كثيرة هى البرامج التى تبث يوميا عبر الشاشات، بعضها يقدم معلومة تفيد المشاهد وتضعه فى الصورة التى من خلالها يعرف ما يدور فى بلده، وبعضها الآخر يسير على وتيرة البحث عن التريند الملعون، لذلك يشعل الأمور (ويجعل من الحبة قبة) ما يساعد فى خلق مناخ غير صحى بالمرة. بالمناسبة مثل هذه البرامج عمرها قصير على الشاشة، لأن المشاهد سرعان ما يكتشف سوء نية من يقدمونها، ويفضحهم انحيازهم لرأى معين أو جهة معينة أو حتى نادٍ، فيفقد عن قصد وتعمد أهم صفة يجب أن يتميز بها أى إعلامى بمجرد طلته علينا عبر الشاشة، وهى الحياد التام فى جل ما يطرحه من نقاش حول محتوى الحلقة أو القضية التى يطرحها. رغم أن هناك مواصفات ومقومات لا بد من توفرها لدى مقدم البرامج، وأن هناك أيضا فرقًا نوعيًا بين المواصفات المطلوبة لدى المذيع التليفزيونى عن المواصفات الواجب توافرها لدى المذيع الإذاعى، كما أنّ هناك اختلافًا شاسعًا فى مواصفات كلٍّ من مقدم البرامج السياسى والمذيع الاقتصادى، وتختلف كليا عن مواصفات مقدم البرامج الرياضى أو الفنى. لكن هناك بعض المواصفات العامة، والمشتركة فى المجالين (التليفزيونى والإذاعى)، التى يشترط وجودها لدى المقدم أو المذيع مهما اختلفت الوسيلة الإعلامية التى يعمل بها، وذلك حتّى يضمن نجاحه وتميزه، مثل الثقة بالنفس والثقافة الواسعة والموهبة والقدرة الدائمة على الاطلاع على كافة المستجدات لكى يكون ملما بجميع جوانب الموضوع الذى يتصدى لمناقشته، بالإضافة إلى تمتعه بالصبر وسعة الصدر وتمالك أعصابه مع ضيوفه حال خروجهم عن مضمون الحوار، بخلاف إتقانه للغة العربية والتزامه بالمصداقية والشفافية فى جل ما يقوله، ملتزما فى ذلك بالقوانين والتشريعات التى تنظم العمل الإعلامى وتراعى القيم والآداب العامة. هذا هو المفروض والواجب الذى يجب أن يتميز به أى إعلامى، ولكن الواقع وما نشهده حاليا غير ذلك تماما، فقد ابتلينا بالبعض من مقدمى برامج يزايدون على أنفسهم قبل أن يزايدوا على من يشاهدهم، فواحد من هؤلاء يطالب مشاهديه بالاستغناء عن شراء أى مواد غذائية مرتفعة الثمن متغافلا أن كافة هذه المواد ارتفع ثمنها، ثم يعود ويقول فى نفس الوقت أن الساحل الشمالى ليس للأغنياء فقط، حيث هناك وحدات سكنية منخفضة الأسعار، وصل سعر المتر الواحد فيها إلى 130 ألف جنيه (بالطبع ليس لى من تعليق).. وآخر يصول ويجول ضد الغلاء وارتفاع الأسعار، ولكنه فى نفس الوقت يصور نفسه على الهواء وهو يلتهم أطيب الطعام وأغلاه سعرا، دون مراعاة للمشاهد الذى يتحدث باسمه، مطالبا برفع المعاناة عنه وعن أسرته. السطور السابقة قليل من كثير من الأداء الإعلامى غير المسئول مما يعرض ويقدم على الشاشات الفضائية، ولكن تبقى الطامة الكبرى فى البرامج التى تقدم المحتوى الرياضى، التى فشلت بجدارة واستحقاق فى التركيز على المعنى الحقيقى للتنافس الرياضى الشريف، بعد أن اقتحمتها وصلات الردح والشتائم والمعايرة، سواء من قبل المقدمين أو المحللين، لتصبح المصالح الذاتية هى السمة الغالبة، خاصة وأن أغلب العاملين فى هذا المجال غير مؤهلين من الأساس، يكفى كونك مجرد رياضى أو نجم معتزل أن تتصدر الشاشة، هؤلاء يتعمدون استضافة ضيوف بعينهم لإثارة الجدل فيما بينهم، تحقيقا لنسب مشاهدة عالية، ولم يضع هذا أو ذاك صالح الرياضة أو الجماهير التى تشاهدهم فى حسبانهم، المهم الشو وإثارة الجدل، فبات ضررهم أكثر من نفعهم على الرياضة المصرية، الغريب أن أغلب القائمين على القنوات الفضائية أدركوا مدى تأثير الرياضة على جماهير المشاهدين، فقرروا من جانبهم فتح الباب على مصراعيه للبرامج الرياضية وخصصوا لها العديد من ساعات السهرة على حساب البرامج الأخرى، لنشاهد مجبرين (أبو ضفيرة) وهو يحدثنا عن أفول هذا النجم وضعف مستوى لاعب أجمع الجميع على ارتفاع مستواه، ولا يغفل فى كل حلقة أن يذكرنا بنتيجة فوز ناديه التاريخى على منافسة التقليدى بستة أهداف لواحد، رغم أنه يتناسى عن قصد طرده لسوء سلوكه وليس مستواه.. وآخر ليس له علاقة بالرياضة أصلا يستضيف لاعبا سابقا يتهكم على ناد منافس بأنه كبير فى المساحة وليس الرياضة. أمثال هؤلاء الذين يتم وصفهم زورا وبهتانا أنهم إعلاميون، لا هم لهم سوى التحريض على العنف والكراهية، وفى النهاية يكون المشاهدون هم الضحية، خاصة أن البعض منهم قلة الوعى عنده (بعافية شوية) ما يساعد فى نشر التعصب والفتن بين أبناء الشعب الواحد. وسواء فى الرياضة أو فى أى مجال آخر، سيظل الإعلام هو الخاسر، ولن يستفيد شيئا من إثارة الفتن ونشر روح التعصب، بين قطاعات عريضة من الجماهير، وفى ظل ظروف اقتصادية صعبة، من الوارد أن يستغلها البعض من أصحاب الغرض والمرض لتحقيق مصالح خاصة، ما يشكل تهديدا مباشرا على الأمن القومى للوطن وسلامه الاجتماعى، طالما كان هناك البعض ممن لا يعرفون قيمة دورهم حين يمسكون بميكرفون يتحدثون من خلاله للناس.