سلّمت مصر بعد نجاحها فى مؤتمر المناخ «COP27» بشرم الشيخ العام الماضى، شقيقتها دولة الإمارات العربية المتحدة، رئاسة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين لاتفاقية الأممالمتحدة الإطارية لتغيُّر المناخ «COP28»، الذى استضافته الإمارات منذ 30 نوفمبر الماضى حتى 12 ديسمبر الجارى فى دبى. وكان أهم ما أفرزه مؤتمر المناخ فى نوفمبر 2022 نتائج إيجابية عظيمة على قمتها نجاح مصر فى مؤتمر «COP27» فيما عجز عنه المجتمع الدولى خلال 31 عامًا بإقرار تاريخى بإنشاء «صندوق الخسائر والأضرار»، فضلا عن نتائج أخرى ملموسة منها الدعوة إلى خفض «سريع» لانبعاثات غازات الدفيئة وخفض استخدام الطاقة الأحفورية المسببة للاحترار، وتطوير مصادر الطاقة المتجددة الذى ذكر للمرة الأولى إلى جانب مصادر الطاقة «المنخفضة الانبعاثات» فى إشارة إلى الطاقة النووية، ويثور التساؤل حول عن ما تطلبه الأرض وتأمله شعوبها من مطالب أخرى على قمتها التحدى الأكبر فى صناعة آلية التمويل المناخى. وتعرضت الدراسة التى أجراها المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المصرى لمطالب العدالة المناخية تجاه الدول الاقتصادية الكبرى حيث جاءت بعنوان «العدالة المناخية تشرق على البشرية من أرض الحضارة والتاريخ دراسة عالمية حديثة لمنازعات تغيُّر المناخ» باعتبار أن تغير المناخ يأتى على رأس التحديات التى تواجه العالم فى العصر الحالى والمشكلة الأكبر عالميًا، وتأتى الدراسة لرفع مستوى الوعى العام العربى بمفهوم العدالة المناخية.وهو ما نعرضه فيما يلى التمويل المناخى يقول الدكتور محمد خفاجى إن العالم بات مطالبًا بتحقيق بعض أهداف اتفاقية باريس، خاصة تغطية الديون المناخية بإيصال الأموال للعمل المناخى من البلدان الأكثر ثراءً وتقدمًا إلى البلدان الفقيرة والنامية، وتعجيل الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، من أجل خفض انبعاثات الغازات الدفيئة قبل عام 2030 فى فلك حماية الطبيعة والناس، ويجب حسم مستقبل الوقود الأحفورى، الفحم والنفط والغاز، وتقليص استهلاك الوقود الأحفورى الذى يتم حرقه دون تكنولوجيا لالتقاط انبعاثاته وفقًا للدراسات العلمية. ويضيف: إن التمويل المناخى هو التحدى الأكبر بعد نجاح مؤتمر «COP27» المنعقد العام الماضى بمصر فى الاتفاق على تقرير صندوق «الخسائر والأضرار» للدول الأكثر ثراءً لدفع الأموال اللازمة للدول الفقيرة لمواجهة آثار تغيُّر المناخ. فالدول الغنية هى السبب الرئيسى فيما يجاوز 80 % من انبعاثات الغازات الدفيئة فى الغلاف الجوى، لذا فالمسئولية الكبرى عن أزمة المناخ تقع على عاتق تلك الدول والتى أصابت البدان الفقيرة والنامية. وهذا التمويل يكتنفه الكثير من الغموض فيما يتعلق بإدارته فضلا عن أن أمريكا استبعدت دفع تعويضات المناخ عن انبعاثاتها التاريخية وهى مسألة تحتاج إلى نقاش دولى. فضلًا عن أن الدول الكبرى ترى ضرورة أن تكون الصين من الدول الواجب أن تشارك فى مساهمات تغير المناخ وغيرها من القضايا ذات الصلة. ثلاث قضايا رئيسية هناك ثلاث قضايا رئيسية سوف تأخذ حيزًا كبيرًا من المناقشات الجادة والمباحثات المفيدة هى تمويل صندوق الخسائر والأضرار والتعهدات الضخمة لخفض الانبعاثات، وأخيرًا التخلص التدريجى من الوقود الأحفورى، خاصة أن وقف إنتاج الوقود الأحفورى تدريجيًا سيضر بالدول التى تعتمد إيراداتها عليه. وعلى مدار مؤتمرات الأممالمتحدة فى تغيُّر المناخ لسنوات طوال لم تلتزم الدول والشركات المشاركة فى قمم المناخ العالمية رسميًا بالتوقف عن استخدام الوقود الأحفورى بشكل