فى أكبر تجمع عالمى دينى حول الفضاء الإلكترونى بمؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الدولى 34 والذى انعقد بالقاهرة يومى 9 و10 سبتمبر الجارى تحت عنوان (الفضاء الإلكترونى والوسائل العصرية للخطاب الدينى) برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبمشاركة علماء ووزراء أوقاف ومفكرين من 62 دولة اتفق علماء الأمة على أن الفضاء الإلكترونى أصبح ضرورة دعوية يجب استخدامها الاستخدام الأمثل فى تجديد الخطاب الدينى من خلال المشاركة الفعالة بهذا الفضاء لمواجهة الفكر الظلامى الإلكترونى والتى تمارسه الجماعات المتطرفة أو المتربصون للإسلام. ولقد برز مصطلح «الاستخدام التشاركى» فى مختلف جلسات المؤتمر الدولى حول تحديات التعامل مع الفضاء الإلكترونى والذكاء الاصطناعى، وهو ما ركز عليه د.محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، حيث أكد أنه ينبغى الخروج من خانة الاستهلاك لهذا الفضاء الإلكترونى إلى الإنتاج الفعّال فى وسائل الفضاء الإلكترونى، إنه من الضرورى استخدام الوسائل العصرية وتعظيم الاستفادة منها والإيجابيات وتوظيفها فى خدمة المجال الدعوى. وأكد أن القيم الإنسانية السوية لا تنفصل سواءً كان فى الواقع الحياتى أو الافتراضى، فالصدق قيمة والكذب رذيلة، ولا تختلف باختلاف الواقع، مطالبًا باستخدام مجالات الفضاء الإلكترونى، والذكاء الاصطناعى فى دعم قضايا التسامح الدينى والسلام العالمى والتعايش. وأوضح أنه لابد من تكثيف الأنشطة المسجدية لتنشئة الأجيال على القيم، التى تساعدهم فى استخدام الفضاء الإلكترونى، وقال: «نحن نؤمن أنه لا يقتصر دور المسجد على العمل الدعوى فقط، ولابد أن يؤدى دوره المجتمعى، والتفاعل مع الواقع، وتوضيح كيفية التعامل مع كل ما يفرضه علينا التطور المعاصر. كما أكد على نفس الأمر د.شوقى علام مفتى الجمهورية، إن الفضاء الإلكترونى أصبح متحكمًا فى الواقع المعاصر، وإن التطور المعاصر طال المجتمعات الإسلامية على مختلف المستويات، وأثر فى الخطاب الدعوى والإفتائى، وهو ما يتطلب من المؤسسات الدعوية والإفتائية مواكبة التطورات المتلاحقة. أضاف: إننا بين خوف من هذا التطور، وبين ترحيب به، موضحًا أن تطور وسائل التواصل يمكن أن يكون مفيدًا لنا، حيث إن الذكاء الاصطناعى، والفضاء الإلكترونى يعزز سبل التواصل بين الناس، وهو ما يتطلب منا نشر الوعى الدينى حتى يتم التعامل مع الفضاء الإلكترونى بصورة سوية، كما يتطلب من استخدام هذا الفضاء دعويًا بصورة رشيدة. مواجهة الانحرافات الإلكترونية حالة المواجهة كانت حاضرة بقوة أيضًا خلال المؤتمر حيث أكد د.