كواليس الجلسة الافتتاحية لمجلس الشيوخ.. محمد أبو العلا رئيسا ومحمد طارق نصير وأحمد خالد وكيلان    الدكتورة غادة البدوي تتسلم كارنيه عضويتها بمجلس الشيوخ عقب تعيينها بقرار رئاسي    بالصور.. وزيرا الري والتعليم العالي يشهدان فعاليات الجلسة الختامية لمسابقة مشروعات التخرج    طنطا تستقبل عشرات الزوار من السودان للمشاركة في الليلة الختامية لمولد السيد البدوي    مدبولي يتابع موقف العقارات المعرضة للانهيار بالإسكندرية وجهود توفير بدائل لسكانها    رئيس حي المعادي يضع خطة لتطوير حديقة الأبطال وميدان العرب    استكمالًا لخطة الحماية الاجتماعية: تسليم 219 جهازًا تعويضيًا وكرسيًا متحركًا للمرضى غير القادرين بأسوان    فعاليات بيئية وترفيهية واسعة بمهرجان النباتات الطبية والعطرية ببني سويف    سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعلن إرجاء فتح معبر رفح    القافلة الثانية عشرة التي يشرف عليها التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي تستعد للانطلاق نحو غزة    الكرملين: روسيا مستعدة لتقديم كل المساعدة اللازمة للشعب الفلسطيني    سعد شلبي: الأهلي سدد الأقساط الخاصة بأراضي الفروع.. ورعاية الأهلي بالدولار    فيريرا: لم أعد بحصد كل البطولات.. ومن الوارد الاستعانة ب معد نفسي    مدافع بيراميدز: نتمنى أن يحالفنا التوفيق للتتويج بكأس السوبر الإفريقي    أحمد فوزي يقود هجوم طنطا أمام مالية كفر الزيات في دوري المحترفين    تعرف على تعديلات لائحة النظام الأساسي للنادي المصري    «سيدات يد الأهلي» يواجه «فلاورز البنيني» بربع نهائي بطولة إفريقيا    بطلها حسام عبد المجيد.. صفقة تبادلية بين الزمالك وبيراميدز    موعد مباراة المصري والاتحاد الليبي في كأس الكونفدرالية الأفريقية.. والقنوات الناقلة    طقس اليوم.. الأرصاد: أجواء خريفية مائلة للبرودة على أغلب الأنحاء    قرار جمهوري بترقية اسم الشهيد اللواء حازم مشعل استثنائيا إلى رتبة لواء مساعد وزير الداخلية    الشروط والتخصصات.. «الصحة» تفتح باب التقديم للبعثة الطبية للحج 2026    29 أكتوبر.. الحكم على أوتاكا في اتهامه بنشر محتوى خادش    بتول عرفة: الفن المصري فاز بشباب موهوبين ويفرحوا القلب بمهرجان نقابة المهن التمثيلية    وائل جسار على مسرح النافورة وفؤاد زبادي بالجمهورية والحلو في الإسكندرية في ثالث ليالي الموسيقى العربية    اكتشاف كبسولة رصاصية نادرة تحتوي على مجموعة عملات تاريخية في حي وسط الإسكندرية    ريم مصطفى تخوض منافسات رمضان 2026 بمسلسل "فن الحرب" أمام يوسف الشريف    برنامج عروض مهرجان أسوان احتفالًا بتعامد الشمس (تفاصيل)    «حظهم وحش».. 3 أبراج تفشل في العلاقات والحب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-10-2025 في محافظة الأقصر    محافظ الفيوم يستقبل نائب وزير الصحة لبحث آليات تطوير الخدمات الطبية بالمحافظة    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    373 مستوطنا يقتحمون باحات المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال    بيان عملى وتوعية ميدانية.. الحماية المدنية تستقبل طلاب مدرسة بالمنوفية    كيف ظهرت سوزي الأردنية داخل قفص الاتهام فى المحكمة الاقتصادية؟    كامل الوزير: تجميع قطارات مترو الإسكندرية بنسبة 40% تصنيع محلى    الأمن السوري يلقي القبض على ابن عم بشار الأسد    مدرب منتخب المغرب للشباب: سنقاتل أمام الأرجنتين للفوز بكأس العالم    عمرو الورداني: مصر قادرة على إطفاء نيران الفتن وصناعة السلام بشرف وعدالة    الحكومة: الانتهاء من كل الاستعدادات لافتتاح المتحف المصرى الكبير خلال أيام    انطلاق احتفالية قوات الدفاع الشعبي والعسكري تحت عنوان "ويثبت أقدامكم"    طلاب صيدلة بني سويف يزورون مستشفى 57357 ويدعمون الأطفال    بعد ملاحظات الرئيس.. النواب يؤجل تطبيق قانون الإجراءات الجنائية إلى 2026    الداخلية تكشف ملابسات فيديو سائق ميكروباص بالبحيرة رفع الأجرة وحمّل ركابًا أكثر من المقرر    الداخلية تكثف حملاتها لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز    انطلاق قمة مؤتمر الاستثمار العربي الإفريقي والتعاون الدولي الأحد    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    الأولى من نوعها.. جامعة أسيوط تنجح في أول جراحة باستخدام مضخة "الباكلوفين" لعلاج التيبس الحاد بالأطراف    شوقي علام: سأنضم للجنة الشئون الدينية بالشيوخ لمواصلة الجهد الوطني في مجال الدعوة    الصحة تنصح بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويًا    جامعة الشارقة: تقليل هدر الطعام يمثل أحد أكثر الإجراءات فعالية في مواجهة التغير المناخي    التحالف الوطني يستعد لإطلاق قافلة دعم غزة 12 لدعم الأشقاء في فلسطين    الأقصر تفتح أبواب المعرض الرابع للكتاب بمشاركة 15 دار نشر من حول مصر    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. تنظيم قوافل دعوية بالفيوم تناقش «مخاطر التحرش وآثاره»    ترامب يعتزم لقاء مودي خلال قمة آسيان    مشكلة الميراث    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا من «سيدى بشر»: شاهدة على بداية التطرف فى الإسكندرية