قاطع وجازم وحاسم، إذ تعرضت لهذه القضية مرة واحدة خلال قمة غلاسكو «COP26» عندما اتفقت الحكومات على «التخفيض التدريجي» للفحم، لكن دون الالتزام ب«التخلص الكامل». صندوق الخسائر عجز المجتمع الدولى طوال 31 عامًا عن إنشاء صندوق للخسائر والأضرار، حتى نجاح مصر «COP27» بإنشائه، ففى عام 1991 قامت الدول الجزرية الصغيرة خلال مفاوضات المناخ فى جنيف بتقرير مصطلح «الخسائر والأضرار» مع اقتراح خطة تأمين ضد ارتفاع منسوب مياه البحر بما يتضمنه من تحمل الدول الصناعية الكبرى التكاليف المتلعقة بتلك الخسار والأضرار وهى المتسببة فيها، ومنذ عام 1991 لم ينجح المجتمع الدولى فى تقرير إنشاء هذا الصندوق على الطبيعة الفاعلة باستثناء قمة المناخ التاسعة عشرة فى بولندا عام 2013 تم التعرض إلى نقاش حول إنشاء الآلية الدولية لهذا الصندوق، ومرت الأعوام منذ 1991 حتى عام 2022، أى 31 عامًا ولم يتم الاتفاق على هذا الصندوق حتى عُقد مؤتمر «COP27» بمصر نوفمبر 2022 وتقرر للمرة الأولى فى تاريخ مؤتمرات الأممالمتحدة عن تغير المناخ وعلى أرض مصر الحضارة الاتفاق والإقرار التاريخى بإنشاء صندوق «الخسائر والأضرار». علمًا بأنه فى عام 2009، تعهدت الدول الكبرى المتقدمة بمنح 100 مليار دولار سنويًا، بحلول عام 2020، للدول النامية لمساعدتها على تقليل الانبعاثات والاستعداد لتغيُّر المناخ. وفى إحدى الدراسات الحديثة الإحصائية فى مجال تغير المناخ قدرت الخسائر التى سوف تتحملها الدول المعرضة لخطر تغير المناخ ما بين 290 مليارًا و580 مليار دولار بحلول عام 2030. ثلاث إشكاليات ويذكر الدكتور محمد خفاجى، أن هناك العديد من التفاصيل تمثل ثلاث إشكاليات جوهرية متعلقة بصندوق الخسائر والأضرار تتمثل فى كيفية إدارة هذا الصندوق، خاصة أن بعض الآراء ترى أن يقع مقر هذا الصندوق خارج البنك الدولى لأنه فى وجود مقر الصندوق داخل مؤسسة البنك الدولى سوف يؤدى إلى منح الدول الغنية نفوذًا على حساب الدول النامية، وكذلك تحديد الدول الثرية التى سوف تدفع المخصصات المالية ومدى التزام كل منها بدفع الحصة التى سوف تُقرَّر، وعلى أي أساس تُقرَّر حصة الدفع؟ وهل تعهدها بالدفع يكون من قبيل الإلزام القانونى الدولى أم من قبيل المساعدات التى تقررها الدول الغنية حسبما تراه بإرادتها المنفردة؟ وثالثًا تحديد الدول النامية والفقيرة التى أصابتها أضرار تغير المناخ والتى سوف تحصل على تعويضات من الصندوق؟ وتقرير مبدأ الأولويات فى مفهوم الخسائر والأضرار بمعايير موضوعية. العدالة المناخية يشير المستشار خفاجى إلى أن قضية تغير المناخ هى الأزمة الحقيقية التى يواجهها كوكب الأرض فى عصرنا الحالى، وأمام الدول الصناعية الكبرى فرصة كبيرة لتطوير سياستها التى من شأنها أن تؤثر على حياة البشرية وتغير من مضار البيئة، لتحقيق العدالة المناخية لعل أهمها – كما انتهت أحدث الدراسات العلمية فى هذا الشأن – الاحتفاظ بالوقود الأحفورى فى الأرض وتقديم حلول حقيقية عادلة وعملية وضرورية تواجه أزمة تغير المناخ، والوفاء بالتزامات الدول المتقدمة الصناعية الكبرى بتمويل المناخ للدول النامية وضمان احترام الدول الأولى لحصصها العادلة بحسبانها كانت السبب الرئيسى فى إحداث أزمة تغير المناخ. ويضيف: إن أزمة تغير المناخ تؤثر على صحة ملايين الأشخاص حول العالم، وتؤثر بصفة مباشرة على كوكب الأرض وتصيبه بظواهر غير طبيعية تسبب الإضرار بالبيئة خاصة فى تلك الدول التى لم تسهم بشكل كبير فى إحداث تلك الأزمة بينما تصيب الدول الصناعية الكبرى بضرر أقل، ومن هنا توجد مشكلة غياب العدالة المناخية التى يجب