كانت قناة «القاهرة الاخبارية» من الفضائيات القلائل التى تناولت اتجاه رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك لدعم قوات الأمن البريطانية فى مواجهة دعوات التظاهر المنتشرة فى بريطانيا والتى تهدد بشلل قطاعات عديدة تزيد من اشتعال الأزمة الاقتصادية فى بريطانيا. وتناولت الزميلة الإعلامية جومانا هاشم موفدة القناة تغريدة سوناك الداعمة لرجال الأمن فى مواجهة التظاهرات بالتحليل من زاوية اتفاق التغريدة مع حديث بريطانيا عن حقوق الإنسان وانتقادها لدول العالم التى تتصدى بقوات الأمن فى مواجهة الاحتجاجات على غلاء الأسعار، وسياسة التقشف الحكومية ومظاهرات أصدقاء المناخ. ولفتت الانتباه إلى وجود أربعة مكاييل لحقوق الإنسان فى ممارسات الحكومة البريطانية، المكيال الأول إذا حصلت لندن على ما تطلبه من أى دولة، تتجاهل الانتهاكات فيها، أما المكيال الثانى، فهو غض الطرف عن انتهاكات حلفاء بريطانيا لحقوق الإنسان وأقصى ما سوف تطلبه من حليفها أو حلفائها هو ضبط النفس، أما المكيال الثالث فهو أن بريطانيا تحت ذرائع الأمن ومكافحة الإرهاب تستطيع أن تسجن المشتبه بهم بمحاكمات لا تعرض فيها الأدلة، أما المكيال الجديد فهو تجاهل رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك، لحق التظاهر وطلبه من الشرطة البريطانية الضرب بيد من حديد إذا طالب المحتجون بخفض الضرائب، أو إذا طالبوا برحيل حكومة المحافظين، ومواجهة احتجاجات مجموعات أصدقاء البيئة. وأشارت مذيعة «القاهرة الإخبارية»، إلى أنه «لا يخفى على أحد الحكم القضائى عام 2021، ربما فى شهر أبريل والذى كان نصه يمنح القانون صلاحيات مساءلة أى شخص يتدخل فى تشغيل البنية التحتية الوطنية، وتحت هذا البند تم اعتقال المواطنين فى بريطانيا». ربما تبدو المعلومات صادمة وغير مصدقة بالنسبة لبريطانيا باعتبارها دولة ديمقراطية عتيدة، ولكن الحقيقة أن بريطانيا من أكثر الدول انتهاكًا لحقوق الإنسان إذا طبقنا المعايير العالمية التى تنادى بها، بل إن قرار سوناك يسير على خطى رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون حينما قرر أن يواجه التظاهرات بالقوة بعد وصمه للمحتجين بانهم مشاغبون ومخربون وأن تظاهراتهم غير شرعية. هدف سوناك من القرار ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، أولًا إثبات قوته كرئيس وزراء أمام حزبه بعد فترة صخب سياسى شهدت استقالات عديدة، ثانيًا تعطيل دعوات التظاهر واستكمال خطته الاقتصادية القائمة على رفع الضرائب عبر فرض استقرار الأوضاع وتبريد الشارع، وهى إشارة بالغة الدلالة على أن ازدواجية المعايير أصبحت منهجًا مستقرًا لدى حكومات المحافظين من أجل تحقيق مكاسب خارجية بالإضافة إلى حماية حكمها. ربما لا يكترث سوناك كثيرًا للانتقادات الحقوقية، فهى تتعطل تلقائيًا فى الدول الكبرى طالما أن الامر يمس أمن واستقرار البلاد، وهو معيار احتكرته بريطانيا لنفسها، فهى ترى أمنها قبل حقوق الإنسان بينما ترى حقوق الإنسان أولوية عند الغير والحكم فى ذلك على الأداء، وللأسف المنظمات الحقوقية الكبرى مثل «العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش» تتجاهل الانتهاكات فى الدول الكبرى