مع تكرار الأزمات من وقت لآخر يظهر الحديث عن الاحتكار لما يحمله من الإضرار بالناس الحاصل بالسيطرة على السلع التى يحتاجون إليها أوقات الأزمات؛ ولذا فعن كثير من جهات الفتوى ومن بينها دار الافتاء تعتبر الاحتكار من الكبائر؛ وذلك لأنَّ الإضرار بالغير الذى لا يُحْتَمل عادةً هو من الكبائر؛ فإذا أضيف إلى ذلك كون هذا الاحتكار مرتبطًا بأقوات الناس أوقات الأزمات؛ فهو أشد فى الحُرْمة وأَغْلَظ فى المنع. ومع استمرار ارتفاع الأسعار واحتكار بعض السلع فى رمضان أكد علماء الدين أن الاحتكار والتلاعب بالأسعار يعد ذنبا مضاعفا فى رمضان، وينال صاحبه جزاء مضاعفا من الله تعالى. شيخ الأزهر د. أحمد الطيب وجه فى بداية الشهر الكريم رسالة إلى التجار محذرا فيها من الاحتكار حيث أوصى التُّجَّار والبائعين؛ بأن يتقوا الله ويعلموا أنَّ احتكار السِّلَع ورفع الأسعار جُرمٌ عظيمٌ يفسد على النَّاس حياتهم ومعيشتهم، وقد حذَّرنا رسولنا الكريم منه حين قال؛ «مَنْ دَخَلَ فِى شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ المُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، كانَ حَقًّا عَلَى الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِن النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ».. دار الإفتاء من جهتها أكدت أنه رغم احتواء احتكار السِّلَع على التحريم الشرعى وكونه من الكبائر؛ فإنَّه أيضًا يدل على خِسِّة صاحبه، ونقص مروءته، وتقصيره فى المسئولية المجتمعية تجاه بنى وطنه؛ فهو استغلال لضروريات الناس وقت الأزمات التى تستدعى أصالةً توافر الجهود من أبناء المجتمع التى يُعْلِى فيها الجميع المصلحة العامة على الخاصة، والوضع نُصْبَ العين معانى الرحمة والتعاون والمواساة التى نادى بها الدين الإسلامى الحنيف. وشددت على أن رمضان هو شهر التكافل لا التلاعب بأقوات الناس واحتكار السلعة، وأن أبلغُ تعبيرٍ جامعٍ وأصدق وصف شاملٍ لمفهوم التكافل نصُّ الحديث النبوى: «مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» «متفق عليه»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم فى الحديث الذى رواه الشيخان: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا». فإحساس كل فرد من المجتمع بأنَّ عليه واجبات فى مقابل حقوقه هو الصورة الكاملة للتكافل، والمعنى الأكمل والأعم لكل صوره. من جهته، يرى وزير الأوقاف د. محمد مختار جمعة أن المتاجرة بالأزمات، من الاستغلال والاحتكار والأنانية والشره فى الشراء وتخزين السلع فوق الحاجة الضرورية، ونحو ذلك، فاستغلال حوائج الناس إثم كبير يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «مَنْ دَخَلَ فِى شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ»، فديننا دين الإيثار لا الأثرة، حيث يقول الحق سبحانه: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، ويقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فى الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِى إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِى وَأَنَا مِنْهُمْ» . وأوضح أنه إذا كان التكافل مطلوبًا على كل حال وفى كل حال، فإن هناك أوقاتًا تضاعف فيها الأعمال، حيث يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»:»إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِى أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أبدًا».