على العالم البحث عن حلول عادلة لمواجهتها بشجاعة ومسئولية، حلول تحقق طموح البشر وتستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة وضرورية تعتمد على مبادئ الإنصاف والمسئولية التاريخية فى تحمل الدول الأكثر انبعاثًا للغازات فى دفع التكاليف العالمية والعادلة للوصول إلى مستقبل آمن للبشرية بالاحتفاظ بالوقود الأحفورى فى الأرض. ديمقراطية الطاقة ويؤكد الدكتور خفاجى أنه على الدول المتقدمة أن تتعهد بانتقال عادل ومنصف إلى الطاقة المتجددة بنسبة 100 % بحلول عام 2030، وأن تلغى الإعانات المقدمة لصناعة الوقود الأحفورى وتتعهد بالتخلى عن الوقود الأحفورى بالكامل، وبفرض حظر على عمليات التكسير الهيدروليكى واعتماد وقف عالمى على تقنيات التنقيب عن الوقود الأحفورى واستخراجه، ويجب على جميع الدول احترام الحظر الدولى للهندسة الجيولوجية الذى أقرته اتفاقية التنوع البيولوجى، ورفض مشاريع احتجاز الكربون وتخزينه (CCS) والطاقة الحيوية مع التقاط الكربون وتخزينه (BECCS) ومشاريع التجهيز التقنى الأخرى، ووقف تحويل الأراضى الزراعية المحلية إلى أغراض غير غذائية. ويشير إلى أنه يتعين على العالم تحويل أنظمة الطاقة بعيدًا عن الوقود الأحفورى والمصادر الضارة الأخرى مثل الوقود النووى، والطاقة المائية الضخمة، والوقود الحيوى إلى نظام نظيف وآمن يكفل للبشرية الحياة السليمة، ولها فى سبيل ذلك وقف جميع المشروعات المدمرة للبيئة حتى تعود الأرض لطبيعتها ونمتلك القدرة الذاتية على امتصاص غازات الاحتباس الحرارى، كما أنه يتوجب على العالم اليوم ضرورة اتباع الأساليب التكنولوجية للتصدى لتغير المناخ، عن طريق ديمقراطية الطاقة، بما يخلق فرص عمل جديدة فى مجال الطاقة المتجددة دون الصناعات الاستخراجية. الفوضى المناخية ويذكر أنه يتعين الوفاء بالتزامات الدول المتقدمة بتمويل المناخ للدول النامية، بتوفير المال الكافى فضلًا عن المساعدة الإنمائية الخارجية، وذلك من أجل توسيع نطاق التكيف للمتأثرين بتغير المناخ، وعليها أيضًا تقديم تعهدات محددة مستجدة للتمويل العام للمناخ مصحوبة بجدول زمنى محدد للتسليم والوفاء به، وعليها الالتزام بتعويضات المناخ للبلدان الأكثر تضررا ولكن الأقل مسئولية عن إحداث تغير المناخ. ويضيف: يجب على الدول المتقدمة أن تحترم «حصصها العادلة» لأنها هى المتسببة فى إحداث أزمة تغير المناخ، وعليها الاعتراف الصريح بمسئوليتها التاريخية بنسبة أكبر عن انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى وأن تعمل على تنفيذ حصصها العادلة بدعم تمويل المناخ العالمى، والعمل الجاد للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية لوقف انهيار المناخ، والرأى عندى أن العالم اليوم يعيش حالة طوارئ مناخية، ويواجه الجفاف والعواصف ويقف عاجزًا عن انهيار النظام البيئى بكثافة غير مسبوقة، فضلًا عن غياب العدالة المناخية حيث يتحمل أفقر الناس وأكثرهم ضعفًا وطأة أزمة المناخ التى ترسخ للظلم المناخى فى كل مكان، لذا فإن شعوب العالم تطالب بالعدالة المناخية، وعليها سرعة الاستجابة لمطالب الشعوب لوقف انهيار المناخ. كما أكد تقرير للفريق الحكومى الدولى المعنى بتغير المناخ حقيقة مهمة هى أنه يجب أن يتحرك العالم دون إبطاء لتحديد مسار عادل ومنصف تجنبًا للفوضى المناخية، ويتعين دعوة جميع البلدان الغنية الملوثة للالتزام على الفور بالالتزامات العالمية وسن سياسة محلية تضمن تلافى التدهور المنظم لموارد الكوكب بالانتقال من الوقود الأحفورى إلى طاقة نظيفة ومتجددة من أجل خلق عالم يتسم بالعدالة والاستدامة. 1 2941 2