نجحت دار الإفتاء على مدار السنوات القليلة الماضية فى أن تكون نموذجًا مؤسسيًا عالميًا له رؤية دولية فى العمل الإفتائى، وكيفية تنظيمه، ومع التجديد لفضيلة المفتى د. شوقى علام كان لا بد من التعرف على أولويات دار الإفتاء فى المرحلة الراهنة، ولاسيما أن دار الإفتاء المصرية تحرص دائمًا على مواجهة التحديات ومواكبة التغيرات وملاحقة المستجدات التى تمر بالمجتمع المصرى والأمة الإسلامية، بمنظومة متكاملة من الخطط الاستراتيجية المناسبة لمقتضيات تجديد الخطاب الدينى. وفقًا لتقرير الإفتاء فإن فالتحديات التى تواجهنا كثيرة ومتلاحقة يأتى على رأسها قضايا تجديد الخطاب الدينى من أجل مكافحة التطرف والإرهاب والقضاء على ظاهرة استغلال الدين فى نشر العنف والفوضى وإثارة الفتن بين الشعوب، واستغلال العاطفة الدينية لدى بعض الشباب فى دفعهم إلى سلوك سبيل العنف والتشدد وكذلك تعرية المتطرفين والمتأسلمين أمام العالم أجمع. وفقًا لتصريحات د. إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية، الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء فى العالم فقد أعدت دار الإفتاء المصرية من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم العديد من المشروعات والخطط الجديدة، من أهم هذه الخطط الطموحة ما سيشهده هذا العام من جولات شديدة الأهمية لفضيلة مفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام وعلماء الدار فى إطار السعى للتواصل مع المسلمين فى شتى بقاع المعمورة لتصحيح صورة الإسلام وتقديم الدعم والمساعدة للمسلمين هناك حول أهمية إرساء قيم التعايش والاندماج الكامل فى المجتمع وإعلاء قيمة المواطنة. أضاف أنه سوف تقوم دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بتبنى مجموعة من الإجراءات التى تعزز التواصل مع الخارج من أهمها إرسال قوافل إفتائية علمية مشتركة تهدف إلى تبصير الجماهير فى ربوع المعمورة بقيم دين الإسلام الحنيف ومدى ما تميز به من يسر وسهولة تناقض تمامًا مع ما عليه جماعات التطرف والإرهاب من فساد وتشدد. ولفت د. نجم إلى أن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بدأت فى تأسيس مكاتب تمثيل حول العالم تكون فروعًا لمقرها الرئيسى بالقاهرة تعمل على تطوير منظومة الإفتاء فى هذه البلاد، وتسهم فى نشر رسالة الأمانة العامة وأهدافها السامية، وأما على صعيد مواجهة جماعات التطرف والإرهاب فسوف تقوم دار الإفتاء المصرية فى الفترة المقبلة بعد تمديد خدمة مفتى الجمهورية برصد جميع أفكار الجماعات المتطرفة المنبثقة عن جماعة الإخوان الأم الإرهابية، والقيام بتحليل هذه الأفكار والمفاهيم الجامدة، التى تسعى تلك الجماعات لنشرها، واختزال الإسلام فى مظاهر بعينها، ومحاولاتهم إعلاء قيمة المظهر على قيمة الجوهر، وتبنى فكر عنيف يناهض الدولة ويعمل على خلخلة الأمن والاستقرار المجتمعى، وتبنى مبدأ العمل السرى.. ومن خلال الرؤية الجديدة لدار الإفتاء المصرية سوف تقوم الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بالاستمرار فى دعم منظومة الاستشارات الإدارية للمؤسسات الإفتائية، وقد أصدرت الأمانة فى عامها الماضى عددًا من الإصدارات المهمة فى هذا الصدد وهي: (الدليل الإرشادى لتأسيس الهيئات الإفتائية) – (إدارة الجودة فى المؤسسات الإفتائية) – (إدارة الموارد البشرية فى المؤسسات الإفتائية)، وتهدف هذه الرؤية إلى تأهيل دور وهيئات ومكاتب الإفتاء فى العالم معرفيًا وإداريًا بهدف الارتقاء بصناعة الفتوى علميًا وعمليًا. وفى إطار مواكبة ثورة التطور الرقمى التى يشهدها العالم، سوف تمضى الأمانة العامة للإفتاء فى السير قدمًا نحو تطوير البنية التكنولوجية لدور الإفتاء فى العالم، ولأجل هذا الغرض سوف تستحدث حزمة من البرامج لدعم دور وهيئات الإفتاء القائمة، بحيث تصبح الأمانة مرجعًا تكنولوجيًّا لتلك الدور، وسوف يتم تقديم برامج جاهزة لهذه المؤسسات فى إدارة الفتاوى الهاتفية والإلكترونية وتراث الفتاوى، وكذلك المواقع الإلكترونية وربطها بموقع الأمانة، انطلاقًا من أن الفتوى هى منتج دور الإفتاء، ومن ثم يجب أن يتميز هذا المنتج بجودة عالية يتناسب مع مستخدم هذا العصر، وفى إطار تأهيل وتدريب الأئمة والدعاة فى مجال ممارسة الإفتاء سوف تعلن الأمانة العامة عن إقامة دورات للأئمة من خارج مصر ستكون الأولى من نوعها باللغتين العربية والإنجليزية. أما عن موضوعات التدريب فقال د. إبراهيم أنها سوف تسير وفق ثلاثة محاور؛ الأول: صناعة الفتوى، أما الثانى فسيكون حول مواجهة التطرف، والثالث فى إطار سبل مواجهة الإسلاموفوبيا. ويأتى ذلك انطلاقًا من مبادرة الأمانة العامة بوضع برنامج تدريبى لإكساب مجموعة من المتدربين المشتغلين بالعلوم الشرعية المهارات الإفتائية، والعلمية، والفنية اللازمة لرفع كفاءة وجودة الأداء الإفتائى لديهم، هذه بعض الطموحات والرؤى الاستراتيجية لدار الإفتاء المصرية التى عودت جماهير الأمة المصرية والإسلامية على الوقوف سدًا منيعًا وحصنًا حاميًا للثوابت الإسلامية والقضايا الوطنية. إطلاق أول منصة رقمية للفتوى كما أطلقت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، منصة (IFatwa.org) كأول بوابة إلكترونية رقمية تتضمن جوانب إعلامية وتحليلية وبحثية وخدمية تتعلق جميعها بالفتوى الشرعية ومفرداتها المختلفة، وتوفر أحدث الإحصاءات والمؤشرات والتقارير المتعلقة بالحقل الإفتائى، تنطلق فى معالجاتها من مواكبة كل جديد، وتحمل رصانة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم. ووفقًا لما أعلنته الإفتاء فإن «IFatwa»، ستكون منصة تقدم التحليل الرصين لما تعالجه من منتجات إفتائية صادرة عن مرجعيات مختلفة منضبطة، ليجعل منها هذا التحليل بوصلة تحدد المعايير الصحيحة التى تحكم مجال «صنعة» الإفتاء، وهى كذلك بوابة بحثية، يجد فيها المفتون الأكاديميون وطلاب العلم الشرعى بغيتهم، وذلك فضلًا عن عموم المسلمين، من خلال أكبر مكتبة إفتائية على الإنترنت، من حيث التنوع فى الموضوعات والشمولية لكل الأحداث. كما تقدم منصة «IFatwa» للباحثين والعاملين فى الحقل الإفتائى والشرعى عمومًا خدمة جليلة عن طريق المكتبة الإلكترونية الخاصة ب«المعلمة المصرية للعلوم الإفتائية» التابعة للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بهدف عرضها بكافة تفاصيلها وتحليلها، وفقًا لتاريخ النشر وملخص الكتاب والآراء حوله وتعظيم الاستفادة منها، وتوفيرها بصورة آلية متاحة للبحث، وإتاحتها فى محركات البحث العالمية. ملتقى لفتاوى الأقليات ولم تنس دار الإفتاء قضايا الفتوى للأقليات وأعلنت من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، عن إنشاء «ملتقى بحوث ودراسات فتاوى الأقليات المسلمة»، وذلك تحت قيادة مفتى الجمهورية الأستاذ الدكتور شوقى علام، وتحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، ليكون بمثابة المظلة التى تجمع المهتمين بقضايا الأقليات وتقرب بين وجهات النظر والآراء حول جميع ما يخص الأقليات وشئونهم ومعوقات اندماجهم فى مجتمعاتهم. فيما أوضح الشيخ مصطفى إبراهيم تسيريتش، المفتى الأسبق للبوسنة والهرسك، أن للفتوى مكانتها الهامة فى حياتنا، وقيمتها الروحية والدينية والشرعية والعقلية والتربوية والثقافية الاجتماعية السياسية مهمة جدا، وهى وسيلة اتصال يتحقق من خلالها الترابط والتفاهم بين الأفراد والمجتمعات، بل إنها وسيلة تهذيب وارتقاء بالعلاقات الإنسانية وإدراك للحقائق، يجعلنا قادرين على فهم الأمن والسلام واستشعارها فى الأشياء المألوفة حولنا، مما يساعدنا فى المحافظة على سلامة بيئتنا وأمنها، ويكفل لنا وعياً دينيا وواجبا إنسانيا ومسئولية اجتماعية. وأشار تيسيرتش إلى أن «ملتقى بحوث ودراسات فتاوى الأقليات المسلمة» يحمل أمانة ديننا ومسئولية وضعنا فى المجتمعات ذات الأغلبية غير المسلمة التى يعيش فيها أعضاء أمتنا الواحدة، موضحا أن رسالة هذا «الملتقى» هى رسالة من أجل حياة أفضل، وهو ما يجعلنا نواجه تحدياً كبيراً فى التسابق نحو تقديم عطاء مؤثر يواكب تطور المجتمع فى العصر الحالى من أجل السلام مع المحافظة على ثقافتنا وهويتنا والكشف عن طاقاتنا الإبداعية. مركز استشرافى إفتائى من جهة أخرى تعمل دار الإفتاء المصرية من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء على إنشاء مركز استشرافى إفتائى، حيث قال د. محمود حسن البيطار، كبير باحثين بالأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم: إنَّ التَّقدُّمَ فى عُقودِه القادِمَةِ غَيرِ البَعيدةِ - وبِغَيرِ إنذارٍ - سيُفْرِزُ لنا سَيْلًا جَرَّارًا مِن التَّسَاؤُلاتِ الشَّرْعيَّةِ، والقَضايا الإفتائيَّةِ غيرِ المَسْبوقةِ، وأنه فى ظِلِّ هذا الصِّراعِ يأتى دَورُ المؤسَّساتِ الإفتائيَّةِ لِتُذكِّرَ بتَعاليمِ الدِّينِ الحَنِيفِ، ولِتَصْنعَ مِنها سِيَاجًا واقِيًا لحِفْظِ مَنظُومَةِ القِيَمِ، ولِتَبْعَثَ فى النَّفسِ صَوْتَ ضَمِيرِهَا الْمَكْلُومِ الْمُكَبَّلِ؛ تِلْكَ التَّعالِيمُ الَّتى تُجَسِّدُهَا أحْكامُ الشَّرِيعةِ الغَرَّاءِ. وتابع: وتأسيسًا على كلِّ ما سبَقَ، وفى ظِلِّ هذا الطُّوفانِ الهَائلِ مِن التقدُّمِ وما يَحمِلُهُ للبشَريَّةِ مِنْ آثَارٍ؛ يَأْتى دَورُ المؤسَّساتِ الإفتائيَّةِ مِن خِلالِ مُحاوَلةِ اسْتِشْرافِ القَضايا الإفتائيَّةِ الْمُتَولِّدةِ مِنْ رَحِمِ هذا التَّقَدُّم.. مِن هُنا كانت فِكْرةُ هذا الطَّرْحِ البَحْثيِّ الَّذِى وَسَمْتُهُ بِعُنْوَانِ: «مَوْقِفُ الْمُؤسَّسَاتِ الإِفْتائيَّةِ مِنَ الِاسْتِشْرافِ الإفْتائيِّ لِتَطوُّراتِ الواقِعِ الْمُعاصِرِ معَ تَصَوُّرٍ مُقْتَرَحٍ»..