فى غضون أعوام قليلة من نمو ظاهرة توظيف الأموال، تنامى لدى جناح مهم فى الدولة إحساس بخطورة هذه الشركات ليس فقط من ناحية إمكانية التلاعب بأموال المودعين، وعدم امتلاك الشركات لمشروعات جادة تضمن الحفاظ عليها، ولكن من زاوية خطورة هذه الشركات على الأمن القومى، واحتمالية استخدام الثروات التى يتم جمعها من المصريين لتحقيق نوع التمكين السياسى للتيارات الإسلامية. والحقيقة أن عدد شركات التوظيف كان كبيرا إذ بلغ ستين شركة وفق ما ذكره الكاتب الصحفى عبد القادر شهيب فى كتاب (الاختراق )الصادر عن سينا للنشر 1990، ولم يكن جميع من يعملون فى التوظيف ممن ينتمون لتيار الإسلام السياسى بكل تأكيد، بل إن مالك واحدة من صغرى شركات توظيف الأموال وهى شركة (سيناء) كان مواطنا مصريا مسيحيا، وكانت إحدى الشركات مملوكة للاعب كرة سلة سابق فى النادى الأهلى هو كمال عبد الهادى وقد تعثرت شركته مبكرا واشترت أصولها شركة الريان بينما هرب هو إلى أمريكا، لكن يمكن القول إن عصب شركات توظيف الأموال كان يقوم على الإسلاميين وعلى إيداعات الجمهور المقتنع بفكرة حرمة فوائد البنوك بناء على فتاوى مشاهير الدعاة، كذلك كانت الشركات الأكبر من حيث العباءة المالية هى التى أسسها إسلاميون حركيون أو لهم ماض حركى مثل الريان والسعد والذين يذهب كاتب هذه السطور لأنهما كانا واجهة لاستثمارات جماعة الإخوان، وهو ما لا ينطبق على شركة توظيف أخرى هى (الحجاز) التى كانت مملوكة بشكل صريح لقياديين فى جماعة الإخوان وتم إيقاف نشاطها قبل إيقاف نشاط بقية شركات التوظيف، وفى حالة شركة الريان مثلا فقد كان الأخ الأوسط احمد الريان على قناعة تامة بضرورة استخدام أموال الشركة فى نشر الأفكار الإسلامية، فقد أسس دارا كبيرة لإعادة نشر الكتب التراثية، كما مول برنامج مسابقات تلفزيونيًّا لنشر الثقافة الدينية، وتناثرت معلومات كثيرة عن دعمه لتيارات دينية مختلفة، مع ملاحظة أنه لا يمكن فهم ظاهرة توظيف الأموال دون فهم علاقة جناحها الإسلامى برجل الأعمال الشهير عثمان أحمد عثمان(1917-1990) الذى عرف بتعاطفه مع جماعة الإخوان المسلمين التى تعرف إلى مؤسسها حسن البنا وهو طالب فى المدرسة الابتدائية، وكان خاله الأقرب له واحدا من مؤسسيها مع البنا فى مدينة الإسماعيلية 1928.. وليس سرا أن رجل الأعمال الشهير كان العراب الأول للاتفاق بين الجماعة وبين الرئيس السادات فى بداية توليه الحكم وهو الاتفاق الذى امتدت آثاره فى المجتمع المصرى حتى الآن.. كان عثمان قد أسس البنك الوطنى للتنمية، كبنك مصرى خاص، وكان هذا البنك أحد البنوك الرئيسية التى مارس فيها سامى على حسن وأشرف السعد وأحمد الريان تجارة العملة، ثم كان هو صاحب فكرتين مهمتين أقدمت شركات توظيف الأموال على تنفيذهما ووقفت الحكومة المصرية حائلا دون التنفيذ.. المشروع الأول هو إقدام شركة الريان على تأسيس شبكة نقل داخلية تنافس هيئة اتوبيس القاهرة الذى كان وسيلة النقل الرئيسية فى وقت إعلان المشروع عام 1986.. وقد تم اتخاذ خطوات للتنفيذ بالفعل، لكن جهات مهمة فى الدولة رأت أنه من الخطورة تمكين أعضاء سابقين فى الجماعة الإسلامية من شبكة مواصلات القاهرة الكبرى عقب خمس سنوات فقط من