منذ بداية الأزمة الإنسانية فى غزة، اختارت مصر أن تكون فى مقدمة الدول التى تمد يد العون والمساعدة؛ حيث قدمت نموذجًا فريدًا فى التعامل مع الأزمات الإنسانية.. لم تقتصر الجهود المصرية على المساعدات الرمزية أو الاستجابة الشكلية للأحداث؛ بل أظهرت القاهرة التزامًا حقيقيًا وعملاً مستدامًا فى معالجة احتياجات آلاف النازحين الفلسطينيين فى جنوب قطاع غزة. وتجلت إحدى أبرز صور الدعم المصرى لسكان غزة فى جهود «اللجنة المصرية لإغاثة النازحين»، التى عملت على تقديم منظومة متكاملة من المساعدات لتوفير حياة كريمة للنازحين، ورسمت ملامح أمل جديدة فى ظل المعاناة اليومية. سُبُل حياة تسعى اللجنة المصرية لإغاثة النازحين إلى توفير سُبُل الحياة الكريمة لمئات الآلاف من النازحين الذين اضطروا لمغادرة منازلهم جراء العدوان المستمر على غزة.. ومنذ اللحظة الأولى لتشكيلها، اختارت اللجنة الابتعاد عن الضوضاء الإعلامية والتركيز على العمل فى الميدان بعيدًا عن الأضواء، وهو ما يعكس الدور المصرى الملموس والمباشر فى تخفيف معاناة الشعب الفلسطينى. لم تقتصر مهمة اللجنة على إرسال قوافل طعام ودواء فقط؛ بل كانت هناك خطة شاملة تهدف إلى خَلق بيئة حياة مستدامة للنازحين.. فقد عملت اللجنة على إنشاء مخيمات مجهزة بأحدث الوسائل لتوفير احتياجات النازحين الأساسية، بما فى ذلك المياه الصالحة للشرب، الرعاية الطبية الأولية، والمساحات المخصّصة للأطفال لاستعادة بعض من لحظات طفولتهم وسط الظروف القاسية. مجتمعات حية وبفضل الجهود المصرية المتواصلة، تحولت المخيمات التى كانت فى البداية مجرد خيام مؤقتة إلى مجتمعات حية تضم العائلات النازحة.. فقد نجحت الفِرَق المصرية فى إنشاء وإدارة عشرات المخيمات فى جنوبغزة، التى استوعبت عشرات الآلاف من الأسَر الفلسطينية؛ وفقًا للبيانات الصادرة عن اللجنة عبر منصاتها الرسمية. وقد جُهزت هذه المخيمات بمَرافق أساسية تحاكى المتطلبات اليومية للحياة، مثل: النقاط الطبية، المرافق الصحية، وخدمات توزيع الطعام بشكل منظم يضمن وصوله إلى مستحقيه.. كما تقدّم الفرق المصرية الآلاف من الوجبات والسلال الغذائية اليومية التى تضمن لأهالى غزة بعضًا من الاستقلالية فى تدبير احتياجاتهم. اهتمام بالغ أولت اللجنة المصرية اهتمامًا بالغًا بتوفير الرعاية الطبية لأبناء غزة؛ حيث تقدم الفرق الطبية المصرية خدمات الإسعاف الأولى للمرضى والمصابين، بالإضافة إلى توفير الأدوية الأساسية وتقديم العناية الطبية الأولية للأفراد الذين يعانون من إصابات. ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد؛ إذ تواصل القوافل المصرية طريقها إلى قطاع غزة محملة بالأمل والمؤازرة لأهلنا هناك.. وهذه القوافل لا تقتصر على تقديم المساعدات المادية فقط؛ بل تعكس أيضًا قوة التضامن بين الشعبين المصرى والفلسطينى.. فكل رحلة مساعدة هى صورة حية لعلاقة أخوية متجذرة بين الشعبين. أولوية المأوَى قال محمد منصور، المتحدث الإعلامى للجنة المصرية لإغاثة أهالى غزة، فى تصريحات ل«روزاليوسف»: إن أول أولوية لدينا فى الوقت الحالى هى توفير المأوَى الطارئ للنازحين عبر إنشاء