تتبعنا على مدار 4 حلقات سابقة صوت المرأة فى سياقات وعصور مختلفة، كان مدخلنا إلى تلك الحلقات هو اللحظة الراهنة، حيث يواجه الصوت النسائى فى تلاوة القرآن تحديات كثيرة، ثم انتقلنا إلى حكايات المرأة فى القرآن الكريم، ومنه إلى مملكة الصوفية، حيث كان للمرأة دور كبير فى تعليم كبار الأقطاب، بينما تطرقنا فى الحلقة السابقة إلى دور المرأة الكبير فى نقل المعرفة الدينية والأحاديث النبوية. وفى الحلقة الأخيرة من «صوتهن عظيم» نتخذ اتجاها آخر لإكمال الصورة، إذ نتتبع محاولة اختطاف وتقييد حرية المرأة ودورها فى المجتمع باسم الدين وتحت ستار الفتوى، وهو ما حدث بشكل مكثف ومقصود فى فترة السبعينيات أو ما يسمى ب«الصحوة الإسلامية». المتابع لفتاوى الجماعات المتطرفة يجد أن هناك ما يشبه «الهوس بالمرأة»، وترسم فتاواهم بشكل واضح تصورهم القاصر عن دور المرأة فى المجتمع وكأنها مجرد أداة للمتعة فقط وأداة من أدوات الرجل.. نرصد أبرز الفتاوى «ضد المرأة» على مدار سنوات لنعرف كيف استهدفت جماعات التطرف «نصف المجتمع». لا يمكن الحديث عن الفتاوى التى استهدفت المرأة دون ذكر ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية الجدل، حيث تشغل المرأة حيزا كبيرًا من اهتماماته بل وحتى أولويات الحركة السلفية. فتاوى «الهوس الجنسى بالمرأة» اهتم برهامى، بالفتاوى الخاصة بالممارسة الجنسية، وفى سؤال عبر موقع «أنا السلفى» التابع للدعوة السلفية كان نصه: «لماذا الزوجة ملزمة دومًا أن تستجيب لزوجها فى أى وقت، وعلى أى حال؟ أليس الشرع يراعى نفسية الزوجة كبشر وإنسانة، وأنها ليست دومًا فى حالة نفسية تجعلها مريدة للمعاشرة الزوجية». ورد برهامى قائلا: «ليس الأمر إهانة ولا ترخيصًا للمرأة، ولا بد أن توطِّن نفسها على ما ألزمها به الشرع، وليس لأن مزاجها غير مهيأ فى توقيت ما تمتنع مِن إعطاء حق الطرف الآخر، الذى له أيضًا احتياجات قد يكون عدم إعطائها له سببًا فى انحرافه». ليس غريبا أيضا أن برهامى هو الذى أفتى أيضا بجواز عدم دفاع الرجل عن زوجته فى حال تعرّضها للاغتصاب، إذا كان الأمر يهدد حياته، إذ قال: «إذا كانت الحالة أنه يقتل وتغتصب زوجته، فلا يجب عليه الدفع، لأن تخفيف إحدى المصيبتين أولى من جمعهما عليه»، مستشهداً بموقف الإمام العز بن عبد السلام، عن ترك المال للصوص حفاظاً على الروح من القتل. جاء ذلك بالإضافة إلى عدد من فتاواه الغريبة بشأن حرمة «ارتداء المرأة للصندل المكشوف بدون جورب»، أو معاشرة الزوجة المستحاضة بالعازل الطبى، وغيرها الكثير من الفتاوى التى تكشف عن عقل مريض ورؤية مضطربة للمرأة. لم يغب يوسف القرضاوي، عن تلك الساحة أيضا – رغم كبر سنه- فلا يمكن أن ننسى أنه أول من ردد فتوى «إرضاع الكبير» التى أثارت جدلاً واسعا، حيث قال: «يجوز للمرأة إرضاع زميلها الرجل فى مكان العمل وذلك لمنع أن تقع خلوتهم فى العمل على إثم، على أن توثق رسمياً أسماء من أرضعتهم من ثديها». هناك من تفوق من أبناء الدعوة السلفية على مشايخه وزايد عليهم فى تلك الرؤية القاصرة، فنجد أن الداعية السلفى أسامة القوصي، أصدر فتوى أباح فيها للرجل «النظر إلى المرأة أثناء استحمامها ما دام ينوى الزواج منها»، مدللا على ذلك بأن «أحد الصحابة كان يراقب خطيبته وهى تغتسل فى البئر، حتى يتأكد من صلاحها للزواج»! آخر تلك المواجهات مع المجتمع، كان موقف حزب النور السلفى فى البرلمان الرافض لتغليظ عقوبة الختان، وتحجج نائب النور أحمد حمدى بأن «المرأة غير المختتنة تكون سريعة الاستثارة وشهوتها غالبة فيكون حينها الختان ضابطًا لتلك الأمور بما لا يضر بالمرأة عند المعاشرة الزوجية وهناك أبحاث علمية أثبتت ذلك»! الإخوان