زارنا صديق أخى طالب الطب واتهم الأقباط بتحريف المصحف.. بعدها تسربت أفعى التعصب
الجريمة البشعة التى ارتكبت فى كنيسة القديسين فى شارع خليل حمادة فى سيدى بشر ليلة رأس السنة بقدر ما أشعلت نار الغضب فى قلبي، فقد أثارت ذكريات بعيدة.. عشت فى سيدى بشر سنوات طويلة وظلت علاقتى بهذا الحى قوية حتى رحل والداى عن الحياة ومعهما أجمل ما فى العمر.

أتابع بفيض من الألم والغضب تفاصيل الحادث الدنيء وتعود إلى ذاكرتى صورة أصدقاء الطفولة فى سيدى بشر.. «ألبير» و«جون» و«تاكى» و«سامي سمعان» وشقيقته «جانيت» و«روحية» و«ماجدة» و«سونة» و«نعمة»، سكان نفس الشارع أصدقائنا وصديقاتنا المقربين.. يوميًا نتناول إفطارًا متعجلاً ثم نسرع مع أصدقائنا فى الشارع إلى بلاج أبو هيف أو الطاحونة أو سيدى بشر نمرة 2، وفى البلاج ينضم إلينا أصدقاء وصديقات آخرون من شوارع قريبة صديقات الأمس واليوم «عايدة» و«إبداع» و«سعدية» و«صلاح» و«سامية».. تتجاور الشماسى وتتوالى الضحكات والحكايات.. كثيرًا ما يستأجر «سامي» بليسوار فنتسابق إلى امتطائه فيفلح البعض ويفشل البعض الآخر ويسقط بين الأمواج، لحظات من المرح البرىء فالجميع سباحون مهرة.

لم يخطر ببالى يومها أن أعرف إلى أى دين ينتمى هذا الصديق أو تلك الصديقة، وإذا عرفت لم يكن ذلك يؤثر على علاقتنا على الإطلاق، وما زلت أحمل جمرة من الحزن فى أعماقى على «بولا» واحدة من صديقات الطفولة بالحي، كنا نلتقى يوميًا ونعتز بأننا نحمل نفس الاسم «بولا»، اسم التدليل الذى تنادينى به العائلة والأصدقاء، كانت مسيحية وأنا مسلمة وكنا كالتوءم نذهب معًا إلى السوق والبحر وأماكن تجمع الأطفال، والد «بولا» كان طبيبًا ومع ذلك توفيت وهى فى العاشرة من عمرها بعد إصابتها بمرض ما.. لم يستوعب عقلى الصغير كيف تموت طفلة فى هذا العمر.
فى حى سيدى بشر تمت أجمل سنوات العمر.. الحب الأول.. الخطوبة.. الزواج.. ميلاد ابنى وابنتى.. أعياد الميلاد.. 5 حفلات زفاف أشقائى.. ما كنا نترك مناسبة إلا ونجتمع فيها ونتبادل النكات والقفشات، بالفعل كانت الستينيات زمنًا رائقًا.

