بينما يستعد الأطفال لعامهم الأول ويومهم الأول فى المدرسة فى العديد من بلدان الشرق الأوسط، يُحرم ما لا يقل عن 45 ألف طفل فى السادسة من العمر فى قطاع غزة من هذا الحق، الغالبية العظمى منهم نزحوا من منازلهم ويواجهون معركة يومية من أجل البقاء. سيعود جميع الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم بصورة طبيعية لاستكمال مساراتهم التعليمية، من أجل الوصول إلى الغاية المنشودة، وهى تحقيق الآمال والأهداف المختلفة، إلا أن بقعة فى العالم لا تتجاوز مساحتها 360 كم2 وهى قطاع غزة، سيحرم الطلاب فيها من أحد حقوقهم التى كفلتها لهم المواثيق والأعراف والقوانين الدولية، وهو الحق فى التعليم, للعام الثاني، بسبب الحرب الطاحنة التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى على القطاع منذ السابع من أكتوبر الماضي، والتى كانت سببًا فى عرقلة رحلة التعليم لطلاب قطاع غزة على مدار عامين دراسيين متتاليين.
كان من المقرر أن يبدأ العام الدراسى الجديد فى جميع أنحاء دولة فلسطين اليوم، لكنه لم يُستأنف فى قطاع غزة حيث يستمر النزاع العنيف فى إحداث خسائر فادحة فى صفوف الطلاب والمعلمين والمدارس فى غزة. ينضم طلاب الصف الأول إلى 625 ألف طفل حُرموا بالفعل من عام دراسى كامل، ومع استمرار النزاع، يواجهون خطرًا كبيرًا لقضاء عام ثانٍ بدون تعليم. وحسبما نشرت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، فإن الطلاب فى قطاع غزة لن يذهبوا إلى مدارسهم مرة أخرى هذا العام الدراسي، وذلك لأسباب مختلفة من بينها أن الأطفال فى قطاع غزة لم يعودوا مستقرين كما كانوا قبل السابع من أكتوبر، بسبب نضالهم اليومى مع عائلاتهم من أجل التشبث بالحياة والبحث عن أبسط حقوقهم فى إيجاد مكان آمن يحتمون به من القصف الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة. وعلى الرغم من هذه الاحتياجات الهائلة والحرجة، لا يزال التعليم أحد أقل القطاعات تمويلًا فى النداءات الإنسانية. فى دولة فلسطين، يواجه برنامج التعليم التابع لليونيسف فجوة تمويلية بنسبة 88 فى المائة. ومنذ اندلاع الحرب فى 7 أكتوبر الماضي، توقفت الدراسة فى قطاع غزة وتحولت المدارس إلى ملاجئ ومراكز إيواء، غير أن كثيرًا منها طالها القصف، وتضررت بشكل كبير وباتت فى حاجة إلى الصيانة وإعادة البناء. ويحذر العاملون فى المجال الإنسانى من أن الحرمان المطول من التعليم يهدد بإلحاق أضرار طويلة الأمد بأطفال غزة. ووفق تقرير لمنظمة «يونيسيف»، فقد حُرم 625 ألف طفل فى سن الدراسة من عام دراسى كامل، وبالنظر إلى وضعية المدارس المدمرة، فإن هذه السنة لن تشهد عودة التلاميذ للدراسة. وفى مسعى لتجاوز هذه الأضرار قالت منظمة «يونيسف»، إنها تولت مع وكالات الإغاثة الأخرى إدارة 175 مركزًا تعليميًا مؤقتًا، تم إنشاء معظمها منذ أواخر مايو الماضي، وخدمت حوالى 30 ألف طالب، مع حوالى 1200 مدرس متطوع، يقدمون دروسًا فى القراءة والكتابة والحساب، بالإضافة إلى أنشطة الصحة النفسية والتنمية العاطفية. وأضافت أن الأطفال فى قطاع غزة فقدوا منازلهم وأفراد عائلاتهم وأصدقاءهم وسلامتهم وروتينهم، كما فقدوا أيضًا الملاذ والتحفيز الذى توفره المدرسة، مما يعرض مستقبلهم المشرق لخطر الانطفاء بسبب هذا النزاع الرهيب. ووفق معطيات الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطيني، لم يتمكن نحو 80 ألفًا و568 من طلبة الجامعات والكليات بغزة، من الالتحاق بمؤسساتهم التعليمية، فيما افتتح عدد قليل من جامعات غزة الدراسة إلكترونيًا. خطر متزايد بالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، أدى تعطيل تعليمهم إلى خلق حالة من عدم اليقين والقلق. بدون التعليم، يتعرض الشباب لخطر متزايد من الاستغلال وعمالة الأطفال