على نفس الخط فى دراسة بعنوان «الفتوى الضالة عن الإخوان والسلفيين»، أعدها الدكتور سيد زايد، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، أوضح أن فتاوى تلك الجماعات «ترى المرأة مخلوقاً غريباً، لم يخلق إلا للجنس فقط، وأن صوتها وشكلها وخروجها من بيتها عورة، وبعضها ذهب إلى أن كلها عورة». تناولت الدراسة 51 فتوى، حيث استنتج الباحث من خلال دراستها أن الإخوان والسلفيين أجازوا فى فتاواهم كذب الزوجة على زوجها من أجل السياسة باعتباره «كذب أبيض» بحسب تعبيرهم. كما تناولت الدراسة فتاوى عن أن «نزول المرأة هى وأطفالها كدروع بشرية فى المظاهرات والمسيرات يعد جهاداً فى سبيل الله، بل يجوز لها أن تتزوج فى سن العاشرة، حماية لها من الانحراف»، كما حرّموا عليها أن تأكل بعض الخضراوات، أو ملامسة الخيار والموز! وأضافت الدراسة أن تلك الفتاوى اعتبرت نزول المرأة البحر «زنى»، لأن البحر من وجهة نظرهم ذكر!.. وبدخول الماء إلى أماكن حشمتها تكون المرأة «زانية» ويقع عليها الحد! كما تناولت الدراسة فتاوى عن أن تشغيل المرأة للتكييف فى غياب زوجها حرام، لأنه يعطى إشارة للجيران بتواجدها فى المنزل، ويستطيع أحد الجيران أن يزنى بها! بحسب فتاواهم، كما حرموا الزواج من أعضاء الحزب الوطنى المنحل. لم تخرج الفتاوى من دائرة الجنس والمرأة، فنجد أن فتاوى الإخوان أجازت للمرأة الامتناع عن فراش زوجها إن طلبها للجماع وهى مريضة بنزلة البرد الشديد، أو إذا كان أبواها يبيتان عندها فى المنزل، فيما اعتبرت أن عقد الزواج باطلًا إذا تجرد الزوجان من ملابسهما أثناء الجماع. وعندما خرجت تلك الفتاوى من غرفة النوم، كان الحديث عن تحريم خروج الطالبات للدراسة لمسافة 25 كيلومترا.. بالطبع فذهاب المرأة للتعلم أيا كانت المسافة، تجعلها خارج سيطرة «مشايخ غرف النوم». اتفاق الإخوان والسلفين مع رؤية «داعش» للمرأة تعاملت التنظيمات الإرهابية منذ اللحظة الأولى مع قضية المرأة كسلعة لاستغلالها فى الزواج وإنجاب الأطفال، وتلقينهم الفكر المتشدد، وأحياناً تم استغلالها فى نقل الأسلحة والتجنيد والقيام بهجمات إرهابية، واتفقت فى ذلك بشكل واضح مع الإخوان والسلفيين، وكأنهم جميعا قرروا «وأد المراة بالفتاوى». فنجد أن فتاوى تنظيمى داعش والقاعدة شرعت للعنف بكل أشكاله ضد المرأة، فضلا عن إباحة زواج القاصرات. كما استغل تنظيم «داعش» النساء، لنشر أفكاره بين العناصر النسائية الأخرى، إضافة إلى استخدامهن فى الترويج الدعائى لأفكاره الخاصة، ففى نهاية عام 2017 أعلن «داعش» فى أحد إصداراته أن «الجهاد واجب على المرأة» بحسب تعبيرهم، كما تم إنتاج صور دعائية لنساء يقاتلن فى معاركه، وكان لهذه الإصدارات أثر فى الدور الذى باتت تلعبه النساء داخل التنظيم. وفى دراسة أصدرها المؤشر العالمى للفتوى التابع لدار الإفتاء المصرية، أوضحت أن %90 من الفتاوى لدى التنظيمات الإرهابية تبيح ظاهرة (العنف ضد المرأة)، واستغلال الفتيات جنسياً، واعتمدوا فى ذلك على أدلة من الكتاب والسنة مجتزأة من سياقاتها الزمانية والمكانية». بعد رصد أجزاء بسيطة جدا من فتاوى الإرهاب ضد المرأة، التى اتفقت فى أهدافها رغم اختلاف الجماعات والتنظيمات التى أصدرتها، يمكننا فهم التحديات التى تتعرض لها المرأة على جميع المستويات، إذ تسربت تلك الأفكار لكثير من فئات المجتمع، وهو ما تحاول مؤسسات الدولة مواجهته الآن باستراتيجية واضحة تدعم تمكين المرأة.. الآن يمكن لإذاعة القرآن الكريم أن تعيد النظر فى قرار رئستها السابقة د.هاجر سعد الدين، بمنع قبول قارئات جدد، وبدء مشروع يتبنى الأصوات النسائية والتلاوة والإنشاد.. ليبقى «صوتهن عظيم». 3 4_copy