يشهد العالم العديد من المتغيرات السريعة، بسبب جائحة كورونا، التى تعتبر نقطة تحوُّل كبيرة فى الكثير من المجالات، وعلى رأسها التعليم، وأمام هذا التحول الجذرى؛ من المتوقع أن تختفى مهن، لتظهر مهن أخرى يحتاجها الواقع الجديد. حول المرحلة الجديدة التى يشهدها العالم، والفرص الجديدة، ذهبنا لنحاور د.محمود علم الدين، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، والمتحدث باسم الجامعة، لنتحدث معه عن أبرز الاستنتاجات التى خلُص إليها من البحث الذى أجراه حول المهن المتوقع انقراضها خلال السنوات المقبلة، والمهن الجديدة التى يتوقعها المستقبليون كما يطلق عليهم، مشيرًا إلى أن العالم على أعتاب نقلة نوعية جديدة، من شأنها أن تُغيِّر المنظور المعرفى للبشر، ما يعنى إعادة تشكيل أسواق العمل بشكل جديد.. وإلى نص الحوار: من خلال المتغيرات السريعة التى يشهدها العالم.. ما أبرز صور الاختلاف التى تتوقعها فى الفترة المقبلة؟ - من صور الاختلاف المرتقبة أنه بحلول العام 2025 سيكون 10 % من الملابس التى يرتديها البشر متصلة بشبكة الإنترنت، كما ستتم زراعة كبد صناعي باستخدام تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد فى جسد المرضى، ويجمع خبراء التقنية على أن ما ينظر إليه اليوم على أنه مستقبل بعيد، يمكن أن يصبح حقيقة واقعة بعد خمسة أو عشرة أعوام على أبعد تقدير. وستزداد وتيرة الارتباط الشبكى بين مختلف الأجهزة الإلكترونية والذكية، وصولًا إلى ربط كل جهاز قادر على الاتصال الشبكى، ويُقدِّر الخبراء أنه خلال هذه الفترة، سيصل عدد الأجهزة المرتبطة فيما بينها إلى 50 مليار جهاز. يعنى ذلك أن الروبوتات ستكون بديلًا للإنسان فى المستقبل القريب؟ - هذا ليس صحيحًا.. سيكون هناك جيل من العمال المعززين بالتكنولوجيا سواء فى المصانع أو مواقع البناء؛ إذ تسمح هذه التقنية للعمال على سبيل المثال بارتداء هياكل خارجية روبوتية تعزز قوتهم.. ما يعمل على خفض مخاطر الإصابة بحوادث العمل دون التعرُّض للإصابات الخطيرة. لكن لن يكون هناك صراع بين الروبوتات والبشر.. أو أن الروبوتات ستحل محلهم فى الوظائف؛ حيث إن هناك جانبًا تعاونيًا بين البشر والتكنولوجيا، وبهذه الطريقة ستكون الشركات والمصانع قادرة على الاستفادة من نقاط قوة البشر والآلات على حد السواء. وفقًا لذلك السيناريو.. هل يمكن أن تتحقق أفلام هوليوود فى الخيال العلمى على أرض الواقع؟ - الخيال العلمى يتحول بالتدريج إلى حقيقة علمية، وقد نعيش قريبًا فى مدينة فاضلة كاملة، كما أن هناك مجموعة من الاختراعات العلمية والتكنولوجية المحتملة التى يمكن أن تحدث ثورة فى طريقة عملنا، منها الروبوتات الشبيهة بالبشر، الذكاء الاصطناعى،علم الجينوم المتقدم. ووفقًا لمعهد ماكينزى العالمى، فإن نصف الأنشطة الاقتصادية فى الولاياتالمتحدة، بحلول عام 2055، على أقصى تقدير، ستخضع للتشغيل الآلى،ويتوقع العديد من المستقبليين أن تتولى الروبوتات أو الآلات الذكية فى نهاية المطاف عددًا كبيرًا من المهام المكتبية. إلى أى مدى ستؤثر التكنولوجيا الحديثة على مستقبل الوظائف الحالية؟ - التطور المذهل والمتسارع فى المجال العلمى سيساهم فى إحداث تحول كبير فى مستقبل المهن، بعضها سيكون مهددًا بالاستبدال، والبعض الآخر سوف يتطلب تطوير مهارات متقدمة، وسيكون للتطورات الصناعية العالمية تأثير كبير على فرص العمل، بدءًا من خلق فرص عمل كبيرة إلى فقدان وظائف أخرى، ويتوقع الباحثون أن نحو 65 ٪ من النشء الذين هم فى المرحلة الابتدائية اليوم سوف يعملون فى وظائف جديدة لم نسمع عنها من قبل. وقد أشارت بعض التقارير إلى أن هناك عشر وظائف يحتاجها العالم بشدة فى المستقبل القريب، وهى البرمجة، أمن المعلومات، تحليل البيانات، الطاقة البديلة، القانون الدولى،الطباعة الثلاثية الأبعاد، التعليم عن بعد، التسويق، المستشار الشخصى، والمخطط المالى. والمفاجأة أن التقارير أظهرت حدوث فجوة بين الجنسين فى الوظائف التكنولوجية؛ حيث إن نمو الوظائف الجديدة فى الكمبيوتر والتكنولوجيا والمجالات المتعلقة بالهندسة يفوق المعدل الذى يشغل فيه النساء لهذه الوظائف حاليًا؛ ما يعرضهن لخطر عدم الحصول على فرص عمل مستقبلًا فى هذه المجالات. لكن ماذا عن المهن المتوقع استمرارها وسط ذلك التقدُّّم التكنولوجي؟ - هناك مجموعة من المهن من المتوقع ازدهارها فى المستقبل مثل تكنولوجيا المعلومات، ومقدمى الرعاية الصحية، وخبراء التسويق، والموارد البشرية، والمحامين، فضلًا عن البرمجة، والهندسة الطبية، وأمن المعلومات، وخبراء الهندسة الوراثية، وخبراء الطاقة البديلة. وأمام هذا الكم الهائل من التكنولوجيا التى تجتاح العالم، تبقى مهنة الأطباء النفسيين مهمة لعلاج إدمان التكنولوجيا والتسمم الرقمى. جميع التقارير التى ذكرتها تتركز على الوظائف المستقبلية لأبناء المراحل العمرية الصغيرة.. فما هى المهن التى تنتظر خريجى الجامعات المصرية؟ - هناك عدد من الوظائف غير منتشرة حاليا، ولكنها تعتبر أفضل وظائف المستقبل، والمتوقع لها رواج ضخم منها فنى الطاقة الشمسية، والرياح، التمريض، الطب الحيوى، الهندسة الميكانيكية، وهندسة الإلكترونيات، ومستشار إعادة التأهيل الرقمى،مطور تقنية blockchain، والطيار سواء المدنى أو التجارى، وفنى المبانى الذكية، والمستشار الشخصى،ومستشار العلامات التجارية، فنى خدمة الروبوتات. خلال جائحة كورونا انتشر مفهوم التعليم عن بُعد بشكل أوسع.. فهل سيؤثر ذلك على مهنة المعلم؛ أم إن الوسيط فقط هو الذى تغيَّر؟ - تغيُّر الوسيط بين المعلم والطالب سيفرض تغييرًا على المهنة نفسها بالطبع.. حيث تشير بعض التقارير إلى أن هناك حاجة لمعلم بسمات وخصائص جديدة؛ منها أن يمتلك المعلم العديد من مهارات فى فن التدريس والتواصل، وإدارة البشر والذات، بالإضافة إلى امتلاك مهارات تكنولوجية عالية، وأيضا لا بُد أن يمتلك الابتكار وروح المبادرة، والذكاء الوجدانى والاجتماعى، والإدارى،لأنه بغير ذلك لن يكون له مكان وسط العالم الجديد. مفهوم العمل عن بُعد ظهر بشكل استثنائى خلال فترة انتشار الوباء.. فما المبرر الذى يجعل العمل يستمر بتلك الطريقة بعد انحسار الفيروس؟ - هناك عدة أسباب تجعل قطاعًا عريضًا يفكر فى الاستمرار بالعمل من المنزل، بعد انتهاء الجائحة، أهمها تخفيض النفقات والجهد المبذول فى الانتقال بصورة يومية، من منازلهم إلى مكاتبهم والعكس. وتم إجراء العديد من الأبحاث خلال الأشهر القليلة الماضية، وفى مجال الإعلام أوضح استطلاع أن هناك نحو 83 % من المشاركين رأوا أن جودة عملهم من المنزل كانت أفضل، فيما يعتقد نحو 73 % أن الصناعة يمكنها الاعتماد على الوظائف عن بُعد فى المستقبل. على الجانب الآخر، رأى العاملون فى قطاع التجزئة أن العمل عن بُعد لم يجد نفعًا معهم؛ إذ يعتقد نحو 44 % منهم أن العمل عن بعد مضى بصورة جيدة، فيما تنخفض النسبة إلى 29 % لمن يعتقدون أن القطاع يمكنه الاعتماد على الوظائف عن بُعد، بعد انتهاء الجائحة، وفى مسح آخر لعدد من الموظفين فى سوق العمل الأمريكية فإن نحو 30 % منهم يفكر فى مناقشة إمكانية استمرار العمل من منازلهم بعد انتهاء الجائحة. وما هى اتجاهات العمل خلال الفترة المقبلة بعد جائحة كورونا؟ - أكدت مؤسسة جارتنر أن جائحة كورونا سيكون لها تأثير دائم على مستقبل العمل، منها زيادة فى العمل عن بُعد؛ حيث أظهر استطلاع أجرته المؤسسة مؤخرًا أن 48 ٪ من الموظفين سيعملون عن بُعد على الأرجح، مقابل 30 ٪ قبل انتشار الوباء. وتشير تقارير إلى أنه من المتوقع أن تشهد بعض قطاعات العمل فى منطقة الشرق الأوسط ازدهارًا أكثر من غيرها، خلال الأشهر القليلة المقبلة، منها الإنترنت، التجارة الإلكترونية، فمعظمنا، منذ بدء أزمة كورونا، لجأ إلى استخدام الإنترنت ليس للعمل فقط؛ بل لجأنا إليه لشراء السلع الغذائية والبضائع الاستهلاكية عن بعد، وذلك لتجنب الاختلاط مع الآخرين والحد من نشر الفيروس. فيما أكدت وزارة العمل الألمانية أن هناك 15مهنة من المتوقع أن تزدهر خلال السنوات الخمس المقبلة، لتصبح الأعلى أجرًا، فى مقدمتها مساعد الصحة المنزلية «جليسة كبار السن»، مساعد تمريض، وعمال البناء، مساعد العلاج الطبيعى،وفنى المعدات الطبية، مدير الخدمات الصحية، وهو المسئول عن العمليات المختلفة للمستشفيات، بالإضافة إلى مهنة المستشار المالى الذى يساعد الأفراد فى إدارة شئونهم المالية الشخصية. والأكيد أن وتيرة التغيُّر فى العالم أصبحت سريعة، فيمكننا تخيل بعض المهن الغريبة التى يمكن أن تظهر فى المستقبل مثل أخصائى تصنيع أجزاء الجسم، أخصائى زراعة المخ، أو صيدلانى متخصص فى إنتاج الأدوية على أساس الطلب، ومهندس متخصص فى أنظمة النقل فائق الذكاء، وأيضا متخصصين فى إعادة بعض الأنواع المنقرضة.