يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21. تشير تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عدد أحكام الطلاق فى الحضر 10519 حكمًا عام 2023 تمثل ٪98.5 من جملة الأحكام مقابل عدد أحكام الطلاق فى الريف 164 حكمًا. فى سنة 2010 بدأت امرأة مصرية هى محاسن صابر، فى تأسيس إذاعة على الإنترنت بعنوان «مطلقات راديو»، هدف الإذاعة هو نشر الوعى بشأن حقوق المطلقات، والخدمات التى تقدمها الدولة لهن. بعد أن واجهت محاسن صابر، مصاعب اجتماعية وقانونية أدت إلى انتهاء زواجها بالطلاق، فقد قررت مساعدة الأخريات ممن يتعرضن لنفس التجربة. تقول محاسن صابر مؤسسة الإذاعة، إن الفكرة بدأت عام 2008 عقب مرورها بتجربة زواج انتهت بالطلاق، حيث بدأت بمدونة على الإنترنت روت فيها تجربتها مع الزواج والطلاق وأسبابه ومشكلاته، وكيف خاضت تجربة الوقوف فى المحاكم لانتزاع حقها وحق ابنها. وتضيف أن المدونة لاقت نجاحا كبيرا، وتعاطف الجميع معها، ولذلك فكرت جديا فى إنشاء إذاعة على الإنترنت لزيادة مساحة النقاش، واستيعاب هذا الكم الهائل من التفاعل والمشاركة، وفى العام 2009 بدأت فى إنشائها، وخلال سنوات قليلة بدأت فى الانتشار وأصبح لها الآلاف من المتابعين والمتابعات. وقالت إن الإذاعة لا تهدف إلى الربح، فهى تقدم برامجها من مقهى إنترنت فى محافظة الشرقية، كما أن الإذاعة تحاول مواجهة أحكام المجتمع ضد المطلقات، مثل تحميلهن مسؤولية انهيار الأسرة، وضياع مستقبل أولادهن، مع محاولة نقل مشاكلهن للمسئولين والبحث عن حلول لها. وتضيف أن البرامج التى تقدمها الإذاعة تحمل أسماء مرتبطة بواقع المطلقات مثل «قبل ما تقولى يا طلاق»، والذى يناقش طرق مواجهة المشكلات الزوجية التى تؤدى إلى الطلاق، وتعريف الزوجات بثقافة ما بعد الطلاق، وبرنامج آخر باسم «طليقك على ما تعوديه»، وفيه يتم استعراض تجارب لزوجين انفصلا لكنهما على تواصل وتعاون من أجل تربية الأبناء. ولا تقتصر الإذاعة على المطلقات وحدهن وإنما تقدم خدمات متنوعة وتلبى احتياجات أخريات بينهن متزوجات وآنسات، وتجذب الإذاعة التى تبث برامجها عبر الانترنت مساهمات نسائية من دول مختلفة مثل السعودية والسودان وإيطاليا وإسبانيا. الطلاق فى القرآن: تشريع الطلاق فى القرآن لا يعنى نهاية الزواج ولكنه محاولة للتوفيق بين الزوجين، فإذا لم يحدث ذلك أصبح الطلاق انفصالًا وتسريحًا للمرأة بمعنى إطلاقً لسراحها. الطلاق الأول: إذا أراد الزوج الطلاق فعليه استدعاء الشهود، فكما تزوج بشاهدين فعليه أن يطلق بشاهدين، وهنا يقرر القرآن أن تظل الزوجة فى بيت الزوجية خلال فترة العدة، ويحرص القرآن على نسب البيت لها حتى مع وقوع الطلاق، ولا تخرج من بيتها إلا فى حالة ضبطها متلبسة بالزنا: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الطلاق 1. وفى فترة العدة تعتبر زوجته ويجوز له أن يعاشرها، وإذا عاشرها فقد انتهى الطلاق وعادت بينهما الحياة، وعليهما إبلاغ الشاهدين بأن الموضوع انتهى. وفترة عدة المطلقة فى بيت زوجها هى مرورها بثلاث حيضات لتتأكد من وجود حمل، وعليها ألا تخفى حملها إن وجد: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاحًا) البقرة 228، وجاء الوصف (وَبُعُولَتُهُنَّ)، وليس أزواجهن، والفرق بين الزوج والبعل أن كلمة زوج فى القرآن تقال للرجل وللمرأة: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ..) البقرة 35، أما كلمة بعل فتعنى صاحب الأمر ويوصف بها الرجل الزوج فقط: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) النور 31. وإن لم تكن المطلقة تحيض أو بلغت سن اليأس ففترة عدتها ثلاثة أشهر، أما إذا ظهر أنها حامل فإن عدتها تستمر إلى أن تضع حملها: (وَالَّلائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَالَّلائِى لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق 4. فى نهاية فترة العدة وهى فى بيتها مع زوجها وبدون أن يعاشرها أو يتصالحا، يأتى الشاهدان ويقومان بتخيير الزوج بين أن يحتفظ بالزوجة بالمعروف، وتعود الحياة الزوجية بينهما ويحسب عليه أنه قام بتطليق زوجته مرة، وبين أن ينفصل عنها وتخرج من بيته الذى لم يعد بيتها، وتصبح حرة يمكن أن تتزوج فقد انتهت عدتها. ويحذر تعالى من أن يتمسك الزوج بزوجته ليوقع بها الأذى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) البقرة 231، (يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ) البقرة 231، والتحذير والتنبيه على التقوى والخوف من الله تعالى بهدف حفظ حقوق المرأة. كما يحذر تعالى من عضل الزوجة بمعنى منعها من الزواج بعد طلاقها أو اجبارها على الزواج بمن لا تريده: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة 232. وحكمة وجود الزوجة فى بيتها مع زوجها أثناء فترة العدة تعتبر فرصة للمراجعة، وبعدها يكون الانفصال، أو إعادة الحياة بينهما بالصلح أو بالمعاشرة بينهما أثناء العدة، فإذا حدث الصلح أو المعاشرة انتهى الطلاق. الطلاق الثانى: فإذا عادا إلى النزاع وطلقها للمرة الثانية، فسوف تتكرر نفس إجراءات الطلاق الأول من استدعاء الشاهدين وإعلان الطلاق أمامهما، وتظل فى بيتها فترة العدة، فاذا تصالحا قبل انتهاء العدة أصبح الطلاق الثانى ملغيًا، ويبلغان الشاهدين بانتهاء الطلاق قبل تمام العدة وقبل احتساب طلقة عليهما، أما إذا استمرا بدون صلح وبدون مراجعة وانتهت فترة العدة وحضر الشاهدان فيتم تخيير الزوج بين إمساكها بالمعروف أو فراقها بالمعروف، فإذا اختارا الاستمرار فى حياتهما الزوجية تحسب عليه طلقة ثانية: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة 229. الطلاق بغير رجعة: فإذا عادا إلى النزاع وطلقها للمرة الثالثة، يتم استدعاء الشاهدين، ولكن بعد أن تتم العدة لا يكون للزوج حق الاختيار فى الاستمرار مع زوجته لأنها صارت محرمة عليه، ولا يتزوجها إلا بعد أن تتزوج زوجًا غيره ثم يطلقها الزوج الجديد بنفس إجراءات الطلاق السابقة، بعدها يمكن للزوج السابق أن يتقدم لها ويتزوجها بعقد جديد: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا) البقرة 230، ولا يوجد فى القرآن ما تم تسميته بالمحلل. تشريع الطلاق يمكن أن يؤدى إلى إعادة الحياة الزوجية، ويمكن أن يؤدى إلى الانفصال النهائى، وإجراءات الطلاق تشمل حساب فترة العدة وهى تعيش فى بيتها مع زوجها، وبعد تمام العدة يكون التخيير: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) الطلاق 2، ولعل الله تعالى يحدث أمرًا فتعود الحياة بينهما. بعد الطلاق: يحرص القرآن على أن يكون بقاء الزوجة بمعروف وإطلاق سراحها بمعروف، مثلما يحرص على أن تكون معاشرتها بالمعروف، وسداد نفقة طلاقها بالمعروف، وحقوق الرضاعة لطفلها تكون بالمعروف، وكلها حقوق للمرأة يؤكد عليها القرآن ومنها حقها فى الصداق: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) النساء 4، وفى المؤخر: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة 241. وحقوق المطلقة المالية فى النفقة تكون بنفس المستوى المالى الذى يعيش فيه زوجها، ويمنع تعالى التضييق فى النفقة على المطلقة: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) الطلاق 6. ويؤكد تعالى على أن تكون النفقة حسب قدرة الرجل المالية: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق 7. والمطلقة إذا ولدت فمن حقها النفقة لنفسها وللرضيع: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) البقرة 233، وأن يتم تقدير ذلك بالمتعارف عليه بالعدل ومناسب للحالة المادية للرجل بحيث لا يحدث ضرر بالأب أو بالأم، فإذا مات الوالدان أو أحدهما كان على الوارث القيام بتنفيذ المطلوب، وفى كل الأحوال فإنه تعالى يراقب الجميع وعليهم تقوى الله. إن آيات التشريع فى القرآن تدعو إلى التقوى وأن يتعامل المؤمن مع الله تعالى بأن يخشاه وحده، لذلك على الطرف الأقوى وهو الرجل أن يتذكر أن الله تعالى أقوى منه فيتقيه ويخشاه ويطمع فى فضله وفى رزقه، ويعطى المرأة حقها باعتبارها الطرف الضعيف الذى يتعرض للظلم.