أتذكر أن أبناء الحى جميعًا كانوا يعرفون بعضهم البعض ، ويتحادثون، بنات وصبيان ببساطة، وكل وصبى ، مسلمًا أو مسيحيًا كان يعتبر نفسه راعيًا وحاميًا لكل بنات الحى.. فى الخمسينيات والستينيات كانت مصر تتغنى بأغانى عبد الوهاب وأم كلثوم وليلى مراد وعشرات المطربين المميزين، وتتابع بفرح وبهجة مسرحيات فؤاد المهندس وإسماعيل ياسين وفرقة الريحانى والمسرح العسكرى. فى سيدى بشر تعلمنا الحب من أغانى عبد الحليم، كنا نسمعها فتتحول الصورة من أبيض وأسود إلى ألوان، يصبح البحر أزرق والسماء صافية بنفس لونه وتداعب نسمات الهواء على الشاطئ شعورنا وحليم يصدح و«الشعر الحرير على الخدود يهفهف ويرجع يطير».. وتتدافع ضربات القلوب على إيقاع الألحان والكلمات الجميلة.

هل يطرب الجيل الجديد لسماع أغانى اليوم كما كنا نطرب لأغانى حليم؟! لا شك أن كل جيل يعرف الحب، ولكن أفرادًا قلائل يرتكبون الجرائم باسم الحب.. حب الدين.

انتهت الستينيات ومع بداية السبعينيات اندلعت شرارة التطرف، وفى سيدى بشر زارنا صديق لأخى طالب فى كلية طب الإسكندرية ومن أبناء الحي، وراح يهرف بعبارات غريبة تتهم الأقباط بتحريف المصحف و... إلخ، واندلعت المظاهرات فى كلية الهندسة بالشاطبى أولًا ثم انتقلت إلى كلية الطب، يا إلهى .. كيف تسربت أفعى التعصب إلى العقول النابغة وخيرة شباب السبعينيات.. إلى طلبة الكليات العملية التى توجناها بلقب كليات القمة؟! كيف استسلم أولئك الطلبة إلى فحيح أفاعى التعصب وأعلنت فتيات نابهات فى كلية الطب تراجعهن عن الدراسة «لأن عمل المرأة حرام».. وأطلق شبان عباقرة لحاهم وأجبروا زميلاتهم على ارتداء الحجاب وبدأ مسلسل التراجع إلى العصور المظلمة.

شرارة التعصب انطلقت من أجمل مدينة فى مصر، عروس البحر المتوسط التى كانت قبل السبعينيات الملاذ والحضن الدافئ للأوروبيين الفارين من أهوال الحربين العالميتين الأولى والثانية.. وفى الشاطبى وكامب شيزار عاش السكندريون جنبًا إلى جنب مع الطليان واليونانيين والأرمن فى انسجام يعزفون سيمفونية التآلف والتعايش التى شهد بها العالم كله.

فى الإسكندرية ولد وعاش الشاعر اليونانى «كفافيس» الذى لقب بروح الإسكندرية النابضة» و «شيخ الإسكندرية» وعمل لمدة ثلاثين عامًا موظفًا فى وزارة الرى المصرية، وتدرج فى سلم الوظيفة، فأصبح كاتبًا بمرتب قدره سبعة جنيهات، ثم بلغ مرتبه أربعة وعشرين جنيهًا، كما عمل سمسارًا فى بورصة القطن «كفافيس» كتب فى الإسكندرية أروع قصائده التى جعلته واحدًا من أعظم شعراء القرن العشرين. فى الإسكندرية عمل الكاتب الإنجليزى «لورانس داريل» لفترة كملحق ثقافى فكتب «رباعية الإسكندرية» التى رشحته للفوز بجائزة نوبل وتعتبر واحدة من أفضل مائة رواية إنجليزية فى القرن العشرين.

الإسكندرية كانت أول مدينة مصرية تستقبل المسيحية وتحتضنها وتدافع عنها، وكان ذلك بعد حوالى عشرين عامًا من صعود السيد المسيح عندما وصل القديس مارمرقس، كاتب أول إنجيل إلى الإسكندرية، وانتشرت المسيحية فى كل أنحاء مصر خلال نصف قرن على تعاليم القديس الشهيد مارمرقس الذى لم يرحمه الجنود الرومان وساموه العذاب وجروه من قدميه وجابوا به شوارع الإسكندرية.