ومن أهم هذه الأيام شهر رمضان، وقد كان نبينا «صلى الله عليه وسلم» أجود الناس وأكرم الناس، كان أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون فى رمضان، فإذا كان الأمر أو الوقت وقت شدة ضوعفت الحسنات، وبرزت أهمية التراحم والتكافل، لافتا إلى أنه إذا كان جزاء المنفقين عظيمًا يضاعف لهم سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء، فإن أرجى وقت تضاعف فيه الحسنات هو شهر رمضان، ولا سيما أننا فى وقت الناس أحوج ما يكونون فيه إلى التكافل والتراحم. ويوضح عبدالغنى هندى عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أنه كما أن هناك من الأماكن العمل فيها مضاعف الأجر والمعصية فيها مضاعفة الجزاء كبلد الله الحرام فكذلك هناك من الأيام الذنب فيها مضاعف كرمضان أيضا، وعليه فإن الاحتكار ذنب مضاعف فى رمضان. أضاف أن الله جعل أيام رمضان مباركة، والطاعة فى تلك الأيام لها ثواب مضاعف كما أن ارتكاب المعاصى فيها جزاؤها مضاعف، علاوة على أن احتكار السلعة على الناس من الذنوب العظيمة التى جاء فيها النصوص بعظم جزائها واعبتار صاحبها مطرودا من رحمة الله. أمر آخر يشير إليه هندى حول جزاء التاجر المحتكر، وهو أنه يستجاب الدعاء عليه، كما يحق فيه قول الرسول للهم من ولى من أمر أمتى شيئاً فشق عليهم فشقق عليه» والتاجر تولى أمرا من أمر المسلمين، ومن احتكر سلعة فإنه يشق على المسلمين حياته. ذنب مضاعف الشيخ عبدالحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر أكد أن الاحتكار بشكل عام إثم عظيم إلا أنه فى رمضان فهو إثم مضاعف، حيث إن الذنب فى رمضان مضاعف كما أن الحسنة فى رمضان مضاعفة وعلى التاجر أن يتقى الله ولا يغلى سلعا أو يحتكرها كما على المستهل أن يتقى الله، ولا يدخر سلعا أو يتكالب عليها، فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول:«لو إنكم تفرون من الرزق لأدرككم كمايدرككم الموت» وأوضح أن الاحتكار يعد من أعظم الذنوب حيث قال صلى الله عليه وسلم المحتكر ملعون وفى حديث آخر «المحتكر خاطئ»، وقال النبى المصطفى: من احتكر على المسلمين سلعة ليغليها عليهم ضربه الله بالجنون والجزام والبرص»، كما نزل النبى صلى الله عليه وسلم السوق يوما فقال: يا معشر التجار أبشروا يحشر التجار يوم القيامة فجارا إلا التاجر الصدوق يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا «فالتاجر الصدوق الذى لا يحكر سلعة أو ينتهز فرصة ولا يزيد من تسعيرة السلع» أضاف أنه فى شهر رمضان ينبغى أن يكون هناك شفافية بين العبد وربه وليعلم العبد أن شهر رمضان هو شهر الصلة والنقاء والبر والإحسان وعلى كل مسلم أن يخلص النية لله ولا يجعل للجشع والطمع فى قلبه نصيب لأن الصائم لا يعلم مدى أجر صومه إلا الله. وشدد أنه ينبغى أن يكون لدى المواطن وعى فقد جاءوا إلى ابراهيم بن أدهم يشكون إليه ارتفاع سعر اللحم فقال أرخصوه فقالوا كيف ذلك قال: لا تشتروه، وأوضح قائلا: تكالب الناس على السلع هو الذى يؤدى لجشع التجار وطمعهم ويضطر التاجر غير الأمين برفع السعر. من جهته أوضح الشيخ محمد محمود مصطفى – من علماء الأوقاف - أن الشرع الحنيف نهى عن كل صور الاحتكار والاستغلال؛ لما فيه من التلاعب بأقوات الناس ومقومات حياتهم، والاستحواذ عليها؛ لتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب عنت الناس ومشقتهم، حيث يقول الحق سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا»، ويقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئ». كما أشار الشيخ هشام محمد محمود صالح - واعظ بمنطقة وعظ مطروح - إلى أن المحتكر لا نخوة له ولا وطنية؛ لأنه جعل أنانيته فوق كل اعتبار دينى أو وطنى أو إنساني؛ لذلك استوجب سخط الله «عز وجل»، وبغض الناس، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئ». 4 5 7