بأفعالهم غيّروا نظرة العالم نحو الطب فى مصر.. بسواعدهم وروحهم وابتسامتهم طبّبوا كثيرًا من مرضى الدول الموجوعة.. بإنسانيتهم مسحوا آلام فيروس كورونا المستجد الذى اجتاح الكرة الأرضية شرقًا وغربًا، وكوّنوا فرقًا من أمهر الأطباء لمحاصرة «كوفيد19»، لتخرج الصحافة الأجنبية تشيد وتشير إلى: «هذه هى بطلة اليوم فى أمريكا، هذا الطبيب ابن النيل الوفى، هذه الطبيبة من المحروسة»، هؤلاء جميعًا جاءوا من أم الدنيا لعلاج مرضى أوجاع الدّنيا!
«جيش مصر الأبيض» لم يكن فى ربوع ومراكز ومدن المحروسة فقط، بل ذاع صيتهم ورفرفت إنسانيتهم فوق العديد من مستشفيات العالم، وكانوا خير سفراء لمصر فى العديد من الدول التى سارعوا لتلبية أوجاع مواطنيها فى جائحة «كوفيد19»؛ إيمانًا منهم بأن رسالتهم لا تعرف لونًا أو جنسًا أو حتى ديانة، فالجميع أمام كورونا حاضر ومستعد، كل هذا وعيونهم على أم الدنيا مصر: «يارتنا كنا فى مصر عشان نقدر نساعد»!
الوصول إليهم لم يكون سهلاًبالمرة، فمعظم ساعات يومهم بين مصابى كورونا بالمستشفيات، ومن طبيب بيرجامو الذى احتفلت به أسرة إيطالية بعد شفاء الأب إلى ابنة قصر العينى التى أصبحت بطلة نيويورك حسب وصف وسائل الإعلام الأمريكية، «روز اليوسف» تحدثت إلى بعض سفراء الجيش الأبيض خارج الحدود؛ لرصد ما يدور داخل مستشفيات الحرب «الكورونية»، فكانت إجاباتهم تدمى وتوجع القلوب عما يدور فى مدن الموت!
طبيب بابا جيوفانى: فخور بمصرّيتى
يقول محمد عثمان، طبيب مصرى يعمل بمستشفى بابا جيوفانى بمدينة بيرجامو فى إقليم لامبورديا (بؤرة تفشّى الفيروس بإيطاليا): تم الاستعانة بى منذ بداية أزمة انتشار الوباء؛ للعمل فى الطوارئ ومتابعة حالات كورونا، ففى إيطاليا كل الأطباء اصطفوا لمحاربة ومحاصرة الفيروس الغامض؛ لنقص أعداد المتخصصين، مقارنة بالأعداد الكبيرة للمصابين. أضاف: «فى بداية انتشار المرض لم نكن مستعدين لمواجهة الفيروس بشكل جدّى، فوسائل الوقاية كالكمامات والبدل الوقائية لم تكن كافية، ما أدى إلى إصابة عدد كبير من الأطباء والممرضين، الأمر الذى أحدث حالة من الهلع للأطقم الطبية، لدرجة أن هناك ممرّضا قتل صديقته الممرضة ظنًا منه أنها نقلت إليه الفيروس القاتل، وأخرى انتحرت بعدما ظهرت عليها مؤشرات الإصابة.
وأشار عثمان إلى أن هذا الأمر قد تغيّر حاليًا بعد توافر المستلزمات الطبية، خاصة بعد الإمدادات التى حصلت عليها روما من بعض الدول وفى مقدمتها مصر، كما تم تنظيم التعامل مع الحالات، فتم تخصيص رقم للاتصال بمجرد ظهور أعراض الحالة، ومن خلال تلك الأعراض يوجّه الطبيب المختص الحالات إما للمستشفى أو يُبلغه بالعلاج مع البقاء فى المنزل، وفى الحالات التى تستوجب التواجد بالمستشفى يتم عمل فحص إكلينيكى لها، ووفقًا للحالة يتم التوزيع على عناية فائقة أو متوسطة أو عنبر عادى.
ويواصل الطبيب المصرى حديثه بأن هناك متابعة طبية للمصابين كل ساعة أو أكثر، على حسب تأثر كل حالة، بجانب وجود أطباء نفسية؛ لطمأنة المصابين؛ لأن الخوف والقلق يؤثر سلبًا على الجهاز المناعى، ما يسهم فى سرعة انتشار الفيروس، معتقدًا أن تناول وسائل الإعلام الخاطئ للوباء أسهم فى تزايد أعداد الوفيات والإصابات فى البلاد، بسبب حالة الرعب التى عاشها المواطن الإيطالى.
لفت عتمان إلى أنه عندما يعلم بوجود مصابين عرب ومصريين، يطلب أن يكون طبيبهم: «ساهمت فى علاج 7 مصريين و3 من المغرب العربى، ومنذ أيام شفى إيطالى وعند علمه بأنى مصرى أصابه الاندهاش؛ لمتابعتى الدائمة له وإصرارى على مساعدته حتى الشفاء، وعقب خروجه من المستشفى دعتنى أسرته لمنزلهم للاحتفال بسلامة والدهم، كنت فخورًا بأننى مصرى وشرف لى أن أكون سفيرًا لجيش مصر الأبيض».
كانت الدكتورة نرمين بطرس، 35 عامًا، تمنّى نفسها بأن تدرس يومًا علوم الطب لتساعد فى علاج المرضى، لترى بعد سنوات شاقة نتاج حلمها فور تخرجها فى «طب قصر العينى»، وتراودها أحلام السفر إلى الخارج وتكون محطتها الولاياتالمتحدةالأمريكية التى عملت فيها حتى أصبحت خلال فترة وجيزة نموذجًا مشرّفًا للطبيبة المصرية فى الخارج، فسلّطت وسائل الإعلام الأمريكية الضوء على دورها الكبير الذى تقوم به نرمين بمستشفى بروكديل فى بروكلين بنيويورك، تلك المنطقة الأكثر رعبًا بالولاية الأمريكية، حيث تعمل لمدة 80 ساعة أسبوعيًا حتى أطلقت عليها صحيفة نيويورك بوست «بطلة اليوم فى أمريكا».
وقالت نرمين: «الوضع صعب وخطير للغاية، فالحالات فى تزايد، وهناك ضغط كبير من الحالات التى تحتاج للعناية المركزة، ولم يعد هناك أجهزة تنفس صناعى تكفى لاستيعاب المصابين، مضيفة أن انتشار الفيروس سريع للغاية وهذا هو مكمن الخطورة، فلا أحد فى العالم يعلم، حتى الآن، ماهية الفيروس، وهذا بدوره يزيد الأعداد وقد يؤدى الضغط الكبير إلى انهيار النظام الصحى فى أمريكا».
أوضحت أن المصاب عند دخوله المستشفى يظل من 7-10 أيام حتى يستعيد وعيه وقدرته على التنفس، وتعتبر هذه فترة كبيرة فى ظل تزايد أعداد المصابين، لذا نحتاج لوحدات عناية مركزة ووحدات عزل جديدة، وعن تكريمها فى وسائل الإعلام الأمريكية، قالت إن رؤية مريض يتحسّن لا يقدر بثمن.
باسم من هانوفر: يا ريتنى فى مصر!
فى ألمانيا، يقول الدكتور أحمد باسم: «انضممت منذ أيام للعمل لأحد مستشفيات مدينة هانوفر التى تستقبل مرضى كورونا، فجميع المستشفيات غير المختصة بعلاج الفيروس تم إغلاقها وإرسال طاقمها الطبى وأجهزة التنفس الصناعى إلى مستشفيات العزل، فقد سخّروا المنظومة الصحية بالكامل لمكافحة فيروس كورونا، وقاموا بالتحليل لأكثر من مليون مواطن».
أضاف باسم أنه فى بداية انتشار الوباء فى ألمانيا واجهنا أزمة نقص المستلزمات الطبية بعد وقف الصين تصدير الكمامات، فقد عانينا كثيرًا إلى أن بدأ التصنيع المحلى لها، وفى الوقت الراهن نتعامل بحرص؛ حتى لا نواجه أزمة جديدة، فالكمامة ندوّن عليها أسمائنا ونرتديها طوال فترة التعامل مع المرضى (5-6) ساعات، ونحتفظ بها حال الاحتياج إليها بقية ساعات اليوم، كما أن النظارة الواقية يتم تعقيمها فى حوض للغسيل!
وأشار إلى أن القسم الذى يعمل فيه يضم 14 مصابًا، أعمارهم من 70-90، وأن عمله يستوجب المرور يوميًا، والكشف عليهم وسحب دم للتحليل، إضافة للرد على اتصالات أهالى المرضى لطمأنتهم والرد على أسئلتهم، مؤكدًا صعوبة الأمر عندما يصاب زملاؤه، فحتى الآن هناك 3 أطباء يتلقون العلاج كمصابين.
وعن متابعته لكورونا فى مصر، قال الطبيب المصري: «بتابع يوميًا وبقول يا ريتنى كنت فى مصر علشان أقف جنب بلدى، لكننا هنا، أيضا، نؤدى واجبا وطنيا وإنسانيا، لمّا مريض يسألنى عن جنسيتى باشعر بفخر وأنا باقوله مصرى».
السعودية: الوضع هنا مطمئن
ومن المملكة العربية، قال أحمد محمود، أحد الأطباء المصريين بمدينة جدة السعودية، إن الوضع هنا مطمئن، حتى الآن، فالسلطات اتخذت تدابير احترازية كبيرة كحظر التجول بعدة مدن وإغلاق الحرمين الشريفين، إضافة إلى تعقيم الأماكن العامة والشوارع، ما أسهم فى منع تفشى الفيروس مثلما حدث فى العديد من دول العالم.
وأضاف أن أعداد الإصابات تزايدت خلال الأيام الماضية متجاوزة 6 آلاف مصاب، لكن عند مقارنتها بأعداد الوفيات (83 وفاة)، سنجد أنها نسبة ليست بالكبيرة، وهذا يوضح المستوى الطبى العالى الذى تتمتع به مستشفيات المملكة؛ لأن حالات الإصابة لا يمكن التحكم به؛ لأنها ترتبط بتعاملات المواطنين، لكن وفاة المصابين يرجع للتعامل الطبى حتى وإن لم يكتشف علاج حتى الآن، مشيدًا فى الوقت ذاته بتوافر المستلزمات الطبية من كمامات وأقنعة للوجه وغيرها.
أشار إلى أن الجميع هنا مستعد للتعامل مع الوضع حال اكتشاف حالات إيجابية جديدة: «عند اكتشاف حالة كورونا إيجابية تقوم لجنة الطب الوقائى بإجراء مسح طبى، ويتم حجز كل المخالطين به 14 يومًا؛ للتأكد من سلامتهم أو إصابتهم، والمصابون يتم التعامل معهم بحذر شديد ووفقًا لما يتم فى مستشفيات العالم، فيتم إعطاؤهم العلاج الخاص بالأعراض الظاهرة عليهم، ونقوم بالفحص الدورى والتحاليل، فلا مجال للتهاون مع هذا الفيروس القاتل، فنحن مصريون فى دولة شقيقة نؤدى دورنا ورسالتنا السامية».