وفى الإسكندرية ولدت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية المقر الأساسى لكرسى مار مرقس رسول المسيح وعاصمة الكرازة المرقسية عامة، وقد ظلت مقرًا للرئاسة الدينية منذ القرن الأول الميلادى حتى نقل مقر الكرسى إلى الكنيسة المعلقة بمصر القديمة فى القرن الحادى عشر، وظلت تنتقل من الجمالية إلى الغورية ثم السيدة زينب ثم فم الخليج إلى الأزبكية حتى بنيت الكاتدرائية الحالية بالعباسية عام 1964 فى عهد البابا كيرلس السادس وحضر افتتاحها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

وفى الإسكندرية شيدت أول مدرسة مسيحية فى العالم- حوالى عام 190م التى أصبحت أهم معهد للتعليم الدينى فى المسيحية، وكثير من الأساقفة البارزين من عدة أنحاء فى العالم تم تعليمهم الأمور اللاهوتية فى تلك المدرسة، إلى جانب علوم أخرى.

فماذا حدث للإسكندرية؟

لماذا انقلبت على المسيحية وأصبحت جرائم الاعتداء على الإخوة المسيحيين تتكرر فى محرم بك وميامى بالإسكندرية، وأخيرًا فى سيدى بشر، وتندلع المظاهرات حول مسجد القائد إبراهيم كل أسبوع ؟!

هل تغيرت طبيعة أهل الإسكندرية من الانطلاق والتحرر وسعة الأفق إلى التجمد والتعصب وضيق الأفق؟ هل صدّقوا ما ردده بعض المغرضين نقلًا عن تنظيم القاعدة عن وجود أسلحة داخل الكنائس؟

أرجو أن يعى السكندريون خطورة سلبيتهم خاصة بعد ذلك الحدث الجلل، وأن يتكاتفوا ويعلنوا بكل الوسائل الواضحة رفضهم للإرهاب ولقتل الأبرياء وترويع المواطنين، كفانا شجبًا وإدانة وبكاء على اللبن المسكوب، ولنتحرك إلى الفعل العاجل الحازم، ولا يكفى أن تدين الأحزاب المصرية الاعتداء الإرهابى على كنيسة القديسين بالإسكندرية بل عليهم التواجد فى المنطقة وتنظيم لقاءات شعبية مع أبنائها، وشرح أبعاد القضية وعواقبها سياسيًا واجتماعيًا ومواساة أهالى الضحايا ومساعدتهم على تخطى محنتهم ماديًا ونفسيًا، وليتهم يتفقون على تنظيم مسيرة حاشدة مدة ترفع لافتات الإدانة وتعلن الرفض لكل صور الإرهاب والتعصب، كذلك لا يكفى أن تعلن الحكومة إصرارها على تعقب الجناة وتصف الحادث بالعمل الإجرامى الذى يستهدف شعب مصر مسلميه وأقباطه فى إطار مخطط خارجى يستهدف وحدة مصر وأمنها، بل لابد من اتخاذ إجراءات وقرارات سريعة تلقن الجناة درسًا فى التضامن والتكاتف والاعتزاز بكل المواطنين ولتتكون لجنة لدراسة قانون بناء دور العبادة الموحد الذى ننتظره منذ سنوات يشارك فيها أعضاء مسيحيون من أكثر من طائفة، وتفعيل التوصيات بتعديل المناهج التعليمية وعلى تليفزيون الدولة أن ينشط لتقديم برامج تتصدى لأباطيل المتعصبين من الجانبين وتوعيتهم بحقائق الأديان.

لقد كنا نفخر بتجاور الكنيسة والجامع فى شارع خليل حمادة، ولكن جريمة رأس السنة استهدفت هذه الجيرة لتشعل نار الفتنة وتؤججها بتجاور المعبدين، «فاللوكيشن» ممتاز ويناسب تمامًا المسرحية التى يؤلفونها منذ عقود مسرحية الحرب الأهلية بين مسلمى مصر ومسيحييها.
وأخيرًا.. ماذا تم بحادثة الكشح وحادثة محرم بك وأحداث الشغب بمنطقة 45 بميامى بالإسكندرية، ومن قبلها أحداث الخانكة والزاوية الحمراء فى سبعينيات القرن العشرين وأحداث نجع حمادى الشهيرة التى وقعت ليلة عيد الميلاد 2010 ووقع فيها ستة قتلى أقباط وشرطى مسلم.. هل أخذت العدالة مجراها أم ما زالت تبحث عن إبرة فى كوم قش؟!
2
3


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.