انضحك علينا لعدة عقود منذ أن استقر حكم الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، وقتها تحولت ثورة 23 يوليو إلى نظام حكم يفتقر إلى الديمقراطية تتحكم فيه جماعة من المنتفعين فرضوا أنفسهم وتصورهم الذى يضمن بقاءهم فى الحكم إلى الأبد. الذين قاموا بثورة 23 يوليو كانوا ضباطاً فى الجيش قالوا للشعب إنهم قاموا بحركتهم لتطهير البلد من الفساد والعمل على إقامة حياة ديمقراطية سليمة بدلا من الأحزاب السياسية الفاسدة الفاشلة، لسنا الآن بصدد إعادة قراءة صفحة من التاريخ المصرى سوف تعاد صياغتها بالتأكيد مرة أخرى وإخضاعها للتقييم فى ضوء عناصر جديدة بعد التطورات السياسية الهائلة التى تحدث فى بلادنا هذه الأيام. كل ما أرغب فيه الآن هو أن أوضح كيف انضحك علينا طوال ذلك الوقت الذى فات، ووقعنا فى مصيدة نظام حكم تسلطى وضعنا فى اختيار بين الاستقرار فى أحضانه، أو السقوط فى فوضى التيارات الراديكالية سواء كانت عسكرية أو شبه عسكرية، انضحك علينا لوقت طويل، الذى يحز فى نفسى أننا لم نحاول اختبار تلك النظرية التى صاغها رموز الحكم على مدى ما يزيد على نصف قرن ونحن نقول بسذاجة واستسلام شىء أفضل من لا شىء. أذكر رسما كاريكاتوريا للفنان زهدى و هو واحد من الكبار فى هذا الفن وفى ذلك الوقت، عبر عن الموقف بتلخيص رائع، رسم قاطرة بخارية جبارة ذات ملامح قاسية تنفث الدخان والبخار وتدهس فى طريقها على القضبان نماذج مختلفة ممن أطلقوا عليهم فى ذلك الوقت أعداء الثورة، المهم أن القاطرة كان مكتوبا عليها الجيش! يعنى ذلك زرع الخوف من الجيش فى وجدان الناس وتحذيرهم من مخالفته وعصيانه وإلا فإنهم سيتهمون بأنهم من أعداء الثورة ويلقون العقاب الشديد. الفكرة الأخرى التى تم زرعها فى وجدان الناس هى الخلط ما بين الجيش الذى يحمى مكاسب الثورة وبين وظيفة أخرى هى حماية الرئيس الذى ينتمى إلى المؤسسة العسكرية، وأفهمنا النظام الحاكم لسنوات طويلة أن الجيش يحمى النظام غير الديمقراطى فى حقبة من الحقب، وأن الجيش يحمى النظام الديمقراطى الشكلى فى حقبة أخرى، وأن المعارضة لنظام الحكم تعنى معارضة الجيش وتستوجب غضبه وسخطه. هكذا استحكمت حلقة الخديعة، وتأكد النظام الحاكم من أن الناس صدقت أن الجيش يحمى الرئيس ضد معارضيه، ولكن الناس كانت ترى فى المؤسسة العسكرية كياناً يجب عدم الزج به فى أى صراعات داخلية أو توريطه فيها، كان الشارع يتراجع دائما أمام النظام الفاسد خشية من مواجهة بينه وبين الجيش. حين بلغت مأساة الحكم قمتها قرر النظام أن يدفع بابن الرئيس مرشحا للرئاسة متخطياً كل الرقاب ومتجاهلا كل التحذيرات، ومستخفا بكل الاعتراضات، وصنعوا حملة مزيفة لخلق شرعية سياسية لشخص ليس له أى رصيد بالمرة، لا رصيد وظيفى ولا رصيد سياسى، هنا كان الشارع على استعداد للتجاوب مع أيه شرارة للإطاحة بالنظام القمعى دون النظر لأى اعتبار ولا خوف من أى محظور، كانت المفاجأة مذهلة. لم أكن أتصور أن تسير دبابة للقوات المسلحة المصرية فى شوارع القاهرة كتب عليها الثوار «يسقط حسنى مبارك» بينما الرئيس السابق لا يزال رئيسا ويشغل بحكم منصبه رئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. هكذا اكتشفت وغيرى كثيرون على ما أعتقد أن النظام ضحك علينا لمدة نصف قرن وأفهمنا أن الجيش يحمى الرئيس أيا كان ما يفعله، رأينا الجيش يحمى الوطن والمواطنين ولا يقبل غير ذلك من الأوامر، ذهب الرئيس وبقى الجيش يحمى الوطن والمواطنين ويعمل على إنهاء مهمته بأسرع وقت ممكن، ونقل السلطة إلى المؤسسات المدنية المنتخبة، لا يجب أن نخاف من ممارسة الديمقراطية والدخول إلى عصر تداول السلطة، إنما يجب أن نحرص على أن يبقى جيش مصر هو القوة الوحيدة المسلحة على أرض الوطن، ولا نسمح تحت غطاء الديمقراطية بإنشاء أو تسليح أى ميليشيات تابعة لأى قوى سياسية فى السر أو العلن، أظن الرسالة واضحة.