أقدام زملاء لهم على اغتيال رئيس الدولة وتنفيذ مذبحة فى مديرية أمن أسيوط، أما المشروع الثانى الذى اقترحه عثمان أحمد عثمان ووقف خلفه فهو الاندماج بين شركة السعد وشركة الريان والذى سمى وقتها باندماج العمالقة لكن سير الأحداث لم يسمح لأصحابه بالمضى فيه قدما.. كان أحد أشكال الحيرة الحكومية فى التعامل مع هذه الشركات هو الاجتماع الذى عقد فى مجلس الوزراء فى شهر رمضان عام 1989 ميلاديا.. فرئيس الوزراء ومجلسه بالكامل أرادوا الاجتماع مع أصحاب شركات التوظيف الذين كانوا يتحكمون فى الاقتصاد المصرى بعد خمس سنوات من سماح الدولة لهم بالعمل بحرية كاملة، ومع ذلك فقد رأت الحكومة أن توجه لهم الدعوة فى صورة استدعاء من مباحث الأموال العامة وبالتحديد من الضباط الذين سبق أن حققوا معهم بتهمة تجارة العملة.. وكانت الفكرة فكرة وزير الداخلية الصاخب اللواء زكى بدر والذى كان لا يرتاح لوجود هذه الشركات، وبحسب ما يرويه أشرف السعد فى شهادته، فقد بدأ وزير الداخلية الحديث فى الاجتماع مهددا أصحاب الشركات بأن ملفاتهم كلها تحت يديه، وكان المطلوب أن توفر الشركات مجتمعة احتياجات الحكومة من الدولار لتسديد فاتورة الاستيراد، وكان لسان حال الواقع يقول إن الشركات التى كانت تستقبل إيداعات بالعملة الصعبة استولت على كل تحويلات المصريين العاملين بالخارج والذين احجموا عن وضع إيداعاتهم فى البنوك الحكومية.. وعلى حد ما يذكر أشرف السعد فقد كانت شركة الريان هى الوحيدة التى تجاوبت مع القرار وحرر ممثلها شيكا بالمبلغ المطلوب إيداعه فى البنوك الحكومية بالدولار، بينما اعترض عبد اللطيف الشريف صاحب شركة الشريف لتوظيف الأموال وهو رجل أعمال كان والده من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين وكان من رواد صناعة البلاستيك فى مصر وقد تم تأميم شركته ضمن موجة تأميم الشركات عام 1961. ثم عاد عبد اللطيف الشريف للاستثمار مرة أخرى عقب قرارا ت الانفتاح الاقتصادى محافظا على ميراث والده فى الصناعة وفى الانتماء لجماعة الإخوان معا، ويقول أشرف السعد إن الشريف احتج بأن الأموال فى شركته هى أموال المودعين، وأنه لا يستطيع تلبية مطالب الحكومة من أموال غير مملوكة له بالكامل، وقد استدعى هذا أن يذكره وزير الداخلية بانتمائه لجماعة الإخوان ليرد عليه الشريف بجرأة أو وزير التنمية الإدارية الذى كان يحضر الاجتماع هو صهر أحد قيادات الجماعة (كان المقصود هو د عاطف عبيد الذى كان متزوجا من ابنة وكيل الجماعة الأسبق خميس حميدة والذى كان أحد ستة أدينوا بالإعدام عام 1954).. والحقيقة أن عام 1989 كان عام الحسم فى ملف شركات توظيف الأموال التى سمحت بها الدولة بل وشجعتها فى البداية، والحقيقة أن هذا التسامح كان ضحيته فى الدرجة الأولى خمسة وأربعين ألف أسرة مصرية من الطبقات الوسطى المكافحة ضاعت مدخراتهم نتيجة غفلة الدولة فى البداية، ثم رغبتها فى إغلاق الملف بأقصى سرعة فى النهاية، ثم حالات الفساد التى شاعت بين بعض المسئولين عن تصفية هذه الشركات وإعادة أموال المودعين، حيث أسندت عمليات التصفية لأجهزة قضائية مثل المدعى العام الاشتراكى ومكتب النائب العام وغابت الجهات الاقتصاديّة والخبراء الماليون وهو