قبلنا الهدنة بصبر جميل، ولم نحن الرؤوس إلا بقدر. يحنى المؤمن رأسه أمام قضاء الله الذى لا راد لقضائه، وأن كل ما يزيد من شدة المصاب أن القضاء حق وجيوشنا على أتم صحة وعافية. وكان جميلا من سعادة عزام باشا أن يعلن فى الصحف أن الهدنة لا يمكن أن تدوم وأن حل قضية فلسطين لن يكون إلا بالقتال.. جميل منه أن يقول ذلك فهو رجل مجاملات وهو دائما الأول فى موكب المعزين والمولين. ولكن ما ليس جميلا منا ولا من عزام باشا أن تعاود الروح جسد الفقيد وبدلًا لإنقاذه بل تعمد إلى إهالة التراب عليه وزاد فى إسالة الدمع الغزير وفى إلقاء المراثى وتبادل التعازى.. وقد عاودت الروح جسد فلسطين يوم خرق اليهود الهدنة لأول مرة والثانى وثالث- ورابع.. وخامس مرة، وكان ممكن أن تتخذ من خرقهم للهدنة حجة واضحة بينة ترد بها عنا قضاء الدول الكبرى، فتعاود القتال.. الأمر أقسى وأشد مما كان، ولكنا تمسكنا - كعادتنا - بصدق الوعد وبكلمة الشرف فاكتفينا بالاحتجاج... الاحتجاج لدى من؟ لدى إنجلتراوأمريكاوروسيا وأوكرانيا وبقية دول الهيئة الموقرة، عن طريق وسيطها الكونت الموقر. الاحتجاج لدى إنجلترا التى قال عنها أخيرا أحد زعماء العرب أن موقفها منا يدعو إلى الرثاء وأنها لم تكن حليفة لنا لا فى الحرب ولا فى السياسة.. والاحتجاج لدى أمريكا التى لم تكلف نفسها حتى التمسك بفضيلة الحياء فأعلنت حكمها قبل أن تجلس على منصة القضاء وتواطأت علنا مع اللص ضد صاحب الدار.. والاحتجاج لدى روسيا التى تحارب مبادئها وسياستها وأطماعها فى بلادنا لحق لها أن تحاربنا وتحتضن أعداءنا وتسلط علينا نارها وآلاتها. الاحتجاج لدى هيئة لم تكن فى يوم من الأيام معنا، ولم تنصرنا على عدو من أعدائنا، ولم تعترف أبدا بحق من حقوقنا بل لم تعترف بنا كدول يصح أن يكون لها حقوق.. هل ينتظرون أن ترسل أمريكا قلاعها الطائرة وترسل بريطانيا أسطولها المهول لمعاقبة اليهود على خرقهم للهدنة، أم أنهم يحتجون لمجرد عمل شىء والسلام؟ هل ينتظرون أن يتدخل الكونت برنادوت بقوته العسكرية والسياسية فيضرب على أيدى اليهود ويؤدبهم جزاء لهم على عدم احترامهم له ولهيبته ووقاره أم أن سوابق الكونت أقنعتهم بأنه لا أمل فى أن يتحرك جنابه ولو من باب التظاهر بالتحرك!! إن العالم لا يؤمن بأن السلام يقتضى - مصداقا لقول المسيح - أن تدير خدك الأيسر لمن يضربك على خدك الأيمن، ومن باب أولى لا يؤمن بمن يضرب على خده الأيمن أن يدير خده الأيسر ثم يدير قفاه. قد خرق اليهود الهدنة فى الجبهة الشمالية، ثم خرقوها فى الجبهة الجنوبية فهل تدير لهم بعد ذلك الجبهة الشرقية؟ إن استئناف القتال اليوم حق لنا، حق يقره لنا العالم وتقره لنا تقاليد الحروب، وتقره الهدنة نفسها التي قبلناها علي أساس أن تحترم، فإن لم نحترم فقد حق القتال. فلنعلنها اليوم حربا.. حربا تتجمع فيها صفوفنا وتتوحد قيادتنا وتتألف قلوبا، ونفى فيها مستقبلنا لنذكر حاضرنا وكرامتنا وعزتنا وحقوقنا.. ولنطلق خطى جيوشنا لتتقدم وتكتسح وننتقم لكل امرأة تلم شرفها، وكل حبلى بقر بطنها، وكل رضيع وكل شيخ ذبح. لنعلنها على اليهود وعلى من فينا من شيخ ذبح. المترددين المماطلين الذين اتخذوا من الأعداء أسيادا ومرغوا ذقونهم البيضاء فى وحل الإنجليز ومندوبى الإنجليز. لنعلنها حرباً، فالسكوت على الضعف ضعف، والحلم على الشر.. شر!!. 1