي لهم علي طبق من فضة بعد أن يتحول البرلمان المصري بشقيه الشعب والشوري إلي خليتين إخوانيتين تعضدها أقلية سلفية مع تواري كل الأصوات الأخري. هذا هو الحلم، أو الوهم الإخواني.. ولا عجب فالإعلام المصري يمهد الأرض بل يفرشها بالسجاد الأحمر تحت أقدامهم، وقد صار تواجدهم في كل البرامج والقنوات مقررا علي الشعب المصري يصولون ويجولون ويتفلسفون أمام انبهار المذيعين وانبطاحهم المفضوح. وفي خضم هذا التهافت علي الكاميرات والميكرفونات لم نشهد للإخوان أي قيادات نسائية فلم تظهر نساؤهم في الندوات ولا البرامج الإعلامية ولا رأيناهن يبذلن أي جهد في جلسات الصلح بين الأقباط والمسلمين بعد كارثة أطفيح. أوقرأنا لهن أية مقالات في الصحف، وأخشي بعد مقالي هذا أن ينفجر في وجوهنا طوفان من النساء الإخوانيات أو السلفيات اللاتي سيدافعن بحرارة عن الحريم ويصحن في وجوهنا «الست ست والراجل راجل» ويكشرن عن أنيابهن وهن يدعيننا للعودة إلي بيوتنا وأن «نختشي علي دمنا» ونترك السياسة للرجالة ونتفرغ لتربية عيالنا وخدمة بعولنا، ولن أدهش إذا ما رأيت مني الشاذلي تسارع باستضافة سيدة منهن وتصمت أمامها تماما وهي تشرح نظريتها المضيئة حول الفروق الشاسعة بين الأنثي والذكر، وقد تغضب لميس الحديدي من هذا السبق الصحفي وتعلن انفرادها بالحوار مع زوجة المرشد، وسنفتح الصحف بعدها لنجد صورة تملأ صفحة كاملة لسيدة منقبة وحوارا معها تفرد له صفحتان أخريان، ثم يعلق حشد من أعضاء الجماعة علي الحوار في النسخة الديجيتال للصحيفة مادحين السيدة مقرظين المحاور راجمين من لاتقر بما قالته السيدة حول السفور والتبرج والخروج عما هو معلوم من الدين بالضرورة..! لقد تصور الإخوان، ومعهم فلول «الحزن» الوطني أن الاستفتاء ماهو إلا «بروفة» للانتخابات التي ينتظرونها بفارغ الصبر، فقاموا ولم يقعدوا بدعايات ولافتات ومندوبين ينشرون الملصقات علي حوائط الأبنية ولجان التصويت و«أخوات» يطاردن النساء ويلححن عليهن بضرورة التصويت بنعم. والمسألة لم تكن بحاجة إلي كل ذلك الجهد وكل تلك الأموال، فالمطلوب أن يقول الشعب رأيه بلا أية ضغوط لأنه سيتحمل مسئولية ما يترتب علي الاستفتاء ويتحمل مشاق المرحلة القادمة بصدر رحب. -- لقد رفضت التعديلات لأني علي قناعة كاملة بأن مصر لن تتحمل فاتورة التلكؤ والمصاريف الباهظة للانتخابات التي ستعاد حتما بعد إقرار الدستور، ولكني سأحترم رأي الأغلبية، وأحلم مع الموافقين بأن يعود الأمن والاستقرار إلي كل شوارع وقري مصر، وأن ينهي العاملون فورا وقفاتهم ومطالبهم الفئوية، وأن يعود الجيش إلي ثكناته ليحمي مصر من غزوات محتملة من السودان وليبيا وإسرائيل، فهكذا يصور الإخوان الوضع، ويتعجلون الانتخابات التشريعية والرئاسية ليفرضوا كلمتهم علي الشعب ولو بالعافية. فإلي المعركة القادمة حول الانتخابات وهل تكون رئاسية أم تشريعية؟! وأقول لإخوانا إياهم «قبل أن تستشهدوا دفاعا عن رأيكم وتنشروا الأكاذيب في مواقعكم» هدي اللعب ياقط»، فكلنا مصريون وكلنا يسعي لمصلحة الوطن.