محمد عبدالرحمن الضوينى وكيل الأزهر أن ما يحمله الفضاء الإلكترونى من تحديات توجب علينا حماية فكرنا وثقافتنا من تلك الانحرافات التى يقوم بها البعض من خلال هذا الفضاء، لافتًا إلى أن الفضاء الإلكترونى أدى إلى تجرؤ غير المتخصصين على الدعوة والفتوى، وهو ما يتطلب جهدًا كبيرًا من المؤسسات الدينية لمواجهة هذا الخطر. ومع ذلك يرى الضوينى أهمية استخدام الفضاء الإلكترونى فى عملية تجديد الخطاب الدينى، لاسيما أن هذا الفضاء ساعد فى اختزال هذا الجهد الكبير فى جمع الاجتهادات العلمية، بما يُسهم فى سرعة الحصول على المعلومة. أضاف: إن الدعوة تتطلب الحكمة والموعظة الحسنة، ومن الحكمة فى الدعوة استخدام الوسيلة المناسبة التى تؤدى الهدف المنشود، وهو ما يجعل استخدام الفضاء الإلكترونى ضرورة عصرية، وشدد قائلاً: إنه لابد من استخدام الفضاء الإلكترونى والوسائل العصرية بطريقة تكون عونًا لنا لا علينا. مخاطر ما يحدث فى الفضاء الإلكترونى دينيًا أشار إليه أيضًا د.محمد عبدالستار وزير الأوقاف والشئون الدينية بسوريا قائلاً: «لقد عانينا من الإرهاب واستخدامه الفضاء الإلكترونى، كما تعانى الدول العربية والإسلامية فى ضبط ممارسات التعامل الإلكترونى». الشيخ أحمد تميم مفتى أوكرانيا أكد أيضًا أن الفضاء الإلكترونى سبقنا إليه من سبق، وعم فيه الفساد أكثر وأكثر، حيث امتلأ بالمجادلات والمناظرات والمشتبهات، الأمر الذى فرض علينا أن نتصدى له وأن نشغل الفضاء الإلكترونى بما يفيد، وألا نترك هذا المجال لمن يفسده أو بمن يشغله بأفكار متطرفة، فنحن بحاجة ماسة لوضع ما يسمى بأمن الدعوة الإلكترونى، مع الاهتمام بنشر الكتب النافعة والمواد الإعلامية الصحيحة. منابر دعوية إلكترونية فيما اعتبر د.محمد الخلايلة وزير الأوقاف بالمملكة الأردنية أننا أمام انفجار معلوماتى وثورة معلوماتية بسبب الفضاء الإلكترونى الذى يمنحنا منابر جديدة للدعوة إلى الله، كما يمنح المتاجرين بالفتوى منابر جديدة، وعلينا أن نطوع هذا التطور لخدمة الدعوة ونتعامل معه بخطاب واعٍ متفتح. وشدد على أننا أمام واقع جديد فُرض علينا ويمكن أن يقدم لنا شيئًا جديدًا، وعلينا أن ننتبه إلى أهمية امتلاك الأدوات والتكيف مع التطور الذى يحدث فى العالم، وعلينا أن يكون خطابنا متسعًا وإيجابيًا يهدف للبناء ويبتعد عن التنابذ والعصبية. كما أكد د.عبدالرحمن الزيد الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامى أن الفضاء الإلكترونى الجديد أصبح الأرض الخصبة لنشر الأفكار والمعتقدات، وهو ما ترك أثرًا عميقًا لدى الأجيال الجديدة، وجعله الأساس فى الحصول على المعلومة الدينية لدى العديد من الناس وبخاصة الشباب من خلال الحاسوب مستغنيًا عن اللجوء للمؤسسات الدينية، وهو ما يتطلب جهدًا كبيرًا من المؤسسات لمواكبة هذا التطور. وشدد أن الفضاء الإلكترونى وتطوره يتطلب استخدام استراتيجيات جديدة لنشر الفكر الوسطى، ومواجهة الفكر المتطرف الذى استغل هذا التوسع فى الفضاء الإلكترونى، لافتًا إلى أن تحصين المجتمعات المسلمة هى مسئولية المؤسسات الدينية والتعليمية، من أجل نشر الوعى الإسلامى الصحيح، وكيفية التعامل مع وسائل التواصل الإلكترونية والفضاء الإلكترونى. الدكتور أحمد الحداد مفتى دبى أشار كذلك إلى ضرورة الانتفاع من هذه التقنيات، فهى من نعم الله تعالى ولها إيجابيات كثيرة منها: أنها تيسر الوصول إلى الفتوى، ونستغنى بها عن التنقل والسفر بين البلدان والدول، وتنوع الفتاوى، فيجد