إذ ذُكر الجولانى انقسمت حوله الآراء.. بين من يراه قائد ثورة ومنقذ سوريا من حكم ديكتاتور.. ومن يراه «إرهابيًا صعد إلى كرسى الحكم».. وآخرون يرون فيه «نموذجًا للحكم الإسلامي».. واختلاف الآراء والرؤى من طبيعة الدنيا.. لا يفصل بين هذا الاختلاف سوى أن تظهر الحقائق واضحة.. إذا كنت من المنحازين لأى من الآراء السابقة.. فالسؤال موجه لك: هل أتاك حديث روبرت فورد؟! قبل أيام نشر مجلس بالتيمور للشئون الخارجية (مؤسسة بحثية أمريكية) عبر قناته على يوتيوب مقطعًا من محاضرة للسفير الأمريكى الأسبق فى الجزائروسوريا «روبرت فورد» تحت عنوان: «انتصر الثوار فى سوريا.. والآن ماذا؟».. تم تسجيلها فى أول مايو الجارى. يعد هذا التسجيل إحدى الوثائق المهمة التى تكشف علاقة أحمد الشرع (الجولانى سابقا) بدوائر صنع القرار الغربية؛ إذ تحدث «فورد» عن لقاء جمعه بالرئيس الانتقالى فى سوريا، أحمد الشرع، بعد أن دعته مؤسسة بريطانية غير حكومية إلى المساعدة فى إخراج الشرع من «عالم الإرهاب» إلى «آفاق السياسة». لفهم الصورة بشكل أوضح.. علينا التركيز على «من» و«فعل ماذا» و«بتكليف من أى جهة؟».. لدينا «سفير أمريكى، يلتقى بعنصر سابق فى تنظيم القاعدة (الجولاني)، بتكليف من مؤسسة بريطانية».. هذه مفاتيح مبدأية يمكننا من خلالها فهم كيف وصل الجولانى لكرسى الحكم فى سوريا! يحكى «فورد» ما حدث: «ابتداء من عام 2023، دعتنى مؤسسة بريطانية غير حكومية، متخصصة فى حل الصراعات، من أجل مساعدتهم فى إخراج هذا الشاب (يقصد الجولاني) من عالم الإرهاب وإدخاله إلى عالم السياسة التقليدية». «دبلوماسى عليه تدريب إرهابى» بالتأكيد المهمة ليست سهلة وعواقبها غير مضمونة.. يقول «فورد»: «فى البداية كنت مترددًا جدًا بالذهاب وتخيلت نفسى مرتديًا بدلة برتقالية والسكين على رقبتى، لكن بعد أن تحدثت إلى عدد من الأشخاص الذين خاضوا التجربة وأحدهم قابل الجولانى شخصيًا قررت أن أجرب حظي». اللقاء الأول كما فهمنا؛ قرر الدبلوماسى الأمريكى خوض التجربة ومقابلة الجولانى رغم كل تخوفاته.. يقول عن لقائه الأول (ونحن هنا فى بدايات العام 2023): «عندما التقيته للمرة الأولى، حين كان اسمه الحركى الجولانى لكن اسمه الحقيقى الذى لم يكشف عنه إلا بعد السيطرة على دمشق فى ديسمبر الماضى قبل حوالى 5 أشهر هو أحمد الشرع، جلست بجانبه وقلت له باللغة العربية: خلال مليون سنة لم أكن أتخيل أننى سأكون جالسا بجانبك... ونظر إلىَّ وتحدث بنبرة ناعمة قائلا: ولا أنا». وقتها أجرى «فورد» مع الشرع حوارًا سلسًا، بحسب تعبيره. وقال إن ما لفت نظره خلال اللقاء أنه لم يعتذر عن العمليات الإرهابية فى العراقوسوريا لكن الجولانى قال له إن «التكتيكات والقواعد التى كان يتبعها فى العراق لا تصلح عندما تحكم 4 ملايين شخص (فى إدلب)». يعنى بوضوح -لا يحمل التأويل- الاختلاف بين «الجولاني» و«الشرع» هو تغيير التكتيك وليس تحولا فى الاستراتيجية.. الرجل لا يرى فى «فترة الإرهاب» ما يدعو للاعتذار أصلا.. فقط هى مقتضيات المرحلة الجديدة. حتى هنا انتهى حديث الدبلوماسى الأمريكي.. أو «المندوب البريطانى لتدريب الجولاني» بشكل أدق.. لكن لم يكن «فورد» هو الرسول الوحيد أو الأول من الدوائر الغربية إلى عناصر التنظيمات الإرهابية. رسائل الجولانى فى 2021 يبدو أن السعى الغربى للقاء الجولانى لم يكن من طرف واحد؛ ففى العام 2021 كان زعيم هيئة تحرير الشام يحاول هو الآخر الوصول إلى أى من الفاعلين فى دوائر صنع القرار الأمريكي. لذلك علينا التركيز على «حلقة أخرى» أو مسار آخر سلكه الجولانى للوصول إلى البيت الأبيض قبل وصوله إلى قصر الحكم.. وهو الجانب الذى كشفه المبعوث الأمريكى السابق إلى سوريا «جيمس جيفري». فى يونيو 2021، أجرى «جيفري» حوارا مع موقع «فرونت لاين» كشف خلاله «الأسباب التى منعت الولاياتالمتحدة من التخلص من الجولانى».. لكن الرسالة الأهم التى كشف عنها هى قوله فى الحوار نفسه: «تواصل معنا الجولانى عدّة مرات، وكان يريد فى كلّ مرة أن يخبرنا بأنه ليس إرهابيًا، كما أنّ تنظيمه لا يشكّل تهديدًا للولايات المتحدة، وأنهم فقط يحاربون النظام السورى». هنا نصل إلى تعريف الجولانى ومفهومه عن الإرهاب.. فالبراءة من الإرهاب بحسب الرسالة التى نقلها «جيفري» هى «ألا تشكل تهديدًا للولايات المتحدة». وهى الفكرة نفسها التى أكد عليها الجولانى نفسه فى حواره مع الصحفى الأمريكى مارتن سميث لموقع «فرونت لاين» فى العام نفسه. حلم الجولانى الذى حققه الشرع الوثائق المصورة والمنشورة حتى الآن تكشف أن «الشرع» دأب طوال سنوات سبقت سقوط نظام الأسد فى «ديسمبر 2024» على وصول رسالة واحدة إلى دوائر صنع القرار فى الولاياتالمتحدة؛ مفادها أن استهداف أراضيها ومصالحها ومصالح الحكومات الغربية ليست على جدول أعمال «هيئة تحرير الشام». كل هذه النقط جوار بعضها؛ تجعل مشهد لقاء «الشرع» الأخير مع الرئيس الأمريكى ترامب الأسبوع الماضى أمرًا منطقيا.. وحلمًا تمناه «الجولاني» وحققه «الشرع»! 1 3 4