وتجهيز المخيمات وتأمين الخيام. وأضاف: إن «الأولوية الثانية» تتعلق بتأمين الغذاء والمياه والصحة الأساسية، من خلال توفير مخابز ميدانية، وسلال غذائية، ونقاط مياه. أمّا الأولوية الثالثة فهى صرف المساعدات الإنسانية بطريقة شفافة؛ لضمان وصولها إلى الأسَر الأكثر تضررًا.. وأوضح «منصور» أن هذه الأولويات يتم تحديدها من خلال «تقييم ميدانى مستمر» لحالات النزوح واحتياجات القطاع. وأشار «منصور» إلى أن الخدمات الأساسية التى تقدمها اللجنة فى المخيمات تتضمن توزيع سلال غذائية، ووجبات جاهزة، وتشغيل مخابز ميدانية لإطعام سكان المخيمات، إلى جانب توفير المياه عبر نقاط توزيع مياه صالحة للشرب، وصهاريج، وبناء شبكات مياه وصرف صحى مؤقتة داخل المخيمات. وأضاف: إن اللجنة تقدم أيضًا رعاية صحية شاملة من خلال العيادات الميدانية والفرق الطبية التى تقدم الإسعافات الأولية والعلاج الأساسى، مع إحالات للحالات الطارئة إلى المستشفيات عندما يتطلب الأمر. دعم نفسى واجتماعى كما ذكر «منصور» أن اللجنة تولى اهتمامًا خاصًا بالجوانب النفسية للنازحين؛ حيث يتم توفير جلسات «دعم نفسى» فردية وجماعية، بالإضافة إلى أنشطة تأهيلية للأطفال مع توفير مساحات صديقة للطفل. كما تعمل اللجنة على تقديم برامج توعية للصحة النفسية للنساء والأسَر بالتعاون مع مختصين ومنظمات شريكة، وذلك لضمان حماية نفسية واجتماعية للمجتمع. وأعلن «منصور» عن توزيع أكثر من 700 ألف سلة غذائية يوميًا، تشمل دفعات خاصة بحجم 100 ألف سلة، إلى جانب مساعدات تستهدف آلاف العائلات فى فترات محددة. وأكد أن الأرقام تختلف بحسب الحملة والوقت والمناطق؛ حيث يتغير التوزيع حسب دخول الإمدادات واللوجستيات. خطط مستقبلية وأكد «منصور» أن اللجنة بصدد تنفيذ خطط ومشروعات جديدة؛ لإنشاء مخيمات إضافية وتوسيع المخيمات القائمة لاستيعاب المزيد من العائلات.. كما توجد خطط لزيادة سعة المخابز والعيادات والمواد الغذائية، إذا ما توافرت الإمدادات والبيئة الأمنية المناسبة. بعيدًا عن الأضواء وفى ختام تصريحاته، شدّد «منصور» على أن العمل الإنسانى الحقيقى لا يحتاج إلى الأضواء الإعلامية بقدر ما يحتاج إلى الإخلاص والنتائج الملموسة على الأرض. وأضاف: «نحن نؤمن بأن الهدف الأسمَى هو التخفيف عن أبناء شعبنا، وليس تحقيق الظهور الإعلامى.. لذلك نعمل بهدوء وبخطوات مدروسة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها دون تأخير». واختتم قائلاً: «نحن ملتزمون تمامًا بتقديم الدعم الإنسانى لشعب غزة، وسنستمر فى تقديم المساعدة بكل الوسائل المتاحة، سواء كانت ميدانية أو لوجستية؛ لتخفيف معاناتهم فى هذه الأوقات العصيبة». فى النهاية؛ تمثل «اللجنة المصرية لإغاثة النازحين» نموذجًا يُحتذى به فى العمل الإنسانى الفاعل؛ بعيدًا عن الشعارات والتصريحات؛ بل من خلال أفعال ملموسة على الأرض.. وتظل الجهود المصرية فى غزة واحدة من أبرز أوجُه التضامن العربى، التى تتجاوز جميع العقبات، حاملة رسالة واضحة مفادها: «مصر ستظل دومًا فى صف الحق والإنسانية؛ جنبًا إلى جنب مع أهل غزة فى محنتهم، فى أوقات الأمل كما فى أوقات الأزمات».