ولا تهتم بها بنفس قدر اهتمامها بالانتهاكات فى الدول النامية. ازدواجية المعايير البريطانية حول حقوق الإنسان لا تتوقف عن حد توصيف مظاهرات أنها شرعية أو غير شرعية والأمر بمواجهتها بالقوة واعتقال المحرضين عليها، بينما تنتقد بريطانيا نفسها التصرف ذاته فى دول أخرى، بل إن الامر يمتد لأوضاع المهاجرين حيث توصلت الحكومة البريطانية إلى اتفاق مع حكومة رواندا تنقل بموجه طالبى اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين إلى معسكرات رواندا وذلك للتخلص من عبء استقبالهم فى بريطانيا، والهرب من أى التزامات يمكن أن تقدمها الحكومة البريطانية للمهاجرين. التحرك البريطانى حمل تنصلا من مسئولية حماية اللاجئين وانتهاكًا لما نصت عليه الاتفاقيات الدولية بضرورة ضمان أمن وسلامة اللاجئ فى الدولة التى اختارها للإقامة، وتحايلت الحكومة البريطانية على القانون الدولى الإنسانى وعقدت اتفاقًا للتخلص من عبء إقامة اللاجئين بترحيلهم إلى دولة ثالثة دون أن تسأل المهاجرين أو تبحث اختياراتهم سواء رغبتهم فى الرحيل إلى الدولة الثالثة أم البقاء فى بريطانيا. ما حدث مع المهاجرين يكشف التناقض البريطانى فى الحديث عن حقوق الإنسان فى العالم بينما هى تتنصل من واجباتها وتبحث عن طرق للتحايل على القانون الدولى للتخلص من حقوق المهاجرين وطالبى اللجوء بترحيلهم بتذكرة بلا عودة إلى دولة رواندا. جميع الاتفاقيات الدولية حاولت أن تحافظ على الحقوق اللصيقة للمهاجر الساعى نحو فرصة عمل جديدة تؤدى إلى تحسين وضعه الاقتصادى أو الهارب من حروب أو أزمات اخرى لها علاقة بحقوقه وأهم هذه الحقوق الواجب توافرها من قبل الدولة المضيفة هى ضمان الحق فى الحياة والتنقل والحرية والأمان الشخصى واحترام معتقداته وحرمة حياته الخاصة وهى محاولة من القانون الدولى للحفاظ على حياة المهاجرين وطالبى اللجوء. الواقع يقول إن بريطانيا من أكثر دول العالم تعقيدا فى التعامل مع طلبات اللجوء، ووصفها موقع المهاجر نيوز بالمتاهة لمن يحتاجون إلى الحماية، خاصة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى. اختارت بريطانيا المعالجة السريعة لطلبات الحماية فى المملكة المتحدة وكانت النتيجة زيادة فى حالات الرفض وترحيل طالبى اللجوء المرفوضين فى وقت أقصر بكثير أيضًا واعتمدت نظامًا لإرسال إشعار لطالبى اللجوء المرفوضين قبل 21 يومًا فقط من ترحيلهم. فى مثل هذه الحالات سيتعين على المعنيين الاستئناف فى غضون تلك الأسابيع الثلاثة وهو ما انتقدته منظمات حقوق الإنسان. تزامن ذلك مع تقارير حقوقية انتقدت أوضاع المساكن التى يتم إيداع طالبى اللجوء بسبب عدم ملاءمتها لأدنى شروط السلامة العامة، وعدم صلاحيتها للسكن من بينها أماكن انهار فيها السقف وتضررت بسبب غياب الصيانة الدورية لها فضلا عن آثارها على نفسيات طالبى اللجوء. هذه الأماكن منقسمة إلى ثلاثة نماذج مثل الفنادق والنزل وثكنات الجيش السابقة، وهى غير مناسبة لإيواء الأشخاص الذين يسعون للحصول على الحق بالحماية، وتسبب أضرارًا نفسية وجسدية لعدم شعور الناس بالاستقلالية وقدرتهم على عيش حياتهم الخاصة، كما تفرض قيودًا على الزوار ومراقبة تحركات السكان وحظر التجول. ورغم تلك