فى عالم الفن والإعلام الحديث، أصبحت الهجمات الرقمية المنظمة، المعروفة باسم «اللجان الإلكترونية»، أداة جديدة للضغط على النقاد والجمهور على حد سواء. هذه الحملات، التى غالبًا ما تتبع فنانًا أو جهة محددة، تهدف إلى تشويه الرأى أو ردع أى نقد قد يُعرّض الفنان بشكل سلبى، لكنها فى الواقع لا تستطيع تغيير جودة العمل الفنى نفسه. للأسف؛ كثير من الذين يحركون هذه «الحسابات الافتراضية» لا يدركون أن هذا الهجوم العشوائى والمفتقر لأى منطق يُثبت للناس صحة ما أطرحه. ويجعل منظر من يحرك هذه اللجان أمام الجميع بائسًا؛ خصوصًا عندما يتم توجيه الهجوم من حسابات غير مصرية، تركز غالبًا من دول آسيا، فى محاولة واضحة لفرض ضغط رقمى «مزور» لا علاقة له بالواقع الفنى. تشكل هذه اللجان الإلكترونية تهديدًا مزدوجًا، فهى تؤثر على الشخص المستهدف الذى يتلقى هجومًا مستمرًا ومتعمدًا عبر الإنترنت، وتحوّل المجال الفنى من مساحة تقييم موضوعية إلى ساحة صراع رقمى مليئة بالضوضاء والمعلومات المغلوطة. غالبًا ما تتضمن هذه الهجمات نشر شائعات، تشويه السمعة، والتحريض على الجمهور ضد النقاد، مما يخلق بيئة سامة للنقاش الفنى، ويجعل أى حديث عن الفن الحقيقى أشبه بمحاولة عبثية لكبح صوت الحقيقة. وبشكل شخصى؛ تعرضتُ سابقًا إلى فبركة محادثة عبر «واتساب»، تم فيها اتهامى بتلقى أموال كى «ألَمِّع» فنانًا على حساب آخر. ولأن من يقف وراء هذه اللجان الإلكترونية لم يكن بارعًا حتى فى التزوير؛ فقد ارتكب أخطاء فادحة وواضحة اكتشفها الجميع بمجرد النظر فى الصورة. ونشرت هذه الوثيقة المزورة على موقع لبنانى بعيد عن سلطة نقابة الصحفيين، كجزء من محاولة ابتزاز واضحة تهدف إلى كسر مصداقيتى. مرّت على هذه الواقعة خمس سنوات تقريبًا، وما زال أسلوب الهجوم مستمرًا معى ومع زملاء آخرين فى المهنة. إذا تحدثت أنا وزملائى عن تفوُّق «عمرو دياب» موسيقيًا، يُتهم النقاد بأنهم «موالون له». وإذا أشرت إلى تميُّز «مروان بابلو»، يُقال إننى أروّج للانحطاط. وإذا أبرزت عبقرية «حمزة نمرة»، أُتهم بالتعالى والانتماء للنخب الثقافية. ومع كل مقال، تأتى محاولات الابتزاز لإجبارنا على الحديث بإيجابية عن فنان معين، متناسين أن الأساس هو إنتاج عمل جيد يمكن تقييمه وفقًا لجودته وإبداعه، وليس وفقًا للضغط الرقمى المبهم. رغم أن هذه الحملات تهدف، كما يظن البعض، إلى حماية صورة الفنان أو تعزيز شعبيته، فإنها غالبًا تؤدى إلى العكس تمامًا. التركيز على الهجوم الشخصى بدلاً من تقييم العمل الفنى يقلل من مصداقية الفنان، ويظهره عاجزًا عن التعامل مع النقد الموضوعى. الجمهور الواعى يميّز بسهولة بين الحقيقة الفنية والضغط الرقمى؛ وبخاصة عندما تأتى الهجمات من حسابات غير مصرية بعيدة عن الواقع المحلى، ما يجعل هذه الحملات بلا جدوى على المدى الطويل، ويزيد من وضوح تراجُع الفنان الرقمى الذى لا يمكن إنكاره، ويؤكده سجل المنصات الرقمية على مدى السنوات الماضية. كمبدأ نقدى؛ يبقى معيار تقييم أى عمل فنى هو جودته وإبداعه، وليس الحملات الإلكترونية أو الهجمات المنظمة. أى محاولة لإسكات الناقد عبر الابتزاز الرقمى، فلا يمكن تغيير الحقيقة الفنية، ولا تحريف الرأى الموضوعى. فالنقد يقوم على الحقائق والمعايير الفنية، وهكذا أعمل شخصيًا، بكل وضوح وثبات، بعيدًا عن ضوضاء الإنترنت. وأى حملة تستهدف النقاد لن تستطيع إخفاء ضعف الأداء الفنى أو تراجع جودة الإنتاج، فنحن لسنا طرفًا متنافسًا؛ بل مهمتنا شرح العمل وإبراز جمالياته وأحيانًا سلبياته، بينما يظل دور الفنان الإبداع الخالص. هذه هى الحقيقة الثابتة فى الفن، ولن يتغير رأينا إلا بما يقدمه العمل نفسه من جودة وإبداع، مَهما حاولت اللجان الإلكترونية ابتزازنا أو تزييف الحقائق، ومَهما جاء الهجوم من حسابات بعيدة عن أرض الواقع؛ ليبقى أمام الجمهور كشف الصورة الحقيقية كاملة.