ما ادى لضياع المدخرات وتسلم المودعين نسبة لا تتعدى العشرة فى المئة من مدخراتهم فى صورة سلع عينية وبضائع غير صالحة للاستخدام.. والحقيقة أن ظهور الشركات صاحبه نجاحها فى تجنيد عدد كبير من الدعاة والإعلاميين ورؤساء التحرير والمسئولين للعمل فى خدمتها، بحيث كان المعترضون على نشاط هذه الشركات أقلية طوال سنوات نشاطها وإن كانت الأيام قد أثبتت صحة وجهة نظرهم فى النهاية.. فعلى مستوى مشاهير الدعاة نجحت شركة الهدى مصر والتى أسسها رجال أعمال إسلاميون فى الفوز بخدمات إمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوى (1911 - 1998) كمستشار شرعى للشركة، وكان له مكتب ثابت فى مبناها، كما خصص أصحابها سيارة مرسيدس حديثة لتنقلاته، وقد نفى فضيلته لصحيفة السياسة الكويتية أن يكون قد عمل موظفا فى الشركة، وقال إن علاقة قديمة كانت تربطه بوالد أصحاب الشركة وهو ما أدى لحماسه لنشاطهم وقيامه بافتتاح عدد من المشروعات الخاصة بهم، بل إنه أوضح أن شركة المقاولات الخاصة بالشركة قامت ببناء منزله الجديد فى المنصورية كعمل احترافى مقابل أتعاب دفعها لهم، أما السيارة المرسيدس الشهيرة فلم تكن هدية من أصحاب الشركة ولكن وسيلة انتقال وضعت تحت تصرفه أثناء انتقاله لزيارة مقر الشركة، وفى حين لعب خطيب مسجد عمرو بن العاص د. عبد الصبور شاهين دور المستشار الدينى لشركة الريان، نجد أن كتاب الاختراق يتحدث عن دعاة آخرين انخرطوا فى نشاط هذه الشركات منهم الشيخ أحمد المحلاوى، والعالم الأزهرى د. عبد المنعم النمر، وزير الأوقاف الأسبق والداعية حافظ سلامة.. وكلهم من الذين كانوا يدورون فى فلك الإسلام الحركى السياسى وجماعة الإخوان المسلمين، وإلى جانب وزير داخلية مصر فى السبعينيات النبوى إسماعيل، عمل عدد آخر من المسئولين كموظفين فى هذه الشركات منهم اللواء محمد عبد الله مساعد وزير الداخلية الأسبق وربيع السعدى وكيل وزارة الحكم المحلى الأسبق، ووزير الاقتصاد مصطفى السعيد، ومحافظ الجيزة وقتها د. عبد الحميد حسن، ود. عبد الرازق عبد المجيد نائب رئيس الوزراء الأسبق، فضلا عن عدد من كبار القضاة السابقين الذين قدموا خدماتهم لهذه الشركات، ولم يكن سرا أن معظم المسئولين المدنيين الذين عملوا مع الشركات كان لهم ماض مهنى فى بعض الأجهزة السيادية، وكان الهدف الاستفادة بعلاقاتهم فى تسهيل التعامل مع أجهزة الدولة ومعرفة مكامن الخطر والوقاية من الضربات المباغتة، ورغم إطلاق جهات الرقابة المالية مثل هيئة سوق المال صيحات تحذير مبكرة من نشاط هذه الشركات، إلا أن الدولة تغاضت عن نشاطها فى السنوات الأولى، وهو ما أسهم فى خداع مزيد من المودعين الذين رأوا رئيس الدولة يفتتح جناحا لنشاط إحدى هذه الشركات، وكبار الدعاة والمسئولين يعملون فى خدمتها.. وكما يذكر الكاتب الصحفى عبد القادر شهيب فقد تورط أغلب رؤساء التحرير الحكوميين والحزبيين فى الترويج لهذه الشركات نتيجة سطوة الإعلانات وعقود الطباعة التى كانت بمثابة رشاوى مستترة، ولم ينتقد الظاهرة من كبار الكتاب سوى أحمد بهاء الدين الذى كتب سلسلة مقالات فى الأهرام ينتقد فيها الشركات، وعلى مستوى الصحف القومية لم ينتقد الشركات سوى مجلة روز اليوسف، بينما