التعقيدات العديدة قررت الحكومة البريطانية إبعاد طالبى اللجوء ونقلهم إلى رواندا وأعلنت رسميا عن خطة لإرسال اللاجئين إلى رواندا وستركز هذه الخطة فى البداية على الرجال غير المتزوجين الذين يعبرون القنال الإنجليزى فى قوارب أو شاحنات من فرنسا. وتعتبر خطة إرسال طالبى اللجوء إلى رواندا جزءًا من استراتيجية أوسع لتقليل عدد الأشخاص الذين يدخلون المملكة المتحدة، وهو ما اعتبرته مؤسسات حقوقية دولية تعاملًا قاسيًا مع المهاجرين وطالبى اللجوء قد ينجم عنه أزمة إنسانية وشيكة. وعلى خطى إنجلترا أعلنت الدنمارك أنها تخطط لاتفاق مماثل للصفقة التى أبرمتها المملكة المتحدة للتو لإرسال طلبة اللجوء لرواندا، وهو ما وصفه الاتحاد الأفريقى بانها تنم عن كراهية للأجانب وغير مقبولة على الإطلاق. الخطة البريطانية رفضتها مفوضية الأممالمتحدة السامية لشئون اللاجئين، وقالت جيليان تريغز مساعدة المفوض السامى المكلفة الحماية الدولية إن الأشخاص الذين يفرون من الحروب والنزاعات والاضطهاد يستحقون التعاطف. ويجب ألا يتعامل معهم كسلع وينقلون إلى الخارج لتبادلهم، وأوضحت أن المفوضية السامية لشئون اللاجئين تعارض التسويات التى تسعى إلى نقل لاجئين وطالبى لجوء إلى دول أخرى فى غياب ضمانات ومعايير كافية مؤكدة أن تسويات كهذه تحول المسئولية فى مجال اللجوء، وتتجنب الالتزامات الدولية، وتخالف اتفاقية اللاجئين نصًا وروحًا وبإرسالها طالبى اللجوء إلى هذا البلد الإفريقى، ودعت مفوضية اللاجئين البلدين إلى إعادة النظر بمشروعهما. بالتأكيد هى خطة تنتهك أبسط قواعد حقوق الإنسان واللاجئين وأهمها الحفاظ على حريته فى الاختيار، وحريته فى تلقى المعاملة اللائقة فى دول المهجر، ورغم قله عدد المهاجرين وطالبى اللجوء المتجهين إلى بريطانيا؛ فإن الحكومة البريطانية تضع فى طريق بقائهم فى بريطانيا عشرات العقبات ثم اتجهت إلى إبعادهم للتخلص من تواجدهم باعتبارهم عناصر غير مرحب بها واتجهت إلى نقلهم إلى دولة أخرى فى إفريقيا التى تستضيف أكثر من 80 % من طالبى اللجوء حول العالم. شعور بريطانيا ودول أوروبية أخرى من اللاجئين يؤكد أن قيم حقوق الإنسان لدى الحكومة البريطانية نسبية، فهى تتحدث عنها وتطبقها وفق مصالحها وهواها السياسى فى حالة توجيه انتقاد معين لدولة أخرى، تطبيق عملى للمعايير المزدوجة فى التعامل مع قضايا حقوق الإنسان تتحدث عن أنها جزء من سياستها الخارجية فى خطابها العالمى، بينما تمارس انتهاكات قاسية ضد حقوق المهاجرين وطالبى اللجوء. وكان من ضمن المبررات غير المنطقية هو الخوف على طالبى اللجوء من عصابات الاتجار بالبشر المنتشرة فى أوروبا، وهو عذر غريب على دولة إقليمية ومن أكبر القوى العسكرية والأمنية فى العالم ولكنها عاجزة عن القضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر وملاحقة تجار الاعضاء وحماية طالبى اللجوء منهم. حديث بريطانيا عن حماية حقوق الإنسان فى سياستها الخارجية لا يستقيم مع انتهاكات حكومتها المنهجية ضد التظاهرات والمهاجرين وطالبى اللجوء والمؤسسات الحقوقية الدولية مطالبة بالتحرك ضد الخطة البريطانية لترحيل اللاجئين وتذكير بريطانيا بالتزاماتها الدولية تجاه حقوق الإنسان والمهاجرين. 1