السائل أكثر من إجابة ليختار ما يناسبه، كذلك تيسير الاستفادة منها لجميع شرائح المجتمع، كذلك رد الحرج والحفاظ على الخصوصية فى الأسئلة الخاصة، كذلك أيضًا تيسير التواصل مع المفتين فى سائر بلاد العالم، وتمكن المفتين فى نشر العلم وتبليغ كلمة الله (عز وجل) لأكبر شريحة من العالم، كذلك من إيجابياتها رفع الحرج الذى قد يكون عند السائلين إذا كانت المسألة ذات خصوصية، وتيسير التواصل مع المفتين فى العالم الإسلامى للذين يعيشون فى الدول غير الإسلامية، ومنها أيضًا أن الأحكام والفتاوى تصل لشريحة كبيرة من المسلمين. ولفت إلى أن من مخاطرها تصدّر غير المؤهلين، حيث يمكن لأى أحد أن يؤسس موقعًا ويتحدث فيه باسم الإسلام من غير أن يكون عليه رقابة، فيحدث الخلط الكبير بين الحق والباطل، وكذلك قد تكون المخاطر من جانب المستفتين فإنهم قد يختارون ما يناسب أهواءهم، ويمكن أيضًا ألا يعطى الصورة كاملة للمفتى فينتج عن ذلك تنزيل الفتوى على غير الصورة الحقيقية، وقد تكون الفتوى مرتبطة بمكان دون مكان أو زمان دون زمان، فيكون الأخذ بها فى غاية الإشكال، فهذه مخاطر ينبغى أن تجتنب، مؤكدًا على أهمية استقاء الفتوى من الجهات الشرعية الرسمية، وأن تكون هناك رقابة متخصصة تتابع مواقع الإفتاء الإلكترونى من الجهات الدينية المعتمدة لحماية دين الناس ودنياهم، والتحرى عمن نأخذ الفتوى. مشروع قومى لمحتوى رقمى فيما أصدر المؤتمر العالمى للأوقاف عن الفضاء الإلكترونى عدة توصيات أهمها إطلاق مشروع قومى لبناء محتوى رقمى صحيح ورشيد فى مجال الخطاب الدينى برؤية معاصرة تحافظ على الثوابت وتراعى المستجدات العصرية، والعمل على تعزيز الاستخدام التشاركى للفضاء الإلكترونى، من حيث إنتاج المعرفة والإسهام فى نشرها، والتوسع فى برامج التدريب على الاستخدام الآمن لمواقع التواصل الاجتماعى والذكاء الاصطناعى. كما شدد البيان الختامى على أهمية التعامل مع الذكاء الاصطناعى على أنه وسيلة لا غاية وعلى أنه إضافة وليس بديلًا عن العقل البشرى. ولم يغفل المؤتمر إصدار توصية بضرورة الاهتمام بإنتاج الرسوم المتحركة والأفلام التقنية ثلاثية الأبعاد بما يُسهم فى الحفاظ على هويتنا الدينية والثقافية ولا سيما لدى النشء والشباب، وإنشاء كليات علوم شرعية إلكترونية تضع فى اعتبارها تخريج إمام أو معلم أو باحث يجيد التعامل مع سائر وسائل التواصل والتقنيات الحديثة، قادر على الإسهام فى إنتاجها وتطويرها وتصحيح مسارها. كما صدر عن المؤتمر وثيقة القاهرة لأخلاقيات التعامل مع الفضاء الإلكترونى تضمنت. أهمية الاستخدام الرشيد للفضاء الإلكترونى فى نشر الفكر الوسطى، والإسهام الجاد فى بناء المحتوى الرقمى فى مجال الخطاب الدينى، وتعزيز قيم الاعتدال، وبناء ثقافة التسامح وفقه العيش المشترك، ودحض الفكر المتطرف، وتفنيد ضلالات وأباطيل المتطرفين، والإفادة القصوى من تقنيات الذكاء الاصطناعى، والوسائل غير التقليدية كالرسوم المتحركة والأفلام ثلاثية الأبعاد وغيرها فى مجال بناء الوعى والخطاب الدينى ولا سيما لدى النشء. 2