أيدتها أخبار اليوم بشدة، وكتب رئيس تحريرها إبراهيم سعدة يدافع عنها، وهو نفس ما فعله مؤسس أخبار اليوم مصطفى أمين، وكاتب شهير آخر هو أنيس منصور قال أشرف السعد إنه كان يعمل مستشارا إعلاميا له، وقد اختلفت ميول المدافعين عن هذه الشركات فالبعض دافع عنها لأسباب دينية باعتبارها شركات إسلامية تستحق التشجيع وكان من هؤلاء الكاتب الإسلامى أحمد بهجت، ورئيس تحرير جريدة اللواء الإسلامى أحمد زين، ورئيس تحرير صحيفة الشعب عادل حسين، وهناك من دافع عنها باعتبار ذلك الدفاع نوعا من تشجيع القطاع الخاص مثل مصطفى شردى رئيس تحرير جريدة الوفد، ومحسن محمد رئيس تحرير الجمهورية، لكن عقود الاعلانات التى قدمتها هذه الشركات كانت هى المحرك الخفى للصحفيين.. ويمكن القول أن الأحداث سارت فى مسارين متوازيين التقيا ليكتبا كلمة النهاية لهذه الشركات.. المسار الأول هو دراما الصعود من الفقر للغنى وما يصاحبها من تحولات نفسية لا يحتملها الجميع، وما يصاحب ذلك من فضائح شخصية وأثر ذلك الكبير على أموال المودعين التى تركزت إدارتها فى يد أفراد قليلين جدا لأن الشركات كانت ذات طابع عائلى وليس مؤسسيًّا، فلا جمعيات عمومية حقيقة، ولا مجالس إدارة محترفة، ولا فصل بين الملكية والإدارة ولو حتى على سبيل التمثيل والاصطناع.. وقد تجلت كل هذه العيوب فى أكبر شركات التوظيف، وأكثرها إثارة لقلق المنتبهين لخطورة الظاهرة وهى شركة الريان التى قدرت إيداعات المودعين فيها بما يقرب من اثنين مليار جنيه مصرى وهو رقم كبير جدا بمعايير تلك الأيام، وكان الأخ الأكبر ورئيس مجلس إدارة الشركة فتحى توفيق نموذجا دراميا للصعود العصامى ثم الانهيار النفسى تحت وطأة النجاح السريع، وإدمان العمل، والعلاقة الزوجية غير الناجحة، حيث وجد فتحى الريان القادم لعالم التوظيف من خبرة مبكرة بتجارة العملة وتهريب الذهب، أن المضاربة بأموال المودعين فى البورصات العالمية هو أفضل وسيلة لتحقيق ربح سريع، وكان ذلك يعنى أن أموال المصريين تخرج من مصر للأسواق العالمية دون أن تسهم فى تنمية وطنهم أو فى بناء مشروعات إنتاجية فيه، وإلى جانب هذا فإن المضاربات بطبيعتها تحتوى على عنصر خطورة كما تحتوى على احتمالات ربح، وقد تحقق عنصر الخطورة حين خسرت الشركة مئتى مليون دولار فى مضاربة على الذهب فى بورصة نيويورك، ووجد الخبر من ينشره فى الصحافة العالمية والمصرية كحرس إنذار حول خطورة هذه الشركات، وكان هذا أول مسمار فى نعش شركة الريان عام 1988.. وعلى المستوى الشخصى فقد قادت حالة التوتر الدائمة والرغبة فى الاستيقاظ الدائم فتحى الريان لإدمان الحبوب المنشطة ثم المنومة وهو ما استدعى علاجه فى مصحة متخصصة، وقد صاحب هذا انفصال متكرر عن زوجته وإقدامها على الزواج مرة أخرى ثم دخولها فى خلافات مع إخوته.. الذين عزلوه من رئاسة مجلس إدارة الشركة لتخرج كل هذه الأخبار للصحافة فى صورة فضائح وقصص شخصية ساهمت كثيرا فى هز صورة الشركة وإثارة مخاوف المودعين والضغط على الحكومة لاتخاذ إجراء فورى وإصدار قانون تلقى الأموال ثم التحقيق مع أصحاب الشركات بتهمة مخالفة وتصفية نشاط كل الشركات وإحالة عدد من أصحابها للنائب العام أو المدعى العام الاشتراكى بحسب التهم