أثار قرار د.محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، السبت الماضى بمنع التبرعات بالمساجد حالة من الجدل الشديد حول أسباب القرار، وحقيقة أن يكون القرار مقدمة لمنع صناديق النذور، لا سيما أن بعض المنتمين للطرُق الصوفية أكدوا أن القرار سيسبب ضررًا للصوفية، ويضيق الخناق عليها، ولن يكون لها أى نشاط على الإطلاق؛ لأنها تحصل على 10% من تلك الصناديق وتصرف منها على أنشطتها، معللين أن القرار اعتمد على القول بأنه يأتى فى إطار خطة الدولة لتعزيز عمليات الدفع غير النقدى، وحوكمة جميع الأمور المالية، بما فيها أموال النذور والتبرعات. الأوقاف من جانبها أصدرت بيانًا أوضحت فيه أن القرار يضع قواعد وضوابط وحوكمة عملية التبرعات العينية والنقدية بالمساجد، بحيث لا يُسمح لأى شخص بجمع أى أموال تحت أى مسمى بالمساجد بالطريق النقدى، وعدم السماح بوضع أى صناديق بها، باستثناء ما ينظمه القانون بشأن صناديق النذور بمساجد النذور المحددة بالقانون، كما ينظم القرار آلية قبول أى تبرعات عينية مع الالتزام بكل الإجراءات القانونية والإدارية لقبولها، وحددت حسابين أحدهما لعمارة المساجد والأضرحة، والثانى للبر وخدمات المجتمع، كما حددت الأوقاف عشرة أيام للمساجد فى تقنين أوضاعها من تاريخ صدور القرار لرفع كل صناديق التبرعات. وحول تفاصيل قرار الأوقاف والأسباب التى دفعت الوزارة إلى اتخاذ هذا القرار، الذى اعتبره البعض مفاجأة غير متوقعة، قال د.نوح العيسوى رئيس الإدارة المركزية لشئون مكتب وزير الأوقاف، إن قرار منع صناديق التبرعات بالمساجد هو قرار حكيم وجرىء، ونتمنى من كل الجهات التى تجمع تبرعات بصناديق تبرعات أن تقتدى بالأوقاف. أضاف: إن قرار الأوقاف هو نوع من الحوكمة، ويعمل على تحقيق درجات الشفافية بحيث يتيح لمن يريد التبرع أن يكون لديه وسائل من خلال رقم حساب تبرع لوزارة الأوقاف من أجل المساجد وآخر من أجل أعمال البر. مشيرًا إلى أن صناديق التبرعات بالمساجد كانت تُستخدم استخدامًا خاطئًا، وأنه تم اكتشاف أكثر من حالة فى التلاعب بصناديق التبرعات. وشدد أن قرار رفع صناديق التبرعات بالمساجد يحقق قاعدة «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة» ردًا على من يقول إن منع التبرع بالمسجد سيؤدى إلى عزوف كثيرين عن التبرعات للمساجد؛ حيث إن صناديق تبرعات المساجد كان بها مجال للفساد كبير؛ حيث لا يعلم فى أحوال كثيرة أين تذهب أموال بعض هذه الصناديق وكم عددها. وأوضح د.نوح، أنه ليس شرطًا أنً تكون هناك مشكلة فى جميع المساجد حتى يتم التنظيم، لا سيما أن القرار لم يغلق باب التبرعات العينية. وقال: من يريد التبرع عليه أن يعلم أن إنشاء حساب للتبرع سيؤدى للحفاظ على أمواله وتوجيهها بصورة صحيحة بدلًا من وضعها فى صندوق لا يعلم أين ستذهب أمواله. وعن إلزامية سرعة تنفيذ القرار والموقف فيما لو تمت المخالفة قال د.نوح: المسجد الذى يجمع تبرعات أمامه فرصة ينشئ رقم حساب له خلال عشرة أيام من صدور القرار كى يتم التبرع من خلال هذا الحساب، وبعد انتهاء المدة سيتم رصد المخالفات وسيعرض من يخالف ذلك للمُساءلة القانونية. وعن سبب استثناء القرار لصناديق النذور قال د.