مصر لن تكون بوابة لتهجير الفلسطينيين 1 أتدرون مَن المفلس سياسيًا.. لا أقصد هنا المعنى المادى، ولا أشير إلى الوضعية القانونية لتيار أو كيان سياسى؛ وإنما أتحدث عن «فاقدى» المبدأ والهدف والمصداقية، فى ميدان العمل السياسى؛ بل أتحدث عن «كذابون مدلسون» للحقائق البينة، التي لا تخطئها العين المجردة، وعن أولئك، الذين ينطقون بأحاديث «الإفك» للتشويه والمزايدة على الآخرين. فالمفلسون سياسيًا؛ لا يحتكمون إلى مبدأ ولا حتى لموقف واضح، لا يملكون سوى الوقوف على نقيض خصومهم، حتى لو توافقت مواقفهم مع عدو للوطن، فالمهم أن يكونوا دومًا مخالفين، حتى لو أفقدتهم الخصومة بصيرة النظر للحقيقة. واليوم، ما أكثر «المفلسون»؛ خصوصًا فى واقعنا الإقليمى.. أناس أعماهم «طمع السلطة»، بالفُجر فى الخصومة، والتشكيك فى كل ما هو واقع، والمزايدة على كل ما هو إنجاز، يبررون لهم جرائمهم، باتوا يمهدون السبيل لجيش الاحتلال كى يدمر ويخرّب ويقتل ويهجّر، وهم يرتدون قناع البطولة ويدّعون المقاومة. هذا هو الواقع الذي يمارسه تنظيم «الإخوان» الإرهابى، منذ تأسيسه كجماعة وظيفية، ليس فقط لخدمة أهداف قوى أخرى؛ وإنما لضرب مفهوم الدولة الوطنية فى بلادنا العربية، وكأداة لضرب الوحدة الوطنية.. وصولًا للمشهد الكاشف لهذا التنظيم، فى تل أبيب، حينما وقفت عناصر التنظيم، بتنسيق وحماية الأمن الإسرائيلى، للتظاهر ضد السفارة المصرية هناك، والادعاء بأن مصر هى مَن تحاصر الفلسطينيين، وليس إسرائيل!. ورغم فداحة الخصومة فى هذا الموقف؛ فإنه كاشف لحقيقة هذا التنظيم أمام الرأى العام، بعد أن سقطت كل «أوراق التوت» عن عورات هذا التنظيم، وانكشف المستور عن وجهه الحقيقى، بعيدًا عن شعارات سياسية ودينية طالما رددها لمريديه؛ دفاعًا عن القضية الفلسطينية، وتاجر بها لكسب مزيد من المؤيدين، ثم مع شهوة السلطة، خلع القناع الذي كان يتجمل به سياسيًا؛ ليقف صفًا واحدًا مع الاحتلال، وليروج كل الأكاذيب عن الدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية.
تبرير جرائم الاحتلال يقدم تنظيم الإخوان، الإرهابى، خدمة للاحتلال الإسرائيلى، فهو بهذه الممارسات، يغض الطرف عن الجانى الحقيقى، الذي يرتكب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين فى غزة، ويريد أن تحمل جريمة حرب التجويع بالقطاع، للدولة المصرية، عن طريق حملات ممنهجة لحصار السفارات المصرية بالخارج، بزعم فتح معبر رفح، لإيصال المساعدات. بالتأكيد هذا حديث «إفلاس»، كما وصفه الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأسبوع الماضى، فكيف يدّعى هؤلاء بأن مصر هى مَن تمنع المساعدات، والحقيقة ثابتة وتوثقها أعين الكاميرات يوميًا، باصطفاف مئات الشاحنات أمام مَعبر رفح من الجانب المصري، ومَن يمنع دخولها هو الاحتلال الإسرائيلى، ثم يخرج التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية؛ للمزايدة على مصر، دون أن يدين أو يسجل موقفًا اعتراضيًا واحدًا ضد الاحتلال الإسرائيلى!. لا تقف مصر فى موقف المُدافع أمام تلك المزايدات والأكاذيب، فالحقائق تثبتها أعين المنصفين، منذ بداية العدوان الإسرائيلى على غزة قبل 22 شهرًا، وأهمها: 1- منذ اليوم الأول، للعدوان، نجحت الدولة المصرية فى فرض إرادتها، بإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية لسكان القطاع، عبر اتصالاتها الدولية، وضغوط تمارس على الاحتلال، والدور الإنسانى لمصر، وثّقَته زيارات مسؤولين دوليين ومنظمات أممية والأممالمتحدة، طوال الأشهر الماضية. 