والزواج المبكر وأشكال أخرى من الإساءة، والأهم من ذلك أنهم معرضون لخطر الانقطاع عن المدرسة بشكل دائم. أما بالنسبة للأطفال الأصغر سنًا، فإن غياب التعليم يهدد نموهم الإدراكى والاجتماعى والنفسي. يبلغ الآباء عن تأثيرات كبيرة على الصحة العقلية والنفسية والاجتماعية بين الأطفال، بما فى ذلك الشعور بالإحباط والعزلة المتزايدة. ويتأثر الأطفال فى الضفة الغربية، بما فى ذلك القدسالشرقية، أيضًا مع بدء العام الدراسي. لقد أدى تزايد العنف والقيود المفروضة على الحركة منذ أكتوبر 2023 إلى خلق حواجز تعليمية جديدة ل 782 ألف طالب هناك. تشير البيانات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم ومجموعة التعليم إلى أنه فى أى يوم منذ أكتوبر 2023، تم إغلاق ما بين 8 و20 فى المائة من المدارس فى الضفة الغربية. وحتى عندما لا تكون المدارس مغلقة، فإن الخوف من العنف والقيود المفروضة على الحركة والمخاوف المتعلقة بالصحة النفسية دفع العديد من الطلاب إلى التغيب عن المدرسة، مما أدى إلى المزيد من فقدان التعلم. ويعيش الأطفال فى قطاع غزة واقعًا مريرًا جراء الحرب الدائرة منذ أحد عشر شهرًا، فللعام الثانى على التوالى يُحرم أكثر من 600 ألف طفل فى القطاع من التعليم، بحسب وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئى فلسطين (الأونروا). وقالت الوكالة فى تقرير لها إن التعليم الرسمى غير متاح فى أى من مدارسها فى قطاع غزة والبالغ عددها 200 مدرسة، حيث يتم استخدام العديد منها كملاجئ للفلسطينيين النازحين، وإن أكثر من 600 ألف طالب يحرمون من التعليم الرسمى لمدة عام آخر. وأكدت الوكالة أن فرقها لا تزال تقدم أنشطة ترفيهية ودعمًا نفسيًا واجتماعيًا فى بعض مدارسها. وقالت الوكالة إن الأطفال فى غزة يعانون من أسوأ آثار الأزمة الإنسانية هناك، بما فى ذلك خطر تفشى الأمراض، مشيرة إلى استمرار الجهود لتحصين الأطفال ضد مرض شلل الأطفال. يأتى هذا فى وقت أفاد فيه مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية بأن المرحلة الثانية من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال اختتمت فى جنوبغزة. وقال المكتب إنه تم الوصول إلى أكثر من 256 ألف طفل دون سن 10 سنوات فى خان يونس ورفح على مدى أربعة أيام خلال المرحلة الثانية من حملة التطعيم. وأضاف أن الجولة الأولى من الحملة اكتملت بنسبة 70 فى المئة تقريبًا، إذ تم تطعيم أكثر من 446 ألف طفل من أصل 640 ألف طفل مستهدفين خلال هذه الجولة الأولى، مفيدًا بأنه من المتوقع أن تبدأ الجولة الثانية من التطعيم فى غضون أربعة أسابيع تقريبًا. أوامر الإخلاء وأضاف المكتب الأممى أن من بين المتضررين من أمر الإخلاء هذا حوالى خمسة آلاف نازح لجأوا إلى سبعة مراكز جماعية، معظمها مبان كانت تستخدم كمدارس، وذلك وفقًا للتقييمات الأولية التى أجراها شركاء الأممالمتحدة فى المجال الإنساني. وحذر المكتب من أن أوامر الإخلاء المتكررة تُعمق الأزمة الإنسانية لمئات الآلاف من الناس فى غزة، وأنه حتى اليوم، لا يزال أكثر من 55 أمرًا بالإخلاء سارية تغطى ما يصل إلى 86 فى المئة من قطاع غزة. ونبه إلى أن هذه التوجيهات إلى جانب الأعمال العدائية النشطة والهجمات على قوافل المساعدات وتدمير الطرق الرئيسية ووجود ذخائر غير منفجرة وانعدام النظام العام والسلامة، تعوق عمليات الإغاثة فى غزة. وأشار مكتب تنسيق الشئون الإنسانية كذلك إلى استمرار عمليات التأخير والمنع فى تقييد وصول المساعدات الإنسانية بشكل كبير. وأوضح أن عدد البعثات والتنقلات الإنسانية داخل غزة التى رفضت السلطات الإسرائيلية السماح لها بالوصول تضاعف تقريبًا فى أغسطس مقارنة بشهر يوليو، حيث تم رفض 105 بعثات وتنقلات فى الشهر الماضي، مقابل 53 فى الشهر الذى سبقه.