نوح العيسوى: هناك فرق كبير بين صناديق النذور وصناديق التبرعات؛ حيث يوجد 220 صندوق نذور فى 199 مسجدًا تقريبًا، وهى مساجد كبرى بمختلف المحافظات، فهذه الصناديق ينظمها القانون وتتحكم فيها الوزارة كاملة، ولا يمكن أن يشوبها فساد بسبب منظومة المراقبة المعمول بها. قرار للضرورة وحول قرار الأوقاف ومدى تقبله يشير الشيخ شوقى عبداللطيف وكيل وزارة الأوقاف السابق، إلى أن القرار كان أمرًا ضروريًا؛ خصوصًا أن هناك تلاعبًا فى الصناديق الخاصة بالتبرعات وحتى صناديق النذور كان يتم التلاعب بها لولا وجود منظومة الرقابة المشددة التى تتم حاليًا من قِبَل وزارة الأوقاف. أضاف: إن قرار الأوقاف لا يخالف ما عليه صناديق التبرع؛ حيث إن الأساس فى التبرعات للمساجد أن يكون لها حساب بنكى يتم تجميعها فيه، ثم يحدد الجهات التى سيتم الصرف فيها الأموال، ومن ثم فإن جعل التبرع مباشرة للحساب البنكى الخاص بكل مسجد سيؤدى لضبط عملية التبرع وتحديد جهة صرفها. إلا أن الشيخ شوقى يشير إلى نقطة مهمة تترتب على إلغاء صناديق التبرعات، وهى أن تتحمل وزارة الأوقاف جميع الأعباء الخاصة بخدمة المساجد وصيانتها وعددها كبير، كانت الصناديق تساهم فيه بشكل مباشر من خلال جهود ذاتية، وهو ما سيؤدى إلى زيادة العبء على الأوقاف، وسيتطلب أن تكون هناك ميزانية تغطى جميع ما يحتاجه المسجد. ويقترح وكيل الأوقاف السابق، أن تطالب وزارة الأوقاف بمضاعفة ميزانية المساجد لأنها بحاجة إلى خدمات، لا سيما أن بعض التبرعات تذهب لتطوير وصيانة المس اجد. حق المراقبة والضبط عبدالغنى هندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، يرى من جانبه أيضًا أن قرار منع صناديق التبرعات بالمساجد واستبدالها بحساب بنكى أمر مطلوب، وقال: «إن قرار منع التبرعات بالمساجد لا يزعج المجتمع؛ خصوصًا أنه فى ظل التعاملات التى تتعلق بالتبرعات أصبح الأمر يتم فى مختلف المؤسّسات عن طريق البنوك، ومن ثم يتماشى قرار الأوقاف مع العصر. واستطرد عبدالغنى قائلًا: «قد يتساءل البعض عن الفائدة فى أن يتبرع الشخص فى صندوق عادى بالمسجد أو يتبرع بصندوق بنكى، وإجابة ذلك أن التبرع من خلال حساب بنكى سيتيح الرقابة وهذا يحكم الأمر؛ حيث إن وجود حساب سيعطى إمكانية المساءلة لمعرفة كيفية صرف التبرعات، وهذا يعطى حق المراقبة والضبط، وصرفها فى عمارة المساجد، لا سيما أن أموال صناديق التبرعات بالمساجد بوضعها الحالى فى مختلف المحافظات لا يمكن تحقيق ضمان صرفها فيما تم التبرع من أجله». ومع هذا يقترح هندى، أن يكون الحساب البنكى الخاص بالتبرع متاحًا عبر فورى لتسهيل التبرع للمساجد أو من خلال تطبيقات هاتفية أو خدمة الرسائل وهذا نوع من المرونة فى دفع التبرع. وأوضح هندى، أن وزارة الأوقاف تقوم من خلال التبرعات التى يتم جمعها بأمرين؛ عمارة المساجد والبر، وهذا يتطلب حوكمة الأمر ومن الممكن أن يقام بالأمرين من خلال كارت تخصصه الأوقاف يساعد على الصرف للفقراء، وأن يكون هناك توحيد للصناديق فى الإنفاق على المساجد والفقراء فى المحافظات. وحول ربط القرار بصناديق النذور، وتخوف الصوفية فى أن يكون هناك قرار مماثل قد يطال تلك الصناديق، قال عبدالغنى هندى: صناديق النذور تعتبر قصة ثانية، ولا يمكن أن يطالها قرار بمنعها، لا سيما أن هناك قانون 110 لسنة 2008 ينظم النذور وهذا لا يعطى الحق لوزارة الأوقاف أن تلغيه؛ حيث إن صناديق النذور خاصة بمساجد آل البيت ومساجد الصوفية. كما أوضح، أن صناديق الزكاة لم يشملها القرار؛ حيث تم إلغاؤها منذ فترة ولم يعد هناك صناديق للزكاة سوى فى بعض المساجد؛ لأن بعض الناس كان يستغلها فى التحكم فى الناس، ومن ثم كان إلغاؤها أيضًا يتوافق مع الوضع القائم؛ خصوصًا أن هناك جهات رسمية موثوق فيها تجمع الزكاة مثل بيت الصدقات والزكاة التابع لشيخ الأزهر. 2 3 4 5