2- لم تغلق مصر، معبر رفح من جانبها، قبل العدوان وبعده؛ وإنما قادت بنفسها مسؤولية إنفاذ الدعم الإنسانى، لغزة، فكان مطار العريش الجسر الجوى الوحيد لاستقبال المساعدات من دول العالم، وكان معبر رفح، المنفذ البرى الوحيد لإدخال المساعدات، حتى إن %70 من المساعدات التي قدمت للقطاع كانت من مصر فقط. 3- رغم أن هناك 5 منافذ برية لقطاع غزة، بينها معبر رفح، يغض الجميع الطرف عن باقى المنافذ التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلى، ويمنع دخول أية مساعدات عبرها، كما أنه هو مَن يمنع نفاذ المساعدات عبر معبر رفح من الجانب الفلسطينى، بعد أن سيطرت قواته عليه. 4- قام الاحتلال الإسرائيلى، بقصف معبر رفح من الجانب الفلسطينى 4 مرات خلال الحرب الحالية، ورغم ذلك، قامت الدولة المصرية بترميم المعبر؛ لتسهيل دخول المساعدات. 5- منذ اليوم الأول للعدوان، تعلن مصر، أن القطاع فى حاجة ما بين 600 إلى 700 شاحنة مساعدات يوميًا، ورغم ذلك، يمارس الاحتلال الإسرائيلى حربَ التجويع، بمنع دخول المساعدات بشكل كامل عن القطاع. 6- رغم المزايدات، تقف نحو 5 آلاف شاحنة مساعدات أمام معبر رفح من الجانب المصري، كما تحدّث الرئيس السيسي، لكن الجانب الإسرائيلى هو مَن يمنع دخولها من الجانب الآخر للمعبر. هذا هو الواقع الذي يؤكده حديث الأرقام، وتوثقه كل صور المساعدات التي تدخل إلى القطاع، وأيضًا بشهادة الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والأممية. تقدير الموقف المصري البعد الآخر، فى هذا المشهد، أن ما يحدث من حملات ممنهجة ضد الدور والموقف المصري، يدفعنا للتوقف مع تقدير الموقف المصري، للحرب على غزة، منذ السابع من أكتوبر عام 2023، والواقع أن التقدير المصري كان راصدًا منذ البداية للغاية الأساسية للحرب، بِعَدِّها حربًا تستهدف «تصفية القضية الفلسطينية». كان التقدير المصري سابقًا، حينما أشارت مصر، منذ البداية أن هدف العدوان الإسرائيلى على غزة، ليس ردًا على عملية «طوفان الأقصى»؛ وإنما بغرض تهجير الفلسطينيين، وتصفية القضية الفلسطينية، ومن هنا، صاغت القاهرة موقفها الواضح والثابت، برفض أى أشكال وصور تهجير الفلسطينيين.
وبعد مرور 22 شهرًا من العدوان، ومع جرائم التجويع والإبادة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلى فى غزة، تقف مصر صامدة؛ لتصيغ تقديرها أيضًا بوضوح، فى وقت يصمت فيه ضمير الإنسانية.. حينما تحدّث الرئيس السيسي، بضمير مصر، فى مؤتمره الصحفى مع نظيره الفيتنامى الأسبوع الماضى؛ ليكشف الغاية الحقيقية من حرب التجويع والاستهداف الممنهج للدور المصري، ولخص ذلك فى النقاط التالية: الحرب فى غزة لم تعد لأهداف سياسية أو لإطلاق الرهائن؛ وإنما أصبحت حرب تجويع وإبادة جماعية، هدفها تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية. تحولت حياة الشعب الفلسطينى، ورقة للمساومة بالقضية الفلسطينية، فى وقت يقف فيه المجتمع الدولى متفرجًا. حمَّل الرئيس السيسي المجتمع الدولى، المسؤولية، فى ظل حالة الصمت الدولى، حينما أشار إلى أن «التاريخ سيتوقف كثيرًا، وسيحاكم أشخاصًا ودولاً على مواقفها فى غزة؛ لأن الضمير الإنسانى لن يقف صامتًا بهذه الطريقة». وأمام هذا المشهد، كانت رسالة مصر الحاسمة، التي شدّد عليها الرئيس السيسي؛ بأن «مصر ستظل دائمًا بوابة للمساعدات إلى الشعب الفلسطينى، ولن تكون بابًا لتهجير الفلسطينيين من أرضهم».
وهْم العودة مرة أخرى بلا شك أن الدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية؛ ليس محل مزايدة أو تشكيك، ذلك أن مصر لم تقصّر أو تتراخ فى دعم القضية والشعب الفلسطينى، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كل هذا التصعيد المريب من التنظيم الدولى للإخوان وأبواقه فى الخارج، وفى دول الجوار، ضد مصر فى هذا التوقيت؟. قد يكون هذا التساؤل منطقيًا، بالنظر لكل الممارسات التي جرت خلال الأسابيع الأخيرة، بداية «قافلة صمود» المريبة، وتهديدات «تنظيم حسم الإرهابى»، ودعوات حصار السفارات المصرية بالخارج، لكن محاولة تفسير ما يحدث، ربما يدفعنا إلى ما يمكن أن يعتقده هذا التنظيم، بأنه «يمكنهم العودة»، أو أنه يمكنهم محاولة إعادة إنتاج مشهد سوريا، إو إنتاج مشهد يناير 2011!. بلا شك، واهِمٌ مَن يعتقد ذلك، فربما كان الرد واضحًا، من الشعب المصري ومؤسَّسات الدولة المصرية، التي تعى تمامًا كل أساليب ومخططات هذا التنظيم، وكان أبلغ رد من المصريين، بحالة الاصطفاف الداخلى، التي ظهرت وسط كل هذه التحديات، أمام صناديق انتخابات مجلس الشيوخ الأسبوع الماضى، دون أن تعبأ بأكاذيب المفلسين والمزايدين والمشككين.
عهد لن ينكسر من القاهرة.. إحباط فتنة «الحكومة الموازية» فى السودان 2
لا نستطيع أن نُقَيّد زيارة رئيس مجلس الوزراء الانتقالى فى السودان، الدكتور كامل الطيب إدريس، إلى القاهرة، عند حدود نتائج محادثاته الرسمية «رفيعة المستوى»، ولقاءاته الأخرى، فهى زيارة تتجاوز رسائلها وأهدافها ونتائجها، أطر تعزيز التعاون الثنائى؛ لتؤكد على أنها «تدشين لعهد جديد من العلاقات المشتركة لن ينكسر»، حسب وصف رئيس الوزراء السودانى. هنا أريد أن أتوقف أمام المعانى الأهم، لهذه الزيارة، لاسيما ما يتعلق بسياقها المكانى والزمانى، وغايتها فى توقيت يتعافى فيه السودان، من حرب مريرة ممتدة منذ نحو 28 شهرًا، إلى جانب ضروريتها، فى تأكيد «شرعية» هذه الحكومة، فى مواجهة تحركات «موازية»، لا تستهدف سوى «تفتيت السودان». وهنا يمكن النظر لهذه الزيارة، بَعَدّها، تدشينًا لاستراتيجية تستهدف منع فتنة تفتيت السودان، تحت ستار «حكومة موازية»، وذلك من واقع الأبعاد التالية: أولاً: تُعَد زيارة «الطيب إدريس» للقاهرة، بمثابة التدشين الخارجى، الأول لحكومة «الأمل» السودانية، ذلك أنها أول زيارة خارجية لرئيس الوزراء السودانى، منذ تعيينه من قِبَل مجلس السيادة السودانى فى شهر مايو الماضى، ومعنى اختيار القاهرة لتكون وجْهَته الأولى؛ لم يكن مصادفة أو من فراغ؛ وإنما جاء لأكثر عواصم العالم، دعمًا للشرعية والمؤسَّسات الوطنية فى السودان. ومواقف القاهرة، الداعمة للسودان واستقراره، أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلاله استقباله رئيس الوزراء السودانى، وهى مواقف ثابتة ولم تتغير، فمنذ اندلاع الحرب بين الجيش السودانى، وميليشيا «الدعم السريع»، فى منتصف أبريل 2023، كان الموقف المصري واضحًا، من حيث دعم المؤسَّسات الوطنية فى السودان، وعلى رأسها الجيش السودانى، والتصَدّى لأى محاولات التدخل فى الشأن السودانى، وأى مساعٍ تستهدف وحدة وسيادة السودان. ثانيًا: على صعيد الزمان، تأتى الزيارة بعد إعلان (ميليشيا الدعم السريع) موخرًا عن «حكومة موازية» فى نيالا بدارفور غربًا، لم يعترف بها أحد، ورفضتها الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقى، وبالتالى تأتى حفاوة الاستقبال للطيب إدريس بالقاهرة؛ لتؤكد على شرعية حكومته، بَعّدّها الحكومة المدنية التي تمثل السودان دوليًا، فى مواجهة كل تحركات التفتيت والتقسيم. والواقع؛ أنه لم يَعد خفيًا على أحد أن الحرب فى السودان تتجاوز مسألة الصراع على السلطة والثروة، فممارسات وجرائم «ميليشيا الدعم السريع» المدعومة من أطراف دولية وإقليمية، تعكس نوايا أخرى، تتعلق بتفتيت أجزاء من السودان، ولذلك السياق الصحيح لهذه الزيارة؛ أنها تشكل رسالة إقليمية ودولية، واضحة بأن «وحدة السودان ومؤسَّساته الشرعية» خط أحمر بالنسبة للقاهرة. ومساندة مصر للشرعية فى السودان، لا تقف عند حدود إعلان الموقف والتعاون فقط؛ وإنما تمتد لما هو أبعد من ذلك، بحشد الجهود الدولية، للمؤسّسات الشرعية فى السودان، عبر اتصالات دبلوماسية مع أطراف مختلفة، ولعل أحدث هذه الجهود، تأكيدات وزير الخارجية بدر عبدالعاطى، خلال زيارته الأربعاء لأثينا، بضرورة «دعم المؤسّسات الوطنية بالسودان». ثالثًا: على صعيد النتائج؛ شهدت الزيارة، أول تعاون حكومى موسع لشطرى وادى النيل، منذ بداية الحرب، ذلك أن مباحثات رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، مع نظيره السودانى، تناولت سُبُل تطوير التعاون والتكامل فى مجالات عديدة بين البلدين؛ خصوصًا فيما يتعلق بتفعيل اللجان العليا المشتركة، وتسهيل الاستثمارات المشتركة والتبادل التجاري، والتعاون فى مجال تسجيل الدواء المصري بالسودان، لكن المحادثات تناولت اثنين من الملفات ذات الأولوية للبلدين. الملف الأول، ما يتعلق بالدور المصري، فى ملف إعادة الإعمار فى السودان؛ حيث جرى التوافق على إعداد وتأهيل الكوادر السودانية لمرحلة إعادة الإعمار، من خلال برامج تدريبية متخصّصة بالتعاون مع الجهات المصرية. أمّا الملف الثانى؛ فكان ما يتعلق بتنسيق المواقف بين القاهرة والخرطوم فى ملف الأمن المائى؛ خصوصًا ما يتعلق برفض التصرفات الأحادية من الجانب الإثيوبى بخصوص قضية سد النهضة، وضرورة تفعيل آلية التشاور بمبادرة حوض النيل؛ لتسوية الخلافات وتعزيز التعاون الإقليمى بين دول الحوض. لا شك أن زيارة رئيس الوزراء السودانى للقاهرة، تشكل محطة نوعية فى علاقات مصر والسودان الفترة المقبلة، وهو ما أكده الطيب إدريس، فى المؤتمر الصحفى مع الدكتور مدبولى، أن «الرؤية المشتركة التي تم الاتفاق عليها، ستكون رؤية كلية لمصلحة البلدين والأجيال القادمة».