الموجهة لكل منهم. وبشكل عام انتهت الظاهرة بنتائج مأساوية لأصحاب الشركات وللمودعين معًا، وكان هناك قدر كبير من المسئولية يقع على الدولة، التى سمحت لهذه الشركات بخداع المودعين، وجمع مليارات الجنيهات دون اشراف فعلى على نشاطها وهو ما دفع الكاتب الكبير صلاح حافظ رئيس تحرير روز اليوسف الأسبق لأن يتنبأ فى 1990 أن قصة شركات توظيف الأموال ستعيش حتى ما بعد القرن الواحد والعشرين فى مصر، حيث سيظل الضحايا الذين جردتهم هذه الشركات من أموالهم يندبون الأموال التى فقدوها، ومن بعدهم سيندبها الورثة، بينما ستظل الاسرار ومخابئ الأموال فى مصر والخارج موضوع مسلسل بوليسى محلى ودولى ومادة مثيرة للصحافة إلى ما بعد نهاية القرن العشرين بكثير، كما ستستمر الآثار الاقتصادية الموجعة التى ترتبت على تبديد خمسة مليارات جنيه من رأس مال التنمية فى مصر، وحرمان البلاد من استثمارها فى الإنتاج، وستظل هذه الاثار مؤثرة جبلا او جيلين، ويمضى صلاح حافظ قائلًا: (ولأن شركات توظيف الأموال هذه بدأت من الأصل بتجارة العملة، ثم بجمع المدخرات خارج النظام المصرفى المشروع، فإنها احتاجت من البداية لمن يحميها من سلطان القانون، واختارت أن تحتمى بنفس الدرع التى اختارتها عصابات المافيا الشهيرة، وهى شراء أصحاب السلطان أنفسهم، فتسللت إلى مختلف أجهزة الدولة، وأغدقت على المستعدين منهم للإفادة والاستفادة، ودفعت لهم أرباح ايداعات لم يودعوها، وكلما انكشف واحد منهم عينته موظفًا عندها، يحصل على مرتب ضخم دون أن يقوم بأى عمل، حتى يتشجع المسئول الجديد ويقوم بالإفادة والاستفادة). فى ذلك الوقت المبكر من الثمانينات لم يكن الفساد الحكومى قد أصبح أمرًا واقعًا كما صار الحال فيما بعد لذلك يسجل صلاح حافظ دور هذه الشركات فى زرع الفساد قائلًا: (بهذا الأسلوب غرست الشركات فى جهاز الدولة وباء فساد جديد فوق فساده القديم، فساد (مودرن)، يجعل شعار كل موظف هو أن يستغل وظيفته لصالح المافيا، فى مقابل أن يضمن فى المستقبل وظيفة أفضل عند هذه المافيا، وأصبح هذا السلوك السوقى لموظفى الحكومة دليل ذكاء، لا علامة انحطاط، وأصبح أسلوب تبادل المنافع بين رجال الدولة، ورجال المافيا عرفا سائدًا، وعملا مشروعا، وقيمة مشروعة). ومن نشر الفساد إلى نشر التطرف واستخدام الدين بشكل نفعى ينتقل صلاح حافظ قائلًا: (ثم إن شركات توظيف الأموال كانت فى حاجة إلى مبرر لجمع أموال الناس عندها، لا عند البنوك، وإلى شعار يجعل الناس يفضلونها على البنوك، وفى ظروف (الصحوة الإسلامية) لم تجد الشركات أفضل من أن ترفع شعار الإسلام، وأن تزعم أن الاستثمار الحلال الوحيد فى الدنيا هو الاستثمار عندها، وأن تؤكد هذا الزعم بتعيين فقهاء لديها، يفتون بما هو حلال وما هو حرام من صور نشاطها فى السوق، ولكى يثق بها ملايين المسلمين كان عليها أن تختار هؤلاء الفقهاء من أهل القمة علمًا ودينًا، وسمعة، وشهرة، وأن تدفع لهم مرتبات توازى شهرتهم فى عالم الفتوى والتشريع. والغريب أن أصحاب هذه الشركات الذين اقنعوا المودعين أن فوائد البنوك حرام، اعترفوا انهم يضعون أموالهم فى البنوك، ويحصلون على فوائد هذه الأموال، بل أن أحدهم قال لو تركنا هذه الفوائد لكنا مجانين!).