بين غياب القادة.. وتحديات عالمية انطلاق الدورة 78 للأمم المتحدة انطلقت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها ال78 فى نيويورك، الثلاثاء 19 سبتمبر، بحضور قادة وزعماء العالم، وسط ترقب عالمى بعد تفاقم الصراعات والتحديات الدولية، حيث يلتقى 145 زعيمًا خلال جلسات الجمعية، لكن هذه المرة وسط غياب عدد من القادة للمرة الأولى، وهو ما يعكس العديد من التوترات العالمية. وتعتبر الأزمة الأوكرانية واحدة من أهم القضايا على رأس أجندة اجتماعات الجمعية، حيث يعقد مجلس الأمن جلسة خاصة فى محاولة للتوصل الى حل هذه الحرب فى عامها الثانى، لكن يصادف أن أهم أعضاء مجلس الأمن لم يعلنوا حضورهم لنيويورك، ووفق مراقبين فإن غياب القادة الأعضاء فى مجلس الأمن قد يعكس الموقف الدولى وخاصة الغربى من هذه الحرب، حيث اعترف رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسى «الناتو» روب باور، قبل أيام، بأن طلبات أوكرانيا من الأسلحة والذخائر تتجاوز قدرات الحلف، كذلك أعلن الأمين العام لحلف «الناتو» ينس ستولتنبرج أن على العالم أن يستعد إلى «حرب طويلة الأمد» فى أوكرانيا، وهو ما يعكس رؤية الغرب لتبعات هذه الحرب على جميع الدول وليس على كييف فقط، خاصة بعد عمل روسيا الدؤوب مع حلفائها لقلب النظام العالمى وظهور أقطاب جديدة تهدد التواجد الغربي.. مما يجعل الأعوام المقبلة تحمل العديد من التحديات والانقسامات الجيوسياسية التى ستطل آثارها على شعوب العالم أجمع. انطلق اجتماع قادة العالم فى الجمعية العامة للأمم المتحدةبنيويورك، الثلاثاء الماضى، بهدف إحياء «أجندة 2030» للتنمية المستدامة المُتفق عليها عام 2015، بعد أن واجه تطبيقها تحديات لا تزال مستمرة، وذلك وسط غياب رؤساء. وتتضمن أعمال هذه الدورة قمة أهداف التنمية المستدامة، وقمة التمويل العالمى، و3 اجتماعات رفيعة المستوى حول الصحة والمناخ والشباب، إضافة إلى اجتماع خاص لمجلس الأمن الدولى بشأن أوكرانيا. وتحتل الحرب الروسية الأوكرانية مركز الاهتمام فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن الدول النامية ستنافس أيضاً على دائرة الأضواء للضغط من أجل اتخاذ إجراءات أسرع بشأن الفقر وعدم المساواة خلال الاجتماع الأكبر لقادة العالم منذ أن أدى وباء «كوفيد-19» إلى تعطيل السفر قبل 3 سنوات. ووفقاً للعديد من المحللين والدبلوماسيين، ينعقد الاجتماع السنوى للجمعية العامة فى منعطف تاريخى هو الأكثر خطورة وتوتراً منذ الحرب الباردة، بحسب ما وصفته، وكالة «أسوشيتد برس». انقسامات دولية أوضح الأمين العام للمنظمة أنطونيو جوتيريش أن 140 من قادة العالم سيجتمعون فى الدورة ال78 للأمم المتحدة، فى وقت تواجه فيه الإنسانية تحديات هائلة نتيجة تفاقم حالة الطوارئ المناخية وتصاعد النزاعات، مضيفًا أن الناس ينتظرون حلّا من قادتهم للخروج من الأزمات. وأبدى جوتيريش أسفه على أن العالم «المُنقسم جيوسياسيا» يقلص من قدرتهم على التعامل مع الأزمات، فى إشارة منه إلى تداعيات حرب روسياوأوكرانيا على العالم، لا سيما الأمن الغذائى، مؤكدًا أنه سيحاول إقناع روسيا بالعودة إلى اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود لأهميته الحيوية للغذاء العالمى. ومن المتوقع أن تناقش اجتماعات الجمعية العامة عدد آخر من القضايا رفيعة المستوى متعلقة بالصحة؛ مثل: الوقاية من الأوبئة، والتأهب والاستجابة، والتغطية الصحية الشاملة، والمكافحة العالمية لمرض السل، فضلا عن قمة الطموح المناخى التى يعقدها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والاستعدادات على المستوى الوزارى لعقد قمة المستقبل بعد عام واحد من الآن. كما سيتم البحث فى كيفية وجود دور مؤثر للأمم المتحدة حول ما يتعلق بتنظيم التقدم التقنى- مثل معضلة الذكاء الاصطناعى- وكيف يمكن لهذه التقنيات والاقتصادات المحيطة بها، أن تعزز رفاهية الإنسان على أفضل وجه. غياب القادة من جهة أخرى، تشهد هذه الدورة أول ظهور شخصى للرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى فى الأممالمتحدة منذ بدء الحرب الأوكرانية فى فبراير العام الماضى، فى حين يغيب رؤساء وقادة روسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا. ويغيب عن اجتماع الجمعية العامة رؤساء فرنساوروسيا والصين، فضلا عن رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك، ليكون بذلك أول رئيس وزراء بريطانى يغيب عن الاجتماعات منذ عقد. وبذلك ستكون الولاياتالمتحدة، بحضور رئيسها جو بايدن، العضو الوحيد الدائم فى مجلس الأمن الممثَّل على أعلى مستوى. وبحسب تقرير وكالة «أسوشيتد برس»، فإن هذا الغياب آثار تذمُّر دبلوماسيى البلدان النامية لأنَّه يعنى أنَّ اللاعبين العالميين الرئيسين لن يستمعوا إلى مطالبهم، التى يتطلب تنفيذها مليارات الدولارات. واعتبر دبلوماسيون غياب رؤساء الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن مؤشرا سيئا على التزام الدول بأهداف التنمية. هاوية الدبلوماسية وتعليقاً على غياب هؤلاء القادة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش فى تصريحات صحافية الأسبوع الماضى، إن «ما يهم هو ما إذا كانت حكوماتهم مستعدة لتقديم التزامات بشأن أهداف الأممالمتحدة والعديد من القضايا الأخرى خلال الاجتماعات». مضيفًا أن أهمية التزام حكومات الدول المعنية، بمعزل عن غياب رؤسائها أو حضورهم، لافتا إلى أن الاجتماع ليس بغرض «التباهى». وقال مدير مجموعة الأزمات الدولية فى الأممالمتحدة ريتشارد جوان: «بعد الاجتماع الأخير لمجموعة العشرين فى نيودلهى، ربما يرى بعض القادة الأوروبيين فى الوقت الحالى، أنه ليس هناك الكثير من المكاسب السياسية فى الذهاب إلى القمم الكبرى، وأنهم بحاجة أكثر للبقاء فى بلدانهم». ووصف جوان الوضع فى الأممالمتحدة بأنه «قاتم»، مضيفاً: «يبدو أننا أقرب بكثير إلى حافة الهاوية فى دبلوماسية الأممالمتحدة»، مما كان عليه الوضع قبل عام، معتبراً أنَّ «التوتر بين القوى الكبرى له تأثير أكثر خطورة على المنظمة». دمار متواصل ووفق تقرير ل«أسوشيتد برس» أوضح أنه فى ظل غياب الزعماء الأربعة من الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن، فمن المؤكد أنَّ الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، سيجذب المزيد من الاهتمام، لا سيما مع دخول الحرب فى بلاده شهرها التاسع عشر وانعدام نهاية فى الأفق. وبحسب الوكالة بعد إلقاء زيلينسكى كلمته امام أعضاء الجمعية العامة، فمن المقرر أن يحضر اجتماع مجلس الأمن حيث سيتم التركيز على مبادئ ميثاق الأممالمتحدة، التى تتطلب من كل دولة احترام سيادة الدول الأخرى ووحدة أراضيها. ومن الممكن أن يخلق هذا الاجتماع مشهداً فريداً من نوعه حيث سيجمع زيلينسكى ووزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف فى مكان واحد، وفقاً للوكالة. كما ستتم أيضاً مراقبة بايدن عن كثب لمعرفة وجهات نظر الولاياتالمتحدة بشأن أوكرانيا والصين وروسيا. وفى كلمته أمام أعضاء الجمعية العامة، اتهم الرئيس الأوكرانى روسيا بأنها تستخدم الغذاء والطاقة سلاحا، كما دعا إلى توحيد «تحركاتنا لهزيمة روسيا لكى يتسنى للعالم التركيز على التحديات الدولية». واتهم زيلينسكى روسيا بخطف أطفال أوكرانيين وتلقينهم كراهية بلاده، ووصف ذلك بأنه «تطهير عرقى واضح». وقال الرئيس الأوكرانى إنه يعد لقمة سلام ويدعو إليها «جميع من لا يتسامحون مع العدوان». من جانبه، قال جوتيريش، خلال خطابه فى افتتاح ما يسمى بالمناقشة العامة، المعروف بحالة العالم، موجهًا خاطبه لقادة العالم أنَّ الوقت الآن ليس وقت «اللامبالاة أو التردد». وأضاف: «هذا هو الوقت المناسب للالتقاء من أجل إيجاد حلول حقيقية وعملية. حان وقت التسوية من أجل غد أفضل». وقال جوتيريش، الذى يرى أنَّ حرب أوكرانيا أدت إلى تفاقم الانقسامات، إن التحول الحالى إلى «عالم متعدد الأقطاب» مجزَّأ لن يحل مشاكل الكوكب التى لا تعد ولا تحصى. لكنه اعتبر فى الوقت نفسه، أنَّ المؤسسات المتعددة الأطراف التى أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية -الأممالمتحدة ومجلس الأمن التابع لها، والبنك الدولى، وصندوق النقد الدولى - عفى عليها الزمن وتحتاج إلى الإصلاح «لجعلها أكثر عدالة وإنصافاً، وأكثر تمثيلاً للعالم اليوم». وأضاف جوتيريش، أن الحرب فى أوكرانيا لها آثار خطيرة، والتهديدات النووية تعرض العالم لخطر كما أن تجاهل المعاهدات «يجعلنا أقل أمنا» واختتم كلمته بأن الحرب فى أوكرانيا انتهاك لميثاق الأممالمتحدة والقانون الدولى وتسببت فى الدمار وانتهاك حقوق الإنسان. أهم الفاعليات للقمة ولم تكن الحرب الأوكرانية هى القضية الوحيدة التى تولى اهتمام قادة العالم خلال الدورة 78 للجميعية العامة للأمم المتحدة، حيث تبدأ قمة أهداف التنمية المستدامة والتى يجتمع قادة دول العالم لتقييم خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وسيتبنى قادة العالم الإعلان السياسى المحورى لقمة أهداف التنمية المستدامة الذى يحتوى على إرشادات بشأن «الإجراءات التحويلية والمعجلة» لجميع البلدان التى تحقق أهداف التنمية المستدامة ال17. كذلك الاجتماع الوزارى لقمة المستقبل ويستهدف وضع النقاط الأخيرة قبل قمة المستقبل، التى ستستضيفها نيويورك العام القادم، التى تستهدف إعادة تأكيد ميثاق الأممالمتحدة، وتنشيط تعددية الأطراف، وتعزيز تنفيذ الالتزامات القائمة، والاتفاق على حلول ملموسة للتحديات، واستعادة الثقة بين الدول الأعضاء.
وقمة العمل المناخى وتهدف هذه القمة التى يعقدها الأمين العام للأمم المتحدة جوتيريش إلى حشد زخم جديد للعمل المناخى الفعال، بين ممثلى الحكومات والشركات والتمويل والسلطات المحلية والمجتمع المدنى. كما يعلن مكتب الأممالمتحدة الجديد للشباب والأمين العام المساعد للشباب، إلحاقًا باعتماد قرار الجمعية العامة 76/306 فى العام الماضى، سينشأ مكتب جديد للأمم المتحدة للشباب، بقيادة الأمين العام المساعد للشباب، الذى سيُعين قريبا بهدف العمل على النهوض بقضايا الشباب عبر جدول أعمال الأممالمتحدة، مع العمل على تعزيز «المشاركة الهادفة والشاملة والفعالة للشباب»، عبر منظومة الأممالمتحدة. كذلك ستعقد الجمعية العامة حوارها الرفيع المستوى الثانى بشأن تمويل التنمية فى مواجهة الدعوات المتزايدة لإصلاح الهيكل المالى العالمى وزيادة تمويل المناخ، ومن المرجح أن تستمر البلدان النامية فى التعبير عن مخاوفها، من أن الدول الغنية لا تزال لا تفعل ما يكفى لتمويل أهداف التنمية المستدامة وأولويات التنمية الأخرى. الساحة الفارغة ومع دخول الأممالمتحدة عامها ال78، لا تزال الأسئلة تدور حول حيوية المنظمة العالمية وقدرتها على مواكبة الاتجاهات سريعة التغير فى الديناميات الاجتماعية والاقتصادية والبيئة، والسلام، والأمن، والتقنية. ويعكس غياب 4 من قادة الدول الخمس دائمى العضوية بمجلس الأمن، ممن لهم حق النقض (الفيتو) ليغذى الشعور بين العديد من الدبلوماسيين بأن الأممالمتحدة هى مكان «للحديث فقط» دون ترجمة ذلك ل«أجندة» عملية، فعلى سبيل المثال: اجتماع مجموعة العشرين الأخير، حيث أُعلِن عن صفقات رفيعة المستوى. ولم تعُد الأممالمتحدة الساحة الوحيدة، ولا المفضلة، وحقيقة أن القوى العالمية تستخدم حق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تعنى فى كثير من الأحيان أن المجلس مشلول بشأن القضايا الكبرى؛ مثل: الحرب فى أوكرانيا، التى وضعت الدول على طرفى النقيض. 1 3