فى قلب وادى القمر بالإسكندرية، تقف منشأة عملاقة لا تقتصر أهميتها على موقعها الجغرافى فحسب، بل تمتد لتشكل ركيزة أساسية فى خارطة الطاقة والصناعة المصرية فى مصنع الإسكندرية الوطنية للتكرير «أنربك»، تتشابك خيوط العمليات المعقدة لتكرير البترول الخام وتحويله إلى منتجات حيوية، بدءًا من الوقود عالى الأوكتان الذى يغذى شرايين الاقتصاد المحلي. فى ظل التحديات العالمية المتزايدة لقطاع الطاقة، وسعى الدولة المصرية لتحقيق الاكتفاء الذاتى من المنتجات البترولية عالية الجودة، يطرح التساؤل: كيف يعمل هذا الصرح الصناعى الضخم؟ وما هى استراتيجياته الحديثة فى الإنتاج، التطوير، تحقيق التوازن بين متطلبات السوق المحلية وتوجهات الحفاظ على البيئة؟ وفى هذا التحقيق روزاليوسف تدخل إلى عمق مصنع أنربك، لنكشف عن كواليس عمليات التكرير، ونلتقى بالكوادر التى تدير هذه الآلة الصناعية المعقدة ونسلط الضوء على دوره المحورى فى دعم الاقتصاد الوطنى، وكان فى استقبالنا أثناء زيارتنا لمصنع تكرير أنربك المهندس سيد الراوى رئيس مجلس إدارة أنربك، ووفاء صقر مدير عام العلاقات العامة والخدمات، وهشام عياد مدير مساعد العلاقات العامة. الوقود النظيف أكد المهندس سيد الراوى رئيس مجلس إدارة أنربك، على أنه منذ تشغيل شركة أنربك عام 2000، بطاقة تصميمية بلغت 700 ألف طن سنويًا من البنزين عالى الأوكتين، حرصنا على أن نكون جزءًا أساسيًا من استراتيجية الدولة لتأمين احتياجات السوق المحلية من الوقود النظيف. وأضاف الراوي، أن الشركة نجحت خلال عام 2013 فى رفع طاقتها التشغيلية إلى 1.1 مليون طن سنويًا، ثم واصلت النمو فى عام 2018 لترفع طاقتها التشغيلية إلى 1.6 مليون طن سنويًا، كما نجحنا هذا العام فى زيادة إنتاج البنزين عالى الأوكتان ل 1.6مليون طن، بما يمثل نحو %30 من إنتاج مصر من البنزين. وقال إننا عملنا على تطوير بنيتنا التحتية، تعزيز التكامل مع الشركات الشقيقة، تبنى أحدث النظم التكنولوجية التى تدعم استدامة التشغيل وكفاءة الأداء، نحو التحول للطاقة النظيفة، حيث نجحنا فى تشغيل الغلاية الرئيسية بالهيدروجين بدلًا من الغاز الطبيعي، وهو أحد أهم التطبيقات الصناعية الرائدة فى مصر لاستخدام الهيدروجين كوقود فى عمليات التكرير. هذا المشروع أسهم فى استغلال ما يقرب من 12 ألف طن سنويًا من الغازات الغنية بالهيدروجين داخل الوحدات الإنتاجية، مما أدى إلى تقليل استهلاك الغاز الطبيعى بحوالى 20 ألف طن سنويًا، وخفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنحو 59 ألف طن سنويًا أى بما يعادل %35 من إجمالى الانبعاثات الكربونية للشركة.
وتوج هذا الإنجاز بحصول المشروع على المركز الأول، فى المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما تم اختياره للعرض فى مؤتمر المناخ COP 29، ليكون شاهدًا على التزام قطاع البترول المصرى بالتحول نحو الطاقة النظيفة. العمليات ومن جانبه أكد المهندس عبد الحميد أمين مساعد رئيس الشركة للعمليات، على أن أنربك شهدت خلال الفترة الأخيرة سلسلة من التعديلات الفنية والهندسية على الوحدات الإنتاجية،والتى كان لها أثر مباشر فى رفع كفاءة التشغيل وتعزيز الاعتمادية، حيث قامت الشركة بتغيير العامل المساعد بالوحدات بالإصدارات الأحدث، وهو ما مكن الشركة من استيعاب الأنواع المختلفة من الخامات متباينة المواصفات، ويعد أيضًا من الإنجازات الفنية تشغيل مشروع الغلاية الجديدة، باستخدام الغازات الغنية بالهيدروجين كوقود بديل، ما يُعد خطوة رائدة فى مسيرة الشركة نحو التحول لاستخدام مصادر طاقة أنظف وأكثر استدامة. وأضاف أمين أن تنفيذ هذا المشروع يُمثل تحديًا كبيرًا، حيث تطلّب إجراء تعديلات دقيقة على منظومة التشغيل والتحكم لإمكانية الاستغناء عن تشغيل الغلاية لمدة 45 يومًا وهى فترة تنفيذ المشروع. وتمكنت كوادر الشركة من مواجهة هذا التحدى بكفاءة عالية، حيث تم تنفيذ حلول تشغيلية بديلة، تضمن استقرار إمدادات البخار واستمرارية الإنتاج دون توقف، هذا الإنجاز تحقق بالكامل بفضل خبرات وكفاءات العاملين بالشركة، مما يعكس قدرة أنربك على تنفيذ المشروعات الاستراتيجية. وأشار المهندس صموئيل مدير إدارة المتابعة الفنية بالعمليات، أننا عملنا على تطوير أنظمة المراقبة والتحكم فى الغلاية وربطها بنظم التشغيل المركزية، بما أتاح متابعة فورية لأداء الوحدات ومعايير السلامة، وقد أتاح المشروع استغلال الغازات الغنية بالهيدروجين الناتجة عن عمليات المعالجة داخل الوحدات الإنتاجية، والتى كانت فى السابق لا يتم الاستفادة منها بشكل كامل، واليوم تحولت هذه الغازات إلى مصدر وقود نظيف ومستدام يدعم استمرارية الإنتاج، ويُسهم فى تقليل استهلاك الغاز الطبيعى وخفض الانبعاثات الكربونية. إن ما تحقق فى هذا المجال يُمثل نقلة نوعية فى عمليات الشركة، وتبنى الحلول المبتكرة التى تدعم الاستدامة، مع ضمان استمرار إمداد السوق المحلية باحتياجاتها من البنزين عالى الأوكتين وفق أعلى معايير الجودة
تخطيط الإنتاج أوضح الدكتور حسام جبر مدير عام تخطيط الإنتاج، على أن أنربك شهدت خلال السنوات الأخيرة نقلة نوعية فى إدارة الموارد، خاصة البنية التحتية المتاحة بما فى ذلك شبكة المستودعات، خطوط النقل المرتبطة شركات المنطقة الجغرافية وبالميناء، بإضافة واستحداث خطوط جديدة، جار حاليًا زيادة السعة التخزينية بمقدار 10 آلاف طن بإضافة مستودعات جديدة، ليعطى ذلك مرونة كبيرة فى تأمين احتياجات الشركة من الخامات وتوفير السعات التخزينية اللازمة لزيادة حجم التشغيل. ومن أبرز النتائج التى تحققت فى هذا الإطار، نجاح الشركة فى تشغيل أكثر من 750 ألف طن من خامات النافثا الفائضة بمعامل التكرير الأخرى، عبر منظومة التسهيلات الجديدة وهو ما أسهم بصورة مباشرة فى الحفاظ على الطاقة التشغيلية المرتفعة لوحدات الشركة، وضمان انتظام التشغيل دون انقطاع. وأشار جبر، إلى أننا قمنا بتطبيق آلية متكاملة تقوم على استغلال الخامات الفائضة من بعض معامل التكرير الأخرى، بالتنسيق مع الهيئة المصرية العامة للبترول، ودمجها فى مزيج التغذية لوحدات الشركة، بما يعكس التكامل الحقيقى بين شركات القطاع، ويُسهم فى خفض التكلفة وتعظيم العائد. ولم تغفل الشركة جانب السلامة أثناء هذه التوسعات التشغيلية، حيث تم تطبيق توصيات ومعايير إدارة سلامة العمليات (PSM) فى مناطق المستودعات، لمواجهة الأعباء التشغيلية المتزايدة، وضمان تحقيق أعلى درجات الأمان للعاملين والمنشآت. وفى إطار استراتيجية التحول الرقمي، تم تنفيذ الربط الرقمى لمستودعات الشركة مع الهيئة المصرية العامة للبترول من خلال منظومة SCADA، الأمر الذى يتيح متابعة لحظية دقيقة لحركة الخامات والمنتجات، ويدعم اتخاذ القرار ويُحسّن كفاءة التشغيل، ويضمن الشفافية الكاملة فى إدارة الموارد. وبالتوازى مع ذلك، حرصنا على تطوير منظومة التخزين من خلال تحديث أنظمة القياس والرقابة على حركة الخامات والمنتجات، بما ساعد فى رفع كفاءة التشغيل، وضمان استقرار الشركة واستمرارها فى الوفاء بالتزاماتها تجاه السوق المحلية.» الصيانة تولى أنربك أهمية قصوى لسلامة الأصول، والحفاظ على كفاءة التشغيل هذا ما أكده المهندس وليد مصطفى مدير عام الصيانة، ندير منظومة صيانة شاملة، تتضمن أعمال الفحص الدورى والتقييم الفنى والصيانة الوقائية لكافة الوحدات والمستودعات. ونركز فى خطط الصيانة على التحقق المستمر من سلامة المعدات الحيوية مثل الغلايات، المبدلات الحرارية، المضخات، والخزانات، لضمان استمرار كفاءتها التشغيلية واستدامة أدائها، بما يتماشى مع أعلى معايير الأمان والسلامة العالمية. وفيما يخص المستودعات، أشار مصطفى إلى أنه تم وضع خطة متوسطة المدى تمتد لخمس سنوات، لتجديد كافة مستودعات الشركة فقد قمنا بتطبيق برنامج صيانة وقائية شامل، يشمل الفحص الهندسى وكافة اختبارات المتانة والتسريب، الأمر الذى ساعد فى تعزيز موثوقية البنية التحتية التخزينية للشركة، ورفع كفاءة التشغيل لمواجهة الأعباء المتزايدة. كما نعمل على تنفيذ العمرات بشكل جزئى وتدريجى بدلًا من الإيقاف الكامل للوحدات، وهو ما مكن الشركة من الحفاظ على استمرارية الإنتاج، مع ضمان إجراء أعمال الصيانة الجوهرية، دون التأثير على الوفاء بالتزاماتنا تجاه السوق المحلية. وتتبع الشركة الأنظمة الرقمية لإدارة أعمال الصيانة (CMMS)،أتاحت لنا متابعة لحظية لحالة المعدات، التنبؤ بأى أعطال قبل وقوعها، مما ساعد على تقليل فترات التوقف المفاجئ، تخفيض تكاليف الصيانة الطارئة. التحكم الآلي قال المهندس محمد الجوهرى مدير عام التحكم الآلي، إنه فى إطار استراتيجية الشركة لمواكبة أحدث التطورات التكنولوجية فى أنظمة التشغيل، أولت أنربك اهتمامًا خاصًا بتطوير منظومات التحكم الآلى والرقمى داخل جميع الوحدات الإنتاجية. ومن الإنجازات المهمة التى نفتخر بها، هو تطوير أنظمة المتابعة والتحكم الرقمية اللحظية (DCS وAPC و SCADA)، لتوفير بيانات دقيقة ومتكاملة عن أداء الوحدات، استهلاك الطاقة، الانبعاثات،جودة المنتجات، بما يدعم سرعة اتخاذ القرار والتنبؤ بالمشكلات قبل حدوثها. حيث قمنا بتطبيق نظام التحكم المتقدم فى العمليات (APC) على كافة الوحدات، بالتعاون مع شركة AspenTech الأمريكية، وهو ما ساعد على رفع كفاءة التشغيل وزيادة الإنتاجية وترشيد استهلاك الطاقة بصورة ملموسة. كما نعمل على التحديث الدورى لأنظمة التحكم الموزعة (DCS)، أنظمة الأمان الآلى (ESD)، بما يتماشى مع أحدث المعايير العالمية، لضمان أعلى مستويات الاعتمادية والأمان وهذه الجهود تعكس إيماننا بأهمية التحول الرقمى كأحد المحاور الاستراتيجية التى تسهم فى دعم استدامة الأداء حماية البيئة قال الكيميائى محمد سنان مدير عام السلامة، إنه خلال الفترة الماضية حرصت الشركة على تنفيذ برامج وتوصيات ومعايير السلامة العملية (PSM) بمختلف مناطق العمل، والوحدات الإنتاجية ومناطق المستودعات المختلفة بما يضمن مواجهة الأعباء التشغيلية المتزايدة ويحقق أعلى مستويات الأمان للعاملين والمنشآت. وفى إطار الحفاظ على البيئة، تم تعزيز أنظمة المراقبة البيئية المستمرة والانبعاثات، والتوسع فى استخدام التقنيات الصديقة للبيئة بما يتماشى مع التشريعات الوطنية والمعايير الدولية. كما تبنت الشركة خطوات عملية فى مجال السلامة الرقمية من خلال المضى قدمًا فى تطوير نظم التصاريح الإلكترونية للعمل (Permit to Work) ومنظومات المراقبة الذكية، توجت هذه الجهود بالحفاظ على سجل متميز فى تحقيق أكثر من مليون ساعة عمل آمنة دون إصابات. المعامل الكيميائية تمثل المعامل الكيميائية التى يديرها الكيميائى ناجى فتح الله مدير عام مساعد خط الدفاع الأول فى ضمان جودة المنتجات والحفاظ على سلامة التشغيل. وأكد ناجى أن المعامل تقوم بإجراء اختبارات دقيقة ومتكاملة على مختلف مراحل التشغيل، بدءًا من استلام الخامات وحتى المنتج النهائي، لضمان مطابقتها للمواصفات القياسية المحلية والعالمية. وفى إطار التحول الرقمي، تم تطوير نظام إدارة معملية إلكترونية (LIMS) يتيح تتبع العينات آليًا ويعزز من سرعة ودقة إصدار التقارير، بما يضمن التكامل مع باقى إدارات الشركة. ويأتى حصول معامل الشركة على شهادة الاعتماد الدولى ISO 17025 بالتعاون مع إيجاك فى مجال اختبارات البنزين والمياه، كأحد أهم إنجازات الفترة الأخيرة. تأكيد الجودة أوضحت دكتورة رحاب عبد البر مدير عام مساعد الجودة، أن أنربك نجحت فى تطبيق وتكامل منظومة شهادات الجودة القياسية، مثل:ISO 9001 الخاصة بنظم إدارة الجودة، ISO 14001 لنظم الإدارة البيئية،ISO 45001 للصحة والسلامة المهنية،ISO 50001 الخاصة بكفاءة استخدام الطاقة، كما تم اعتماد مؤشرات قياس الأداء (KPI's) لمتابعة الجودة بصفة دورية وتحديد فرص التحسين المستمرة، بما يواكب توجهات الدولة المصرية ومعايير قطاع البترول العالمى. الخدمات أشارت وفاء صقر مدير عام العلاقات العامة والخدمات أن أنربك تضع العامل البشرى فى مقدمة أولوياتها، انطلاقًا من قناعتها بأن الإنسان هو المحرك الحقيقى للتنمية، ومن هذا المنطلق تحرص الشركة على توفير منظومة رعاية صحية متكاملة للعاملين وأسرهم تشمل وحدات طبية مجهزة وبرامج متابعة دورية ورعاية عاجلة على مدار الساعة. الإدارة قال عبد اللطيف نظرة،على أن أنربك تهتم بالاستثمار فى تنمية العنصر البشرى على رأس أولوياتها، باعتباره الركيزة الأساسية لاستمرار النجاح وتحقيق الريادة، فقد قامت الشركة خلال الأعوام الماضية بتنفيذ برامج تدريبية متخصصة داخلية وخارجية، شملت أحدث أساليب الإدارة والتشغيل والصيانة والسلامة.