منذ اللحظة التي أعلن فيها الرئيس الأمريكي خطته الأخيرة بشأن غزة، انشغل الإعلام الدولي والإقليمي بسؤال «ما هو موقف حماس؟».. الكل يترقب البيانات والتسريبات، الكل يحاول استباق ردود الفعل، وكأن مستقبل غزة بات مرهونًا بما ستقرره حماس. لكن السؤال الأعمق والأهم.. هل هذه هي الحقيقة؟ هل حماس هي التي تملك وحدها الحق في تقرير مصير غزة؟.. وهل يعقل أن تختصر مأساة أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع محاصر منذ أكثر من 17 عامًا، في بيان يصدر عن فصيل واحد. الواقع يقول إن ما وصلنا إليه اليوم، هو نتيجة مباشرة لما جرى في 7 أكتوبر 2023، الجريمة التي دفع ثمنها الشعب الفلسطيني، والتي بسببها أصبحت غزة هي الأخرى «أرض محتلة».. والعقاب الجماعي من العدو الإسرائيلي طال غزة بأكملها.. قصف غير مسبوق.. آلاف الشهداء.. تهجير قسري.. مجاعة متعمدة وإبادة مخططة. من دفع الثمن؟.. لم يكن الجناح العسكري لحماس، ولم تكن قيادة الحركة في فنادق الخارج، بل دفعه الشعب الفلسطيني في غزة.. الأطفال والنساء والمرضى والطلاب.. هم الذين تحملوا الكلفة الإنسانية والسياسية والاقتصادية، فيما ظلت الحركة تحول مصالحها السياسية في الإقليم بين طهران والدوحة وأنقرة. المعضلة الجوهرية أن حماس تتحدث باسم غزة دون أن تمتلك شرعية تخولها للقيام بهذا الدور.. الانتخابات الأخيرة التي جاءت بالحركة إلى السلطة في 2006 لم تجدد، انقلبت عليها الحركة نفسها، والتجربة الفلسطينية غابت عنها صناديق الاقتراع لأكثر من 15 عاما.. فبأي حق تدعي حماس أنها الناطق الوحيد باسم الشعب الفلسطيني، أو أنها صاحبة الرأي والرد على خطط دولية تمس مصير مليونين ونصف المليون إنسان؟ هنا يظهر الخلل.. فالمجتمع الدولي يسهل على نفسه الطريق، ويتعامل مع حماس لتمرير خططه، بينما يتجاهل الكل أن هذه الحركة هي أصل العطب وأساس المشكلة.. فمن غامر وقامر بمصير شعب وقضيته ليس من المنطقى أبدًا أن يتم تصديره كجزء من الحل. الحق في تقرير مصير غزة ليس ملكًا لحماس، بل حق للشعب الفلسطيني كله، وفي مقدمته شعب القطاع الذي يعيش تحت الحصار والقصف، هؤلاء هم الذين يجب أن يُسألوا، وهم الذين ينبغي أن يقرروا عبر آلية واضحة، فى استفتاء شعبي حر، أو عملية سياسية شاملة تمنح الشرعية للقرار الجمعي. إذا كان العالم يتحدث عن مستقبل غزة.. هل ستكون منطقة منزوعة السلاح؟ هل ستخضع لإدارة دولية أو عربية؟ هل ستدمج مجددا في مسار السلطة الفلسطينية؟ فإن من حق الناس أن يقولوا كلمتهم، لا أن تفرض عليهم قرارات فوقية باسم «المقاومة» أو تحت ضغط «الواقع». من المهم الفصل بين حماس وغزة.. على الكل إدراك أن حماس لون واحد من طيف الشعب الفلسطيني، سمت نفسها حركة مقاومة أو مقاولة.. أما غزة فهي مجتمع حي متكامل، الخلط بينهما ظلم للشعب الذي يختزل في حركة، وظلم للقضية الفلسطينية التي تختصر في خطاب فصيل. بينما يُنتظر من حماس أن تعلن موقفها، تبدو الصورة مغلوطة.. فالرأي الأهم ليس ما ستقوله قيادة الحركة، بل ما سيقرره الناس الذين يدفعون الثمن. وبالتالي فإننا نطالب بأن أي خطة تطرح لغزة أو لفلسطين عمومًا يجب أن تمر عبر «الشرعية الشعبية»، لا عبر شرعية الأمر الواقع التي تفرضها قوة السلاح أو تحالفات إقليمية. رغم أن غزة مدمرة تمامًا؛ لابد أن يمنح الفلسطينيون في غزة والضفة الحق في التصويت الحر على مستقبلهم.. العالم الذي يطالب حماس بالرد على خطة ترامب يجب أن يدرك أن الرد الأكثر صدقًا وشرعية سيأتي من الناس أنفسهم، فمن الخطأ أن نحبس مصير غزة داخل أسوار فصيل واحد. وفي هذه اللحظة المفصلية، لا ينبغي أن نسأل «ما رأي حماس؟».. بل يجب أن نسأل